في فصل الصيف تتصبب بلاد نصف الكرة الجنوبي عرقًا، وفي هذا المقال يُجيب (كارل كروزلنسكي – Karl Kruszelnicki) على الأسئلة التي تتردد في أذهاننا كثيرًا حول موجات الحر.

آثار موجات الحر العالية تعتبر ضارة بالنسبة للسيدات العجوزات ،خاصة، اللاتي يعشن بمفردهن.

تتسبب موجات الحر في وفاة الكثيرين في أستراليا أكثر حتى من حرائق الغابات، وبحلول عام 2040 ستجتاح موجات الحر نحو 20% من مناطق اليابسة في كوكبنا سنويًا، وتعتبر هذه الزيادة كبيرة مقارنة بالنسبة التي سجلتها الموجات في الستينات والتي بلغت 1%.

ولن ينسى الكثير من الأستراليين فاجعة السبت الأسود في 2009 في فيكتوريا؛ فقد أودت ألسنة اللهب والحرارة والدخان المتصاعدة من حرائق الغابات الرهيبة بحياة حوالي 173 شخص، ولكن ما لا يدركه معظم الأستراليين هو أن موجات الحر التي صاحبت تلك الحرائق يوم السبت الأسود تسببت في وفاة حوالي 374 شخص، الذين يُقدرون بحوالي ضعف عدد الأشخاص المتأثرين بالحرائق مباشرة.

بشكل عام فإن موجات الحر قد تسببت في قتل العديد من الأستراليين أكثر من أولئك الذين تُوفوا نتيجة باقي الكوارث الطبيعية مجتمعة، وتبلغ نسبة أولئك الضحايا حوالي 55% من إجمالى حالات الوفاة المختلفة في أستراليا، فقد تُوفي أكثر من 4,500 أسترالي نتيجة موجات الحر منذ عام 1900.

وجراء موجات الحر التي اجتاحت أوروبا في 2003، تُوفيَ حوالي من 50,000 إلى 70,000 شخص بين شهري يونيو وأغسطس، وقد تسببت موجات الحر الروسية في عام 2010 في وفاة حوالي 55,000 شخص.

وبسبب الاحتباس الحراري فإن موجات الحر المستقبلية ستصبح أكثر ارتفاعًا في درجات الحرارة، وستحدث باستمرار أكثر، وستدوم لمدة اطول، وستغطي مساحات أكبر من كوكبنا.

ما هي موجة الحر بالضبط؟

يختلف تعريف موجة الحر من دولة إلى أخرى، وأحيانًا يختلف من ولاية إلى أخرى داخل الدولة نفسها كما في حالة الولايات المتحدة.

إن التعريف الأكثر انتشارًا والأكثر قبولًا يأتينا من منظمة الأرصاد العالمية (WMO).

يبدأ التعريف بوضع أساس زمني مثل فترة الثلاثين عامًا بين 1961 و1990، ثم تختار يومًا من السنة وليكن 27 من شهر يناير ثم تتتبع درجات الحرارة الصغرى والعظمى (غالبًا ما تكون درجة الحرارة بعد منتصف الظهيرة وبعد منصف الليل) لهذا اليوم خلال الثلاثين عامًا لمدينة أو موقع ما تختاره، ثم تجمع 30 درجة حرارة عظمى لهذا اليوم ثم تقسمهم على 30، فتحصل في النهاية على متوسط درجات الحرارة العظمى لليوم والمكان.

كل ما عليك أن تقوم بنفس الأمر مع الأربعة أيام المتتاية لهذا اليوم، فتحصل في النهاية على متوسط درجات الحرارة العظمى لخمسة أيام على التوالي.

طبقًا لمنظمة الأرصاد العالمية، فإن موجة الحر تحدث حينما يكون لديك درجات حرارة عظمى لخمسة أيام أو أكثر على التوالي أعلى من متوسط درجات الحرارة لهذه الأيام بخمس درجات سليزية.

أسباب حدوث موجات الحر؟

تحدث موجات الحر في الأساس عندما يعلق نظام الضغط المرتفع في الغلاف الجوي في مكان واحد لأيام أو حتى أسابيع بدلًا من أن يتحرك عبر المناطق والأماكن المختلفة.

على النقيض، فإن في موجات الحر العاتية التي تتسبب في وفاة عشرات الآلاف في أوروبا وروسيا، كان هناك عامل آخر لموجات الحر حيث تُصبح موجات الحر أكثر سوءًا بسبب الشد والجذب القاطع الشديد، والمستمر بين الأرض شديدة الجفاف وأنظمة الضغط القوية غيرالمتوقعة في الطبقات الأكثر انخفاضًا من الغلاف الجوي.

في نهاية الأمر تتسبب هذه التركيبة باحتباس الحرارة، وهذه الحرارة المحتبسة لا تتشتت بحلول الليل كما هو المعتاد، لذلك فمع بداية صباح يوم جديد تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع بداية من أعلى درجة حرارة في اليوم السابق وتزداد شدة هذه الدورة بمرور كل يوم، وفي النهاية نحصل على طبقة سميكة من الهواء الساخن يبلغ سمكها حوالي أربعة كيلومترات.

كيف تعرف أن حالة وفاة ما سببها موجات الحر؟

في الغالب لن تستطيع بصورة مباشرة معرفة ذلك لأن هناك العديد من العوامل المتداخلة، كما أن طريقة تعامل جسدك مع درجات الحرارة تعتمد على درجات الحرارة التي تعتاد عليها وعلى عمرك وصحتك العامة، وتعتمد أيضًا على الشكل المعماري لمنزلك وموقعه وهكذا.

لذلك فليس بالضرورة أن تتسبب موجة الحر التي قتلت أحد الأشخاص في وفاة باقي جيرانه، وحينما يقوم الأطباء بتشريح الجثة فلن تجد في علم الأمراض شيئًا مميزًا يُثبت تَسبب موجة الحر في حالة الوفاة، ولكنك يمكن أن تعرف بصورة غير مباشرة أن موجات الحر يمكن أن تكون السبب في الوفاة حينما تزداد أعداد الجثث في ثلاجات الموتى وذك في فترات ارتفاع درجات الحرارة.

في موجات الحر السابقة في أوروبا عام 2003، وبالتحديد في فيكتوريا عام 2009 وروسيا عام 2010 ثم أخيرًا فيكتوريا عام 2014، غصَّت ثلاجات الموتى بالجثث رافعةً لافتة (لا توجد أماكن شاغرة!) فببساطة لم توجد أي غرف إضافية وقتها لتخزين جثث الموتى المتوالية تباعًا ما اضطر السلطات إلى نقلها وتخزينها في الجامعات ومراكز دفن الموتى.

وفي عام 2003 في باريس، كان لابد من تخزين معظم ضحايا ارتفاع درجات الحرارة في مستودعات التبريد خارج المدينة مؤقتًا.

بعد انقضاء موجة الحر، تبدأ الإحصائيات في الظهور حول أعداد الضحايا، وتتم مقارنة أعداد الضحايا أثناء موجة الحر بأعداد الضحايا لنفس تلك الفترة في الأعوام السابقة، وفي أستراليا سجل يوم 27 يناير أكثر الأيام في عدد الضحايا بسبب موجات الحر، وهو اليوم التالي للعيد القومي لأستراليا.

من القاتل ،تحديدًا، في موجات الحر؟

ما يثير الدهشة حقًا أن العلماء مازلوا لا يعرفون بصورة كاملة ما القاتل، ففي عام 2003 في باريس وحدها كان هناك 15,000 ضحية، كان معظمهم من السيدات العجائز الوحيدات اللاتي يعشن في الأدوار العلوية للعمارات التي لا تحتوي على المصاعد الكهربائية.

وتتسبب الحرارة المرتفعة في إحداث الضرر،خاصة، للأطفال الصغار وكبار السن، وأيضًا لأصحاب الأمراض المزمنة والأمراض النفسية، وهناك بعض العوامل الخطرة المتعلقة بالوفاة في تلك الحالات منها أن تكون بدينًا أو تُعاني من سوء التغذية أو غير لائق بدنيًا بصفة عامة.

عامل آخر مهم وهو المخدرات الشرعي منها وغيرالشرعي، فالمعاناة من الجفاف المصاحبة لاستهلاك كميات من الكحول يجعل الوضع أكثر سوءًا.

يمكن أن يُصبح توقف مُكيفات الهواء عن العمل (في حالة انقطاع الكهرباء) في المنازل سيئة التصميم أمرًا كارثيًا، وهنا يظهرعاملً آخر في أوروبا بالأخص هو ذلك التصميم السيء للمنازل الذي يعمل على الاحتفاظ بالحرارة وعدم التخلص منها.


  • ترجمة: محمد خالد عبدالرحمن
  • تدقيق: منة الله عيد رزق
  • تحرير:عيسى هزيم
  • المصدر