يُلقي الفيزيائي (روجر رسول – Roger Rassol) نظرة على الكيفية التي بدأنا فيها محاولة قياس سرعة الضوء، وكذلك السبب في كونها محدودة.

نحن نعرف الآن أن هُناك حد للسرعة الكونية، لكن حتى فترة 1600، تم افتراض أن الضوء يتحرك بشكل فوري – ألفريد باسيكا / مكتبة الصور العلمية.

نعرف جميعنا قاعدة المرور الأولى في الكون – لا يستطيع أي شيء السفر أسرع من سُرعة الضوء والتي تبلغ 299,792.458 كيلو متر في الثانية. لكن لِم الأمر كذلك؟
افترض مُعظم الناس قبل فترة 1600 ميلادي، أنّ الضوء يتحرك بشكل فوري، وكان جاليليو من ضِمن الأوائل الذين اعتقدوا أنّ الضوء يُسافر بسرعة محدودة. فقد حاول قياسها عام 1638، حيث وقف هو ومُساعد له على قِمم جِبال بعيدة بمصابيح مُغطّاة. كانت الفكرة هي أن يُزيل مُساعد جاليليو غطاء مِصباحه فور رؤيته لشعاع الضوء، حينها يحسب جاليليو الوقت المُستغرق لرؤية شعاع الرجوع، ولكن فشلت التجربة فشلًا ذريعًا !

كان على جاليليو حتى يتمكن من النجاح، أن يُسجّل فارقًا زمنيًا لعدّة ثوان ميكروية ( Microseconds)، لكن لم يكن لديه الوقت الكافي للعناية بالجهاز وبالتالي رد فعله سيكون أبطأ أكثر من ذلك.

استنتج جاليليو بشجاعة إلى أنّ حركة الضوء «إن لم تكن فورية، فهي سريعة بصورة غير عادية».

لكن لم يتخطّى الأمر عام 1676، حينها حصلنا على تقدير مُرضٍ لسرعة الضوء عن طريق عالم فلكي دنماركي يافع يُسمّى (أولي رومر – Ole Romer). كانت مُلاحظة خسوف كوكب المُشتري بالنسبة لقمره (يو – IO)، واحدة من الطُرق التي استخدمها البحّارة للتحقق من ساعاتهم. تم قياس الوقت الذي يستغرقه القمر IO لإكمال دورة كاملة حول المُشتري والبالغ 1.769 يوم. مع ذلك، كان هنالك مُشكلة صغيرة.

لاحظ رومر أنّ هناك اختلافًا طفيفًا بين كُل خسوف والآخر اعتمادًا على الوقت في السنة. حيثُ يزداد الإختلاف في الوقت بين كُل خسوف وغيره في الأوقات التي يتحرك فيها كوكب الأرض بعيدًا عن المُشتري؛ ويقل في الأوقات التي يتحرك فيها كوكب الأرض قريبًا من المُشتري.

التأثير التراكُمي يعني أنّ الوقت المُتوقّع سيكون فيه نسبة خطأ بقيمة عشرة دقائق.

بالتالي، أدرك رومر أنّ مُلاحظاته يُمكن تفسيرها من خِلال اختلاف المسافة بين المُشتري وقمره IO، والأرض. انعكس اختلاف الأوقات لدوران قمر IO على المسافات التي على الضوء أن يُسافرها. ساعد ذلك رومر أيضًا على تقدير سرعة الضوء البالغة 214,000 كيلومتر في الثانية. ليس سيئًا !

جاء أول قياس عملي لسرعة الضوء بعد 150 عامًا عن طريق الفيزيائي (هيبوليت فيزيو – Hippolyte Fizeau)، حيثُ أحدث تقدمًا مُبتكرًا في طريقة جاليليو. في تجربته، يتم تسليط حزمة من الضوء على ترس سريع الدوران، تُقسِّم أسنان الترس الضوء إلى نبضات صغيرة جدًا، تُسافر هذه النبضات حوالي ثمانية كيلومترات إلى مرايا مُحكمة التراصف وضعها فيزو. في رحلة العودة، النبضة الضوئية المُنعكسِة يُمكنها الوصول لفيزيو من خلال المرور بواحدة من فجوات الترس.

ماذا حدث؟ في السُرعات البطيئة، تعود نبضة الضوء إلى فيزيو من خلال نفس الفجوة في أسنان الترس. لكن عندما رفع فيزو سرعة الترس، تم اعتراض نبضة الضوء عند سرعة مُعيّنة عن طريق السن التالي. بمعرفة سرعة الدوران، استطاع فيزيو بذلك قياس المُدّة التي استغرقها الضوء للسفر مسافة 17 كيلومتر – وبالتالي السرعة التي يجب أن يُسافر بها الضوء. نتيجته البارزة بأنّ سرعة الضوء والبالغة 315,000 كيلومتر في الثانية كانت ضمن حوالي 5% من معظم قياساتنا الحديثة باستخدام الليزر.

كُلّما سافر شيء أسرع، كُلّما أصبح أضخم، وأصبح الوقت أبطأ أكثر – حتى تصل في النهاية إلى سرعة الضوء، النقطة التي يتوقّف عندها الوقت تمامًا.

حسنًا. نحن نعرف أن الضوء يُسافر بسرعة محدودة، لكن لِم هي محدودة؟

استوقف هذا السؤال ألبرت أينشتاين لبعض الوقت. إن كان للضوء سرعة محدودة، فماذا إن ربطنا كشّاف في مُقدّمة صاروخ مُتحرِّك؟ أليس من المُمكن أن يُسافر الضوء المُنبعِث من الكشّاف أسرع من سرعة الضوء؟ حاول أينشتاين حل لغز هذه المسألة من خلال عِدّة أفكار (مُتضمّنة تجارب) وانتهى بحل مجنون: يجب على حركة جسم أن تجعل الوقت أبطأ. لم يعُد الوقت ثابتًا بعد تلك اللحظة. ومن هُنا، نشأت النسبية.

اختبرت الكثير من التجارب تنبؤات أينشتاين بعناية.

في عام 1964، قام العالم (ويليام برتوزي– William Bertozzi) من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT ،بتسريع إلكترونات في مدى من السرعات، بعدها قام بقياس طاقتها الحركية واكتشف أنه عندما تقترب سرعتها من سرعة الضوء، تُصبح الإلكترونات أثقل وأثقل – وصولًا للنقطة التي تُصبح عندها ثقيلة بما يكفي لدرجة استحالة جعلها تسير أسرع من ذلك. السرعة القُصوى التي يمكن للإلكترونات أن تُسافر بها قبل أن تُصبح ثقيلة جدًا لتسريعها أكثر؟ هي سرعة الضوء.

في اختبارٍ حاسم آخر، قام الفيزيائيون (جوزيف هافيل – Joseph Hafele) و (ريتشارد كيتنج – Richard Kearing)، بوضع (ساعات سيزيوم ذرّية – Cesium Atomic Clocks) مُتزامنة وفائقة الدقّة، على متن طائرات تجارية لتقوم بالتحليق لعدة رحلات حول العالم. بعد انتهاء الرحلات، اختلفت جميع الساعات المُتحرِّكة مع بعضها البعض، كذلك مع الساعة المرجعيّة في المُختبر، حيثُ مرّ الوقت أبطأ بالنسبة للساعات المُتحرّكة تمامًا كما تنبأ أينشتاين. لذا فكلّما سافر شيء أسرع، كلّما أصبح أضخم، وأصبح الوقت أبطأ أكثر – حتى تصل في النهاية إلى سرعة الضوء، وهي النقطة التي يتوقّف عندها الوقت تمامًا، كذلك هو الأمر بالنسبة للسرعة.بالتالي، لا يمكن لأي شيء أن يُسافر أسرع من سرعة الضوء.

بالمُناسبة، في المرة القادمة التي تستخدم فيها هاتفك الذكي، كُن على عِلم بأنّه يجب على الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع التي تدور حول الأرض، أن تأخذ التباطؤ في الوقت (تمدد الزمن) في الاعتبار. قُم بتعطيل هذه التصحيحات النسبية وسيختفي العالم الحديث للأبد.


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح
  • تدقيق: عمر خالد النجداوي
  • تحرير : ندى ياغي
  • المصدر