هل سيتدمر الإنترنت؟ وكيف؟


إنّ المعركة الدامية حول مبادرتَي
(وقف القرصنة على الإنترنت – Stop Online Piracy Act) و

(حماية الملكية الفكرية – Protect IP Act)

أو كما يشار إليهما بالإختصارين: (SOPA) و (PIPA)

تبدو أكثر عرضة لأن تنتهي لصالح حرية الإنترنت، ولكنها لن تكون المعركة الأخيرة من نوعها. وعلى الرغم من أن الإنترنت، كما هو الحال، يبدو أن قدره البقاء على قيد الحياة بشكل أو بآخر، فإن الخبراء يحذرون من وجود العديد من التهديدات حول استمرارية الإنترنت في الوضع الراهن.

التدمير المادي

محلقًا خارج نطاق الانقطاعات الكهربائية والتأثر بالقنابل والحرائق أو الكوارث الطبيعية، نمى الإنترنت في مجال آمن غير متأثر بأيٍ من الكوارث السابقة، على الأقل داخل نطاق البلدان. وقال ديفيد كلارك، -عالم الكمبيوتر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي كان رائدًا في تطوير شبكة الإنترنت خلال السبعينيات-، «إنه أمرٌ معقد للغاية، فمن الصعب حقًا العثور على الأماكن التي يمكن أن يعطل فيها الاتصال بشكل دائم أو يسبب خطورة».

ففي 11 أيلول / سبتمبر، على سبيل المثال، أدَى تدمير مركز التحويل الرئيسي في جنوب مانهاتن إلى تعطيل الخدمة محليًا. ولكن تم استعادة الخدمة بعد حوالي 15 دقيقة عندما (تعافى) المركز نتيجة لدور البروتوكولات الضمنية داخل النظام في تزويد المستخدمين بالمعلومات الكافية حول انقطاع التيار الكهربائي.

ومع ذلك، في حين أنه من المستحيل أساسًا عرقلة اتصال الإنترنت داخليًا في البلاد، فقد ذكر كلارك في حديثه أنّه من الممكن أن تمنع دولة ما وصول أخرى لحصتها في سحابة الإنترنت.

يمكن القيام بذلك عن طريق قطع الكابلات الفعلية التي تحمل بيانات الإنترنت بين البلدين. فإن هنالك آلاف الأميال من كابلات الألياف البصرية تحت سطح البحر تقوم بعملية نقل البيانات من قارة إلى قارة، ولا ترتفع فوق سطح المحيط إلا في بضعة مواقع قليلة، متفرعة من تلك المحاور للاتصال بالملايين من أجهزة الكمبيوتر. ولكن إذا تمكن شخص ما من تفجير واحدة من تلك المحاور (محطة ميامي)، على سبيل المثال، -والتي تعالج نحو 90% من حركة نقل البيانات على الإنترنت بين أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية- فسوف يعرقل الاتصال بالإنترنت طويلًا حتى يتم إصلاح البنية التحتية.

وقال كلارك أن مثل هذه الخطوة ستكون (عملًا من أعمال الحرب الإلكترونية).

ولكن حتى الانقطاع الشديد في الاتصال الدولي لن يهدد بشكل خطير بقاء محتوى الويب نفسه.

يتم تخزين نسخة (Hardware) لمعظم البيانات في الذاكرة غير المتطايرة (nonvolatile memory)، والتي تحافظ على محتواها دون ضرورة الاتصال الكهربي، وبغض النظر عن إمكانية الوصول إلى الإنترنت. وعلاوة على ذلك، وفقًا لما أورده (ويليام ليهر-William Lehr)، -وهو خبير اقتصادي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في مجال الاقتصاد والسياسة التنظيمية لصناعات البنية التحتية للإنترنت- فإن مراكز بيانات الشركات التي تستضيف محتوى الويب – كل شيء من رسائل البريد الإلكتروني إلى هذه المقالة – لديها طرق متطورة للاحتياط وتخزين البيانات بشكل متنوع، بما في ذلك ببساطة تخزين الكثير من النسخ في مواقع متعددة.

وحتى شركة جوجل تلجأ لتخزين نسخ مخبأة من جميع صفحات ويكيبيديا. كانت هذه متاحة في 18 يناير عندما أخذت ويكيبيديا الإصدارات الخاصة بها من بعض الصفحات احتجاجًا على (SOPA) و (PIPA).

هذه الخطة التخزينية المتنوعة والتي تحافظ على المحتوى هي في حد ذاتها آمنة، كما أنها توفر أيضًا بعض الحماية من عدم الوصول إلى أي نسخة واحدة من البيانات في حال وقوع حرب إلكترونية.

على سبيل المثال، إذا تم قطع الطاقة عن (خادم – Server)، فقد تكون غير قادرًا على الوصول إلى موقع ويب على خادمه الرئيسي، ولكن قد يكون لديك (نسخة مخبأة – Cached Version) من المحتوى المخزن على خادم آخر يمكن الوصول إليه بسهولة.

أو كما قال ليهر: «إذا كنت تريد الحصول على بيانات معينة غير متوفرة من خادم في البلد X، فيمكنك الحصول على نفس البيانات من خادم آخر في البلد Y».

سباق التسلح عبر الإنترنت

إن تكرار المحتوى وطرق الاتصال عبر الإنترنت جعتله قادرًا على مقاومة الهجمات المادية، ولكن التهديد الأكثر خطورة على حالته الراهنة هو التنظيم الحكومي أو الرقابة. في الأيام الأولى من انتفاضة الربيع العربي في مصر، حاولت حكومة حسني مبارك إغلاق الإنترنت في البلاد من أجل شل قدرة المتظاهرين على التنظيم. فعلت ذلك من خلال طلب قطع الخدمة من (مزود خدمة الإنترنت – Internet Service Provider) (ISP) التي تسيطر عليها الدولة، والتي تمنح اتصالًا بالإنترنت للعملاء.

وصرح كلارك وقتها قائلًا: «ويتحكم مزودي خدمة الإنترنت في الإنترنت مباشرة، لذا فإن ما يحدث في أي بلد يعتمد على سيطرة الدولة على مقدمي خدمات الإنترنت. وتقوم بعض البلدان بالتحكم بمقدمي خدمات الإنترنت بشكل أكبر بكثير، الصين على سبيل المثال سبق لها أن قطعت اتصالها بالإنترنت في مناطق عديدة مختلفة.»

ومع ذلك، في مصر العام الماضي، وجد العديد من المتظاهرين سبلًا لتجاوز الإغلاق، مثل استخدام الهواتف الذكية للتواصل عبر شبكات الإنترنت الخلوية والاستفادة من وصلات الشبكات الداخلية للشركات الخاصة.

وقال ليهر: «تم توفير جزء كبير من اتصال الانترنت بالمحتجين من قبل العمال الذين تمكنوا من الوصول إلى شبكات الاتصال الخاصة بأماكن عملهم مثل الشركات وخلافه.»

إذا سعت الحكومة الأمريكية في المستقبل إلى إغلاق أو الحد من الوصول إلى الإنترنت، فستظهر بالطبع بعض الحلول المماثلة، كما أنها سوف تنمو لتصبح أكثر تطورًا عندما تصبح أساليب حجب الاتصال أكثر تطرفًا.

أطلق عليها ليهر اسم (حرب الأسلحة)، واستطرد: « إن أدوات مكافحة الحرب، تكون في معظمها دفاعية ( جدران الحماية – Firewalls، وإغلاق الترابط، و الرصد – Monitoring) ولكنها قد تكون أيضًا هجومية، مثل الفيروسات المهاجمة للمواقع المعادية / تدمير المحتوى، تأمين المستخدمين على نحو استباقي، الخ. »

كما يمكن للحكومات ببساطة أن تفرض ضرائب على الوصول إلى الإنترنت، أو يمكن لمقدمي الخدمات أن يرفعوا الأسعار، بطريقة تجعلها بعيدة عن متناول معظم الناس.

وأضاف ليهر أنه في حين أنه لا توجد حكومة واحدة يمكن أن تدمر الإنترنت في كل مكان، فإنه يمكن بالتأكيد أن تقوم بشل حركة الانترنت بما فيه الكفاية لجعل فكرة استخدامه غير جذابة للناس داخل البلد.

موازنة الأمور

وذكر ليهر أنّ التنظيم السيئ، سواءٌ كان ذلك في أي بلد معين أو على الصعيد الدولي، يمكن أن يعيق بشدة قيمة الإنترنت وقدرته على النمو. وفي حين أنّ الإنترنت من المرجح أن يبقى مادامت البشرية باقية، الشيء الحقيقي المعرض للضياع إلى حد كبير هو (انفتاح الإنترنت).

وهذا الانفتاح مفيد اقتصاديًا واجتماعيًا على حد سواء، ولكنه أيضًا مصدر للمشاكل.

فإنه يضفي على الهجمات الأمنية والخصوصية التي لا نهاية لها، والبريد غير المرغوب فيه والفيروسات والبرمجيات الخبيثة وهلم جرًا.

ويعتقد أنه يجب تطوير نماذج أمنية جديدة لحماية الخصوصية والأمن.

سواء كنا قادرين على ضرب هذا التوازن على نحو فعال أم لا، فإنّ هذا بحد ذاته يشكل تحديًا صعبًا.. ولكننا نستمر قدمًا بالعمل.


  • ترجمة: علي كريمة
  • تدقيق: أسمى شعبان
  • تحرير: زيد أبوالرب

المصدر