أصبح النقل الآني الكمومي عن بُعد حقيقيا بفضل التشابك الكمومي.

يقع النقل الآني عن بُعد Teleportation في صميم نطاق الخيال العلمي science fiction. وقد لا نكون قادرين على نقل الأشياء أو الأشخاص من مكان لآخر في غمضة عين، إلا أن هناك سيناريوهات يمكن فيها تحقيق ذلك.

وليس النقل الآني عن بُعد ممكنا فقط، بل إنه يتحقق على أرض الواقع بالفعل في مختبرات الفيزياء في كافة أرجاء العالم.

ويجب علينا بالطبع أن نكون حذرين بشأن ما نعنيه بالضبط بمصطلح «النقل الآني عن بُعد»، فهناك ثلاثة أنواع مختلفة من النقل الآني عن بُعد، أولها النقل الآني عن بُعد عبر ثقب دودي wormhole، أو شيء من هذا القبيل، حيث يُنقل جسدك إلى مكان آخر ببساطة.

وهناك نوع آخر من النقل الآني عن بُعد كالموجود في فيلم «الهجرة إلى النجوم» Star Trek، حيث تتفكك الجزيئات التي يتكون منها جسدك، ثم تُرسل في حزمة من الأشعة إلى مكان آخر ليُعاد تجميعها بالطريقة ذاتها.

وهناك نوع ثالث من النقل الآني عن بُعد، وهو النوع الذي يثير معضلة فلسفية، حيث يجرى مسح لجسدك بجهاز للأشعة، ثم تُرسل المعلومات إلى مكان آخر لتُستخدم هذه المعلومات في بناء جسد جديد كلية من مواد مختلفة، وسنتحدث الآن عن النوع الأخير.

تبين أن هذا النوع من النقل الآني عن بُعد، والذي يتضمن مسحًا بالأشعة وإعادة التجميع، ممكن فعلا بفضل خاصية من خصائص ميكانيكا الكم تُدعى «بالتشابك الكمومي» Quantum Entanglement.

ويحدث التشابك الكمومي عندما يجبر جسيمين أو أكثر على البقاء في حالات تبادل حصري Mutually Exclusive؛ أي أن معرفة حالة أحدهما يقود آنيًا إلى معرفة حالة الآخر.

والآن، فكر في الأمر كما لو كنت تطلب وجبة جاهزة في مطعم للوجبات السريعة.

فإذا طلبت شطيرة لحم مشوي وشطيرة دجاج مشوي، فإنك لا تعرف أيهما لحم مشوي وأيهما دجاج مشوي قبل فتح العلبتين.

ولكن بمجرد أن تفتح أحدهما، فإنك ستعرف على الفور ما بداخل العلبة الأخرى دون النظر إليها.

وهذا الأمر صحيح بغض النظر عن مدى بُعد العلبة الثانية.

ويصدق الأمر ذاته على الجسيمات الكمومية.

فإذا كان لديك جسيمان في حالة تشابك، فإن معرفتك بحالة أحدهما ستخبرك تلقائيا بحالة الجسيم الآخر أيضًا.

وكما هو الحال مع الوجبة السريعة بالضبط، فإن هذا الأمر لا يعتمد على المسافة، ما يعني أن بإمكاننا استخدام التشابك كطريقة لانتقالنا آنيا عن بُعد.

من هنا، والباقي بسيط.

فإذا أخذنا جسيمين، وجعلناهما في حالة تشابك، وأرسلنا أحدهما إلى القمر، فيمكننا استخدام خاصية التشابك تلك لنقل شيء ما بينهما آنيا عن بُعد.

بالمثل، إذا كان لدينا جسيم نريد نقله آنيا عن بُعد، فإن كل ما يلزمنا القيام به هو جعل ذلك الجسيم في حالة تشابك.

وتتطلب العملية الفعلية اللازمة للقيام بذلك قدرا قليلا من الرياضيات وبعض الإعدادات والملاحظات الدقيقة.

وبعد ذلك، فإن الأمر لا يزيد عن ملاحظة للجسيم الذي تريد نقله آنيا عن بُعد، والذي يُرسل تلك المعلومات للجسيم الآخر المتشابك معه على سطح القمر.

وبهذه البساطة، فإن الجسيم يكون قد جرى نقله آنيا عن بعد، بافتراض أن لديك ما يكفي من المواد الخام على الجانب الآخر.

بيد أن عملية نقل الأجسام الكبيرة أو الأشخاص آنيا عن بُعد لن تحدث في وقت قريب على ما يبدو؛ إذ أن طريقة الإبقاء على الجسيمات في حالة تشابك لفترة طويلة من الزمن، أو ديمومة وجودها على هذه الحال عبر مسافات طويلة- ناهيك عن الأجسام الأكبر من بضع ذرات- تتجاوز نطاق التكنولوجيا الحالية.

غير أن هذه التجربة قد أُجريت عدة مرات على جسيمات صغيرة، وقد تمكن العلماء من نقل كثير من الإلكترونات والفوتونات، بل وجزيئات بأكملها، عشرات الأميال آنيا عن بُعد. ولعل هذه التكنولوجيا نفسها سوف تُستخدم لإرسالك أو لإرسال أحفادك إلى القمر ذات يوم.


  • ترجمة: د. خالد أبو زهرة
  • تدقيق: إبراهيم صيام
  • تحرير : رغدة عاصي
  • المصدر