هل السفر عبر الزمن ممكنًا أم لا؟


 

هل بإمكان الثقوب الدودية – ظاهرة افتراضية تنبّأت بها النسبية العامة – أن تصنع طُرُق مُختصرة عبر الزمكان وتجعل السفر عبر الزمن مُمكنًا؟

تُعلِّمنا النسبية الخاصة أنّ الأبعاد الثلاثة للفراغ والبُعد المُنفرد للزمن ممزوجين معًا مثل النسيج.

من المستحيل التفكير فيهما كبنيات مُنفصِلة، حيث أنهما بنية واحدة فقط تُسمى الزمكان.

نحن لا يُمكننا تأمُّل الحركة خلال الفضاء بدون إدراك الحركة خلال الوقت، والعكس صحيح.

فاليسار واليمين، الأعلى والأسفل، الخلف والأمام، الماضي والمستقبل، كُلها على نفس النمط.

مع ذلك، يبدو الزمن مُختلِفًا قليلًا.

حيثُ أننا نمتلك كامل الحرية للحركة عبر الفضاء، لكن لا يُمكننا تجاوز مُستقبلنا.

فيبدو أنّ الزمن مُتمثِّل في سهم (أي له اتجاه واحد)، بينما تتمثّل الأبعاد المكانيّة في اتجاهين.

وتقودنا معرفة الوحدة التي تجمع بين الزمان والمكان إلى السؤال الجليّ: هل السفر عبر الزمن – من أي نوع – مُمكنًا؟ تحت أي ظروف؟ على الإطلاق؟


نحو المُستقبل: بالتأكيد

الغريب أنّ الإجابة نعم.

نحن لا يُمكننا تجاوز مُستقبلنا، لكننا نستطيع التحكّم في النسبة التي نتحرك فيها خلال الزمن.

هذه نتيجة لدرس آخر من النسبيّة: ليست كُل الساعات هي نفسها.

فالسرعة التي تتحرك بها خلال الفضاء، تُحدّد السرعة التي تتحرك بها خلال الزمن.

باختصار، الساعات المُتحرّكة تسير أبطأ.

فإن استطعت بناء صاروخ كبير كفاية – لا تسألني كيف، إنها مشكلة هندسية – ليُعطي عجلة تسارع ثابتة 1g(9.8m/s2) نفس العجلة التي تبذلها جاذبية الأرض على سطحها ، يُمكنك الوصول إلى مركز مجرة درب التبّانة الذي يقع على بُعد 20.000 سنة ضوئية، خلال عِقدين من وقتك الشخصي.

حينها بإمكانك التوقف لساعاتٍ قليلة للقيام بنُزهة بالقرب من Sagittarius A* (الثقب الأسود في مركز درب التبّانة) ثمّ الرجوع داخل صاروخك الفضائي والعودة إلى الأرض.

في حين عودتك، ستكون مؤهلاً للحصول على مُستحقّات التقاعد (المعاش)، إن كانت المؤسسة التي توفّر تِلك المُستحقّات موجودة بالأساس، لأنّه بينما تُسافر لعقود قليلة حسب ساعتك على السفينة الفضائية، ستكون قد مرّت 40,000 سنة على الأرض.

إغلاق الحلقة

الوقت نسبي، لكنّه مازال يسير في نفس الاتجاه بالنسبة للجميع.

أن نتساءل إن كان باستطاعتنا السير في الاتجاه المُعاكس، ذلك هو المجال الذي تُركّز عليه النسبية العامة.

فهي اللغة الرياضية التي نستخدمها ليس فقط لفهم الجاذبية، لكن أيضًا لفهم الرابط بين الزمكان والحركة.

في النسبية العامة نطرح سؤال تقني أكثر: هل هُناك ترتيب للمادة والطاقة (الأشياء التي تُسبّب انحناء الزمكان) يسمح بوجود مُنحنيات مُغلقة شبيهة بمُنحنيات الزمن (Closed Time-like Curves)؟ أعلم أنّه شيء اصطلاحي، لكنّها جُملة مَرِحة لإلقائها في الحفلات.

مُنحنى هنا تعني مسار، شبيه بالزمن تعني أنك لا تستطيع أبدًا تجاوز سرعة الضوء، ومُغلقة تعني أنها ترجع إلى النقطة التي بدأت منها (بمعنى آخر، ترجع إلى ماضيها).

إذًا الوحي الذي جاء لأينشتاين هو السماح بوجود مُنحنيات مُغلقة شبيهة بمُنحنيات الزمن؟
أجل!
حسنًا…

يُحب صانعي الخيال العلمي اللعب بفكرة السفر عبر الزمن، لكن هل شيء كهذا مُمكنًا في العالم الحقيقي؟

الاحتمالات محدودة

هُناك حوالي ستّة تكوينات معروفة للزمكان يُمكنها السماح بوجود المُنحنيات المُغلقة الشبيهة بمُنحنيات الزمن، أو السفر بالزمن إلى الماضي.

فعلى سبيل المثال، اكتشف كورت غودل (من خلال مُبرهنات عدم الاكتمال لغودل) أنّه إذا كان توسُّع الكون في تسارُع (والذي هو كذلك بالفعل) وأنّ الكون في حركة دورانية، ستتواجد المُنحنيات المُغلقة الشبيهة بمُنحنيات الزمن وسيكون بإمكاننا السفر إلى الماضي متى نُريد.

ويُمكننا القول أنّ غودل استخدم ذلك الحل ليُشير إلى أنّ النسبية العامة لألبرت أينشتاين لم تكن بكامل ما هي عليه في الأساس.

أقصد، أليس من المُفترض أن تتجنّب أي نظرية ذات قيمة للعالم الطبيعي حل عبثي كهذا؟
لكن وجهة نظر غودل كانت مثيرة للجدل، فكُل المُلاحظات تُشير إلى أنّ الكون لا يدور، لذلك لا ينطبق ذلك الحل على كوننا، والسفر بالزمن إلى الماضي محظور.

لكن ماذا إن استطعنا بناء أسطوانة ضخمة لانهائية الطول وجعلناها تدور حول محورها بسرعة قريبة من سرعة الضوء؟ سوف تقوم بسحب الزمكان حولها، وستنتهي مسارات مُحددة حول تلك الأسطوانة الدوّارة في الماضي الخاص بها.

الجيد في الأمر أنّه لا توجد أسطوانات ضخمة لانهائية الطول في كوننا وإلّا كان علينا القلق حيال ذلك.

انتظر! لديّ واحدة.
إذا قُمت بعمل ثُقب دودي – طريق مُختصر بين موقعين بعيدين في الزمكان – وجعلت أحد أطرافه يسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء ويعود مرة أُخرى، فستقوم الآثار الطبيعية لتمدُّد الزمن بوضع أحد الأطراف في المُستقبل بالنسبة للآخر، فتسافر بحركة راقِصة خلال عُنُق الثقب الدودي وينتهي بك الأمر في الماضي.

تحتاج الثقوب الدودية كُتلة سالبة لتتواجد، ولا توجد كُتلة سالبة في كوننا.

نحو الماضي: لا

إنها نفس القصة كل مرّة.

ففي كل سيناريو، نخترع في النسبية العامة للسماح بوجود المُنحنيات المُغلقة الشبيهة بالزمن والسفر بالزمن إلى الماضي، تجد الطبيعة طريقة لإحباط خططنا واستبعاد السيناريو.

ماذا يحدث؟ النسبية العامة تسمح في الأساس بالسفر بالزمن إلى الماضي، لكن يبدو أنّ الأمر يُستبعَد في كل حالة.

يبدو أنّه يوجد شيء طريف في الموضوع.

يجب وأن يكون هُناك قانون أساسي يمنع السفر عبر الزمن.

لكن لا يوجد واحد.

فنحن لا يُمكننا الإشارة إلى أي تفاعل جُسيمي على المُستوى الذرّي يعوق بشكل واضح تكوّن المُنحنيات المُغلقة الشبيهة بالزمن.

إنّ التدرّج الحتمي للزمن من الماضي إلى المُستقبل يُماثل قانون آخر لا يُقهر للطبيعة: القصور الحراري.

وهو القانون الأساسي في الديناميكا الحرارية والذي ينُص على أنّ الأنظمة المُغلقة تتحول من مُنظّمة إلى مُضطربة (يشرح هذا القانون لماذا لن تُفكِّك البيضة نفسها إذا تركتها مُدّة طويلة كفاية).

فهل الزمن مُرتبط بالقصور الحراري؟ رُبّما. لكن هذا موضوع مقال آخر.


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح
  • تدقيق: رؤى درخباني
  • تحرير : محمد حمد

المصدر