يُعدُّ العمر الافتراضي للطائرات القياسيّة هو 25 عامًا تقريبًا من التحليق، وتبدأ بعدها بالاهتراء، ولكن عند عودتها للأرض وخروجها عن الخدمة بشكلٍ نهائيّ فهل يعني ذلك بأن دورها قد انتهى؟

يُعتبرُ تخزينُ الطائرات الخارجة عن الخدمة أمرًا مُكلفًا جدًا، كما أن إلقائها في المكبّاتِ سيعود بالضرر على البيئة، فمن أجل ذلك توجد منشآتٌ لتفكيك الطائرات والعمل على إعادة تدوير أجزائها، وهناك العديد من تلك المنشآت في الولايات المتحدة.

إذ تتكوّن الطائرة من مئات الآلاف من القطع، ومن أجل تقليل النفايات وحفظ الأموال من الممكن إنقاذ العديد منها، حيث تستغرق عمليّة التفكيك للطائرات القياسيّة ما يُقاربُ الشهر، وتُستعاد القطع المُفيدة والقيِّمة منها ويُتركِ الهيكل المعدنيّ لتفتته الجرافات.

بالتأكيد لا يُمكن إعادةُ إحياء كل أجزاء الطائرة، كما أنه لا يمكن لجميع الطائرات أن يُعاد تدويرها، ولكن مع ما يُقدّرُ بنحو 12 ألف طائرة ستخرج عن الخدمة في السنوات العشرين المُقبلة سيكون هنالك كمُّ كبير من الطائرات التي ستنتقل إلى المرحلة الثانيّة من حياتها.

وإن كُنت تتساءل كيف تموتُ الطائرات، وكيف يُولدُ بعضها من جديد، فإليكَ ذلك:

– العمل مثل الأسماكِ (بيرانا – Piranhas)

عند وصول الطائرة إلى مرحلة إعادة التدوير، تُنزع البطاريات منها أولا وباقي المواد الخطرة كالوقود والزيوت وذلك لضمان عدم تسرّبِ تلك المواد إلى الوسط المُحيط كي لا تؤدّي إلى تلويثه، بعد ذلك يأتي دور الآلات الميكانيكيّة، حيث يقول (تيم زيمانوفيك – Tim Zemanovic ) رئيس شركة جيت يارد؛ وهي شركةٌ معنيّةٌ بتخزين الطائرات وتفكيكها في ولاية أريزونا: ‹‹ نحن نقوم أولًا بنزع جميع الأجزاء الجيّدة القيّمة من الطائرة، ثم نقومُ بسحقها››.

وتقوم هذه الشركة بتدوير حوالي عشر طائراتٍ سنويًّا.

تحوي كلَ طائرة على دليلٍ للصيانة مع تعليماتٍ حول كيفيّة تفكيكها، إذ يجب في المرحلة الأولى إزالة البراغي بعناية ليتم بعد ذلك تفكيك الطائرة قطعةً قطعة، بعدها يتم إزالة الصندوق الأسود، وأدوات التحكم بالطائرة، وأنظمة التكييف، والأبواب وباقي محتويات الطائرة.

من الممكن استرجاعُ بعض القطع كالمُحرّك، وعجلات الهبوط، والزجاج الأماميّ، ليُعاد استخدامها بعد فحصها وتنظيفها وإصلاحها، ومن الممكن أيضًا تحويلُ قُمرةِ القيادة إلى جهاز محاكاةٍ للطيران لتدريب الطيّارين، أو أن يُؤخذ جسم الطائرة ليُدرس وتعمل الشركات المُصنّعة على تحسينه في الطائرات القادمة.

كما يُمكن أن تُباعَ أجزاء الطائرات إلى مُنتجي الأفلام لاستخدامها في أفلامهم السينمائيّة، وينتهي المطاف ببعضها في المتاحف أو تُستخدمَ كأثاث، بما في ذلك القُضبان المصنوعة من أغطيّة المُحرّكات.

وبالطبع لا بدَّ من وجود أجزاء لا يمكن انتزاعها بشكلٍ سليم أو حتّى إعادة تدويرها، كالألمنيوم والتيتانيوم والأسلاك النحاسيّة وغيرها من المواد، وفي نهاية المطاف، سيُحطيم هيكل الطائرة المعدني الفارغ عن طريق الجرّافات لتحوّلها إلى خردةٍ معدنيّة، وبعد أن تُفتت إلى قطعٍ صغيرة، تُفرزُ حسب اختلاف أصناف المعادن فيها.

لا يُمكن استرداد جميع الأجزاء الداخليّة للطائرة، إنما يمكن إعادة تدوير ما يقارب (85%  إلى 90%) من وزن الطائرة ويهدف “زيمانوفيك” للوصول إلى نسبة أعلى تصل لـ95%، وهنالك بعض المواد صعبة التحطيم، أو يمكن أن تكون ليست ذات قمية، حيث تُرسل ألواح الأرضيّات، والجدران، والأسقف ومساند المقاعد إلى مكّبات الخُردة.

يقول زيمانوفيك: ‹‹في الحقيقة إن الجهد المبذول لاستخراج هذه الأجزاء من الطائرة لا يستحق الوقت الذي يُهدرعليه، وإنَّ أحد أبرز التحديّات التي تواجهنا في أن الطائرة بُنيت أساسًا من مختلف أنواع المواد المرتبطة معًا، وهو ليس أمرًا ملائمًا لإعادة التدوير، أما بالنسبة لباقي المنتجات، كعلب الصودا مثلًا، فالأمر بسيط، لأن علب الصودا ستعود مرّةً أخرى إلى علب صودا، فيُعيدون تدويرها وإنتاجها ببساطة، أما في الطرف المُقابل فهنالك الكثير من الجهد سيُبذل لفصل الألمونيوم والتيتانيوم والفولاذ المُقاوم للصدأ من الطائرات››.

بعض الطائرات الحديثة مثل (بوينغ 787 دريملاينر – Boeing 787 Dreamliner)  تُصنع من ألياف الكربون، وهذا الخليط بين الكربون والبلاستيك من شأنه أن يعطي الطائرة خفّة في الوزن مما يُوفّر عليها مزيدًا من الوقود، ولكن ليس من الواضح حتّى الآن كيفية إعادة تدويرها.

وقد أعربَ الإتحاد الدولي للنقل الجوّي عن أسفه في تحليلٍ له قائلًا: ‹‹من المُفارقاتِ الظاهرة أن المواد ذاتها التي تجعل الطائرة أخفَّ وزنًا وأقل استهلاكًا للوقود، يصعبُ التعاملُ معها بشكلٍ لا يؤثّر سلبًا على البيئة››.

في الواقع، يُمكن الاحتفاظ بباقي الأجزاء من الطائرة، ولكن هذه العمليّة دقيقةُ ومُرهقة على حدٍ سواء، فمثلًا تحتاجُ عمليّة نقل أدوات التحكّم بالطيران بطول 40 قدمًا إلى كثيرٍ من التخطيط.

وفي رسالةٍ بريديّة كان قد نوّه كلٌ من (كين كيوشاليسكي – Ken Kocialski) و ( شون فون – Shawn Vaughn) المؤسسان لشركة ” CAVU” المُختصّة بتفكيك الطائرات أن هذه الأجزاء لايجب إزالتها بشكل صحيح فحسب، بل يجب تعبئتها وتغليفها كي تصمد أثناء شحنها إلى جميع أنحاء العالم.

عادةً ما تطيرُ الطائرة إلى ساحة التفكيك لتُفكك، ولكن في بعض الحالات عندما تكون الطائرة بحالةٍ سيّئة لا يُسمح لها بالقيام بهذه الرحلة، فقد تصبح عملية نقلها مُكلفة جدًا، عندها تقوم الشركات المُفككة مثل ” CAVU” و “Jet Yard” بالذهاب إلى مواقع وجود تلك الطائرات لتفكيكها، بالرغم من إمكانيّة تعرضها إلى بعض العقبات اللوجستيّة الخاصة.

تُظهر الصورة الجرّافة وهي تقوم بتحطيم الجزء الخلفي من طائرة Boeing 747-400

– الطيران في المُتسقبل:

يقولُ (مايكل جيل – Michael Gill) مدير قسم بيئة الطيران التابعة للإتحاد الدولي للنقل الجوّي: ‹‹ ليس هنالك من قواعد رسميّة لطريقة إعادة تدوير الطائرات، فعمظم الشركات حريصةٌ ومسؤولة، ولكن نظرًا لعدمٍ وجود سجلٍ إلزاميّ في جميع أنحاء العالم لمُعدّات الطيران، فإنَّ الأجزاء غيرالآمنة بعد أن يتم إصلاحها من الممكن إعادة بيعها واستخدامها في طائراتٍ أخرى، وتعمل المنظّمة على التوصّل لمعايير تُحدد فيها ما ينبغي أن يحدث للطائرات بعد خروجها عن الخدمة››.

وحسب تعبير زيمانوفيك فإن الطائرات تُصمم دون الأخذ بعين الاعتبارعمليّة إعادة تدويرها، إذ أنَّ هذا الأمر لا يُعدُ من الأولويّات بل هو في أسفل القائمة، أما الذي يتم التركيز عليه هوعملية صنع طائرة آمنةٍ تدوم لأطول وقتٍ ممكن.

وأوضحت المهندسة الصناعيّة (سميرة كيفانبور – Samira Keivanpour)  في جامعة (لافال – Laval) وجهة نظرها في هذا الأمر قائلة: ‹‹إن عمليّة إعادة التدوير لاتزالُ مجالًا جديدًا في عالم الطائرات››.

‹‹حتى الآن لم يكن هنالك الكثير من البُنى التحتيّة المخصصة لسحب الطائرات بعيدًا وإعادة تشغيل أجزائِها، ولكن الأمر يستحق هذا الجهد للتأكد من أنه يتم بسلاسة، إذ تُرسل سنويًّا مئات الطائرات إلى المكبّات دون أن تُفكك بدقّة، ويُرمى البعض الآخر في مكبّاتٍ صحراويّة، أو تُركَنُ على أطرافِ المطارات، حيثُ تأخذُ حيزًا من المطار وقد تتسبب في ازدحامه أحيانًا، وبالطبع ستبدأ تلك الطائرات الملقاة في أطراف المطارات بالتآكل والاهتراء، وقد تتسبب بتلوّث التربة والمياه المحيطة››، هذا ما قاله مايكل جيل.

ولكن حسب تعبيره أنّ هذا لا يعني بأنه لا يرى المشكلات المتفاقمة بشكلٍ يوميّ، ولكن عدد الطائرات الخارجة عن الخدمة يزدادُ يومًا بعد يوم، وبالتالي سيؤدّي إلى ارتفاع فرصة حدوث مشاكل في السلامة و البيئة.

وبما أنَّ أعداد المسافرين جوًّا في حالة ازديادٍ سنويّ، فهذا يعني ازديادًا في عدد الطائرات الجديدة في الأجواء، والتي ستتقاعد وتخرج عن الخدمة في نهاية المطاف.

يقول جيل: ‹‹سيرتفع عدد الطائرات التي تكاد أن تُنهي خدمتها بشكل متزايد››، أما كوشالسكي وفاغن فقالوا: ‹‹ستُفكك حوالي 500 طائرة هذه السنّة، ومن المتوقّع أن يزداد الرقم إلى ألفيّ طائرة بحلول عام 2030››في نهاية الأم، يأمل المهندسون أن يستطيعوا التعامل مع هذه الهجمة من خلال تصميم الطائرات مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانيّة إعادة التدوير بنسبة 100%، أما في الوقت الراهن، لا يزال هنالك الكثير لتعلّمه أثناء إعادة تدوير الطائرات، إذ يختلف تفكيك كل طائرة مُعقدةٍ عن الأخرى.

يختم زيمانوفيك قائلًا: ‹‹ ما مِن أحدٍ يعرف كل شيء عن الطائرة، ولكن بكل الأحوال، بالإمكانِ أن نُلقي نظرةً على كيفيّة صُنعها وعملها››.


  • ترجمة: رامي الحرك
  • تدقيق: منة الله عيد رزق
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر