كيف تستخدم البحرية الأمريكية تقنيات الهاتف قديمة الطراز في أسلحة الليزر المستقبلية


نظام الأسلحة الليزرية الجديد المُطوَّر المثبت على سفينة النقل البرمائية (USS Ponce) التابعة للبحرية الأمريكية والموجودة في الخليج الفارسي.

أثبت البيان الأخير للبحرية الأمريكية عن سلاحها الليزري الجديد المُصمم لتدمير الطائرات بدون طيار في السماء، أن أنظمة التسليح تلك لن تتواجد في أفلام الخيال العلمي فقط، لكنها انتقلت للتو إلى أرض الواقع. لكن كيف تعمل تلك الأسلحة التي تُدعى أسلحة الطاقة الموجهة؟

كانت فكرة الأسلحة الليزرية تلوح في الأفق منذ قرن من الزمان تقريبًا، حيث تخيل الكاتب (هـ.ج ويلز) الإشعاع الحراري في روايته (حرب العوالم) عام 1897.

تُعتبر الأشعة الليزرية تمثيل عملي للعديد من التقنيات، بالإضافة إلى نظريات فيزياء لم تظهر حتى ستينيات القرن الماضي، أو بعد.

جدير بالذكر أن الدافع الأوّلي لصناعة الأسلحة الليزرية لم يكن الرغبة في صناعة بنادق إشعاعية، لكن كان مساعدة الناس في إجراء المكالمات الهاتفية. حسب كلام الخبراء، تغير الأمر حين أصبحت الألياف البصرية والصمامات الثنائية (diodes) الليزرية منخفضة التكلفة ومتاحة فصار يُمكن استخدام هذه التكنولوجيا في صناعة الأسلحة.

يقول “روبرت أفزال” الباحث في مجال الليزر وأنظمة المستشعرات في شركة (لوكهيد مارتن – Lockheed Martin) واحدة من الشركات التي طوَّرت الليزر ليتم استخدامه كسلاح عسكري: «كان بالإمكان أن نصنع أسلحة ليزرية قوية في الماضي، ولكنها لن تكون صغيرة أو قوية كفاية ليتم استخدامها تكتيكيًا في المعارك، لكن بوجود تكنولوجيا الألياف البصرية الليزرية المتطورة، أصبح بإمكاننا صناعة سلاح ليزري ذو قدرة عالية على إصابة الأهداف وصغير الحجم بالقدر الذي يجعل بالإمكان تثبيته على مركبة تكتيكية».

يضيف روبرت: «تختلف أنظمة الليزر التي تم تطويرها في لوكهيد مارتن عن تلك التي أعلنت عنها البحرية الأمريكية، لكنهم يشتركون في نفس المبادئ الهندسية والفيزيائية».

صناعة الليزر الضوئي

تُعد كلمة (ليزر – Laser) اختصارًا لـ (تضخيم الضوء بانبعاث الإشعاع المحفز)، لتصنع شعاع ليزر تحتاج أولًا إلى وسط إحلالي أو فعَّال ثم إلى مادة تُطلق الفوتونات حينما يتم تحفيزها بالطاقة. بالإضافة إلى أن الضوء لابد وأن يكون أحادي الطول الموجي، وجميع الموجات الناتجة لابد وان تكون في نفس الطور.

مصابيح النيون تُنتج ضوءًا ذا أطوال موجية معينة، ولكنها متداخلة مع بعضها البعض وليست في نفس الطور، أي أن القمم والقيعان لكل موجة في أماكن مختلفة. يُصبح من الصعب تركيز الضوء على هيئة شعاع واحد لا يتشتت على مسافات بعيدة. هذا يعني أيضًا انخفاض الطاقة التي تصل إلى أي شيء تتم إضاءته بهذا الضوء. لكن موجات الضوء المتسقة تزداد فرصة تركيزها أكثر. بطريقة أخرى، موجات الضوء في شعاع الليزر تتشتت أقل بكثير من موجات الضوء من المصابيح الأخرى، فيمكنها توجيه معظم طاقتها نحو بقعة صغيرة جدًا. أنتجت أولى أشعة ليزر في ستينيات القرن الماضي عن طريق بلورات الياقوت التي تم ضخ إليها أشعة ضوئية من مصباح ذو قدرة عالية. تُسمى هذه البلورة بالوسط المُنتج.

يُحفز الضوء المُكثَّف ذرات البلورة والتي تقوم بدورها بإنتاج الفوتونات أو حِزَم الضوء لتكوين شعاع الليزر. توجد عند كل طرف من البلورة مرآة، إحدى هاتين المرآتين شفافة. ينعكس الضوء عن المرآة العاكسة ثم يعود ليخرج من المرآة الشفافة. بعض أنواع الليزر الحديثة تستخدم الغاز كوسط مُنتج للفوتونات كغاز ثاني أكسيد الكربون أو الهيليوم أو النيون. يُنتج جميعهم أشعة ليزر بأطوال موجية مختلفة تُستخدم في العديد من التطبيقات. الأشعة الناتجة من ليزر ثاني أكسيد الكربون هي أشعة تحت حمراء وغالبًا ما تُستخدم كأداة قطع.

بعد ذلك تم اختراع الليزر الكيميائي، ولكنه لن يكون عمليًا لأسلحة على أسطح السفن. يقول “مارك سكينر” نائب رئيس الطاقة الموجهة في شركة (نورثروب جرومان – Nortrop Grumman) للأنظمة الفضائية: «أجهزة الليزر الكيميائية تستهلك حيزًا مكانيًا كبيرًا، أحيانًا تستخدم بعض المواد الكيميائية السامة، على سبيل المثال (ليزر فلوريد الهيدروجين)، والذي تم الإعلان عنه أول مرة في عام 1969، ويمكنه إنتاج أشعة عالية الطاقة. لكن فلوريد الهيدروجين مادة خطرة جدًا ويصعب تداولها والتعامل معها».

كان اختراع ليزر أشباه الموصلات حدثًا عظيمًا، تم الإعلان عنه في ستينيات القرن الماضي. لم تكن أشعة الليزر لأشباه الموصلات قادرة على العمل باستمرار في درجة حرارة الغرفة حتى سبعينيات القرن الماضي. قبل ذلك في عام 1966 اكتشف (تشارلز كاو – Charles Kao) (الذي سينال جائزة نوبل في الفيزياء فيما بعد عام 2009) كيفية نقل الضوء خلال الألياف الضوئية، مما يعني أنه يُمكن استخدام الليزر في وسائل الاتصالات المختلفة. بعد تطوير أجهزة الليزر الرخيصة ذات الصمامات الثنائية أصبحنا قادرين على صناعة بعض الأجهزة كمشغل الاسطوانات المدمجة ومصفوفات الاتصال بالليزر.

يقول “روبرت” أيضًا: «حقيقيةً، لقد استخدمنا ثورتين علميتين معًا: الاتصالات عن طريق الألياف البصرية، وتقسيم الموجة المُضاعف. تقسيم الموجة المُضاعف هي طريقة علمية لتجميع أشعة ليزر مختلفة الأطوال الموجية خلال ليف بصري واحد، مما يسمح بمرور طاقة أكبر خلال الألياف البصرية. في الأساس تم استخدام هذا المبدأ في الاتصالات، ولكنها استخدمت الآن في تكنولوجيا الأسلحة الليزرية».

صناعة السلاح الليزري

صناعة الأسلحة الليزرية تحتاج ما هو أكثر من بساطة إنتاج الليزر الضوئي، فهي تحتاج إلى نقل الضوء والطاقة إلى الهدف بصورة كافية لتحقيق التدمير الكافي. تُقاس غالبًا قدرة الليزر بالوات. قدرة أشعة الليزر للقلم المؤشر تُقاس بالميللي وات، ومع ذلك فما زالت كافية لإصابة عين أحدهم. تُقاس قدرة الليزر الصناعي المُستخدم في القطع بالكيلو وات. أما عن الأسلحة الليزرية فتحتاج لأشعة ليزر قدرتها أكبر من ذلك، فلابد وأن تكون عشرات الكيلو وات على الأقل.

سلاح البحرية الأمريكية الجديد والذي يتواجد على سفينة النقل البرمائية (USS Ponce) تبلغ قدرته الليزرية 33 كيلو وات، ويُمكنه إطلاق العديد من الأشعة لتُضيف 100 كيلو وات أخرى. صَرَّحت البحرية الأمريكية في يناير الماضي أنها تُخطط لاختبار نسخة أخرى من السلاح تبلغ قدرتها 150 كيلو وات خلال هذا العام. ولكن المتحدث الرسمي للقوات البحرية رفض الإفصاح عن القدرة التدميرية لهذا السلاح.

أشعة الليزر تتشتت على مسافات بعيدة حتى بعد تركيزها في نقطة واحدة، مما يُنقص من كمية الطاقة التي تصل للهدف، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعلنا دومًا في حاجه لتطوير قدرة الليزر لتُصبح أكبر مما هي عليه الآن. تُدمر أشعة الليزر الهدف لأن الطاقة التي تصل للهدف عن طريق الأشعة ترفع من درجة حرارة الجسم الذي تُصيبه. لذلك فعلينا أن نقوم بتثبيت أشعة الليزر لفترة محددة من الوقت، وكلما زادت طاقة الإشعاع قلت تلك المدة الزمنية وزادت كفاءة السلاح. أحد الفيديوهات المسربة لـ CNN تعرض سلاح البحرية الأمريكية الجديد في أحد اختباراته على أحد الأهداف، وقد بلغت المدة الزمنية التي استغرقها لتدمير الهدف حوالي ثانية أو ثانيتان، ولكن لم يتم الإفصاح عن أي من هذه التفاصيل للعامة رسميًا حتى الآن.

ينتج ليزر سلاح البحرية الأمريكية الجديد من الألياف البصرية، ثم يقوم بتجميع الأشعة للرفع من قدرة الشعاع النهائي. وبالرغم من أن مُحبي سلسلة أفلام (حرب النجوم) قد يذكرهم الأمر بمشاهد اتحاد الأشعة المختلفة بعد انبعاثها من نجمة الموت Death Star، فإن الشعاع الليزري المُجمَّع لا يعمل في الحقيقة بهذه الطريقة، لكنه يستخدم بدلا من ذلك الألياف البصرية لإنتاج الأشعة، ثم يتم تجميع هذه الأشعة عن طريق الموشور الزجاجي المكون من عدة عدسات.

يقول روبرت أفزال: «حينما تنظر إلى غلاف ألبوم الفرقة الغنائية (بينك فلويد – Pink Floyd) فلابد وأن تتذكر ذلك الموشور الزجاجي الذي يجمع الأشعة كلها في شعاع واحد».
يُضيف أيضًا: “إحدى ميزات استخدام الألياف البصرية هو أن الشعاع يصل بقدرته الكاملة تقريبًا، مما يعني انخفاض نسبة الطاقة المشتتة، في السابق كانت العدسات التقليدية بديلًا للألياف البصرية وكانت نسبة الطاقة المُشتتة عالية جدًا. (مازالت العدسات تُستخدم في المؤشرات الضوئية).

المميزات والعيوب

إحدى النقاط المهمة التي كان علينا الاهتمام بها أثناء تطوير سلاح ليزري هي كيفية إمداده بالطاقة اللازمة لتشغيله. 30 كيلو وات لمدة ثانية كفيلة بإضاءة حي كامل (متوسط استهلاك منزل واحد في الولايات المتحدة الأمريكية من الطاقة الكهربية يبلغ 10 كيلو وات في العام). هذا يعني أن أي سفينة بحرية ستستخدم هذا السلاح عليها أن تكون مجهزة بمصدر للطاقة ذو قدرة وكفاءة عالية ليستطيع التعامل مع هذا السلاح. السفينة الأمريكية (USS Ponce) أعلنت قدرتها على توفير الطاقة اللازمة للسلاح.

المميز في سلاح الليزر، وهي ما جعل المؤسسات العسكرية تسعى لاقتنائه، هي سرعة إصابة الهدف، فشعاع من الليزر ينتقل بسرعة الضوء. عمليًا، توجيه سلاح الليزر نحو هدف محدد سيصيبه في الحال. لا حاجة لتوجيه السلاح إلى نقطة أمام الهدف في خط مروره، كما كان يتم في السابق عند إطلاق مقذوف. وعلى عكس ما تم تصويره في الأفلام، فإنه من المستحيل رؤية شعاع الليزر إلا في حالة تشتيته عن طريق حائل. إذا كان الضوء مرئيًا فيُمكن أن يكون ظهوره لحظيًا مثل وميض الكشاف.

يقول سكينر: «تُعتبر أشعة الليزر منخفضة التكلفة طبقًا لتصريحات البحرية الأمريكية، لأن التكلفة الوحيدة تأتي من الطاقة المستهلكة. هذا يعني أنه في حالة الانتهاء من صناعة السلاح فإن تكلفة الرمية الواحدة تقل تباعًا، فذخيرة سلاح الليزر لا تنفد. على العكس فإن الصواريخ تتكلف صناعة الواحدة منها آلاف الدولارات».

مازال هناك بعض العيوب في استخدام الليزر كسلاح. يقول سوبراتا جوشروي باحث تابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي عمل على سلاح الليزر في ثمانينيات القرن الماضي: «الطقس قد يكون إحدى المشاكل التي تواجه سلاح الليزر، أشعة الليزر مصنوعة من الضوء مما يعني أن الضباب أو أي طقس عاصف سيعمل على تشتيت ذلك الضوء. فستقل المسافة التي يستطيع الليزر الوصول إليها، بالتالي ستقل الطاقة التي ستصل للهدف، مما يُقلل من كفاءة السلاح».

«الحرارة أيضّا تُعتبر احدى المشكلات الكبرى، ذلك الحجم الهائل من الطاقة سيرفع بالتأكيد من حرارة الصمام الثنائي المُستخدم (Diode)، بالتالي ستقل جودة الشعاع الصادر. لم يكن واضحًا في بيان البحرية الأمريكية إلى أي مدى يُمكن أن يعمل هذا السلاح دون توقف، أو كم من المرات يمكنه أن يطلق على أهدافه دون أعطال أو مشاكل»

يقول أفزال أخيرًا: «مشكلة الطقس شائعة للعديد من أنظمة التسليح، فليس الليزر وحيدًا بينهم. على سبيل المثال الضباب يُمكنه إيقاف إطلاق أنواع عديدة من الصواريخ والمدافع.» ويتابع: «إذا تمكنت من رؤيته، ستتمكن من التعامل معه».


  • ترجمة: محمد خالد عبد الرحمن
  • تدقيق: إبراهيم صيام
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر