طوّر فريق Bonn طريقة قياس تقوم بشكل غير مُباشر بتحديد مكان الذّرة.

مبدأها هو أن ينظُر الشّخص إلى المكان الذّي لا توجد فيه الذّرة، تُوضِّح الصّورة هذه العمليّة.

دعنا نفترِض أنّ هُناك وعاءين أمامنا وقِطة مُختبِئة في إحديهما (صورة a)، بدون معرِفتنا تحت أيّ منهما توجد القطّة، نرفع مبدئيًّا الوعاء الأيمن (صورة b) ونجِده فارغ.

بالتالي نستنتج أنّ القطّة أسفل الوعاء الأيسر، بدون أن نزعجها، إن كُنّا قد رفعنا الوعاء الأيسر بدلًا من ذلك (صورة c)، سنكون قد أزعجنا القِطة وبالتالي تُهمَل عملية القياس.

في (العالم الواقعي المرئي للعين المُجرّدة – Macro Realist’s World)، ليس لطريقة القياس هذه تأثير على حالة القطة على الإطلاق، إذ تظلّ هادئة طوال الوقت.

بينما في العالم الكمّي، يكفي القياس بنتيجة سلبية، يكشف عن موقع القِطة (الصورة b)، بدلًا من أن يُدمَّر التراكب الكمّي ويؤثّر على نتيجة التّجربة.

هل يُمكن لضربة الجزاء أن تدخل الهدف وتخطئ في الوقت ذاته؟ هذا مُمكنًا بالنسبة للأجسام الصغيرة على الأقل: فحسب تَوَقُّعَات ميكانيكا الكم، يُمكن أن تتخذ الجُسيمات المِجهرية مسارات مُختلِفة في نفسِ الوقت.

يتبع عالم الأجسام الماكروسكوبية (التي تُرى بالعين المُجردة) قواعد أُخرى: حيثُ تتحرك كُرة القدم دائمًا باتجاه مُحدد.

لكن هل هذا صحيح دائمًا؟

قام فيزيائيون بجامعة Bonn بتجرُبة مُعَدَّة لدحض هذه الفرضيّة، حيثُ أظهرت نتائج التجرُبة الأُولى أنَّ ذرات عُنصر السيزيوم يُمكِنها بالفعل أن تتخذ مسارات مُختلفة في الوقت نفسِه.

مُنذ مائة عامٍ تقريبًا، أنشأ الفيزيائيّون فيرنر هايزنبرغ، ماكس بورن، وإرفين شرودنجر، حقلًا جديدًا في الفيزياء: ميكانيكا الكم.

تبعًا للنظريّة الكموميّة لا تتحرك الجسيمات بالعالم الكمّي في مسارٍ واحدٍ محدّد.

فبدلًا مِن ذلك، هي تتّخذ مسارات مُختلِفة في الوقت نفسِه وينتهي بِها الأمر أن تتواجد في أماكن مُختلِفة في ذاتِ الوقت.

توضيحًا مِن الفيزيائيين عن التراكب الكمّي للمسارات الُمختلِفة.

يبدو أّنهُ على المُستوى الذري، تتبع الجُسيمات بالفِعل قوانين ميكانيكا الكم، حيثُ أكدّت كثير من التجارب تَوَقُّعات ميكانيكا الكم على مَرِّ السنين.

مع ذلك، نحنُ نرى تحليق كُرة القدم على طول مسار واحد مُحدد في تعامُلِنا الماكروسكوبي اليومي؛ فهي لا تُصيب المرمى وتُخطئه في نفسِ الوقتِ أبدًا.

إذًا لِم ذلك؟

يقول الدّكتور أندريا ألبرتي، من معهد الفيزياء التّطبيقيّة بجامعة Bonn: «هُناك تفسيرين مُختلفين، فميكانيكا الكم تسمح بوجود حالات تراكب للجُسيمات الكبيرة على مُستوى العين المُجرّدة.

لكن هذه الحالات ضعيفة جدًا، حتى مُجرّد مُتابعة كُرة القدم بأعيُننا أثناء تحليقها كافيًا لتدمير حالة التراكب وجعلِها تتبع مسارًا مُحدّدًا تمامًا.»

هل تلعب الجُسيمات “الكبيرة” بقواعد مُختلِفة؟

لكن يُمكن أيضًا أن تكون كُرات القدم تمتثِل لقواعد مُختلِفة تمامًا عن تِلك الّتي تنطبِق على الذّرات المُنفرِدة.

يوضِّح ألبرتي: «فلنتحدّث عن الجانب الواقعي المرئي بالعين المُجرّدة من العالم، حيثُ أنّه بالنّسبة لذلك التفسير، فإنّ كُرة القدم تتحرك دائمًا في مسار مُعيَّن، مُهمِلة مُراقبتِنا، ومُناقضة لسلوك الذرة».

لكن أيّ التّفسيرين صحيح؟ هل تتحرك الجُسيمات الكبيرة بنمط مُختلِف عن الصغيرة؟

قدَّم فريق جامعة Bonn مُخطَطًا تجريبيًا يُمكِنه الإجابة على هذا السّؤال، بالتعاون مع الدكتور كليف إيماري من جامعة Hull بالمملكة المُتحِدة.

يُضيف ألبرتي: «كان التحدي هُو وضع مُخطط قياس لأماكن الذرات يُؤهل لدحض نظريات (الواقع المرئي للعين المُجرّدة – Macro-Realistic).»

يصف الفيزيائيون بحثهم في صحيفة Physical Review X بأنّهم قاموا بانتزاع ذرة سيزيوم باستخدام ملاقِط بصرية ودفعِها في اتجاهين مُتضادين.

في عالم الواقع المرئي للعين المُجرّدة ستتواجد الذّرة في إحدى الموقعين النهائيين فقط، لكن طِبقًا لميكانيكا الكم، يُمكِن للذرة أن تشغل الموقعين بشكل مُتراكِب.

يقول الطالب كارستين روبِنز: «لقد استخدمنا الآن قياسات غير مُباشِرة لتحديد الموقع النهائي للذرة بأبسط طريقة مُمكِنة.»

حتى أنّ تِلك الطريقة غير المُباشرة للقياس أحدثت تغييرًا مُذهِلًا في نتيجة التجارُب.

يستثني هذا الرصد -أو “يبطِل” كما كان ليقول فيلسوف العلوم كارل بروبر كمعنى أكثير تحديدًا- إمكانية امتثال ذرات السيزيوم لنظرية الواقع المرئي للعين الُمجرّدة.

عوضًا عن ذلك، فإنّ النتائج التجريبية لفريق Bonn تتوافق جيدًا مع تفسيرات مبنيّة على حالات تراكُب تفشل عند القياس بشكل غير مُباشر.

كُل ما نستطيع فِعله هو تَقَبُل حقيقة أنّ الذرة قد اتّخذت بالفعل مسارين مُختلفين في الوقت نفسه.

يُحذِّر ألبرتي: «لا يُعد ذلك إثباتًا أنّ ميكانيكا الكم تحكُم الجُسيمات الكبيرة بعد، فالخطوة التالية هي فصل موقِعّي ذرة السيزيوم بعِدّة ملليمترات.

إن كان علينا الحصول على التراكُب في التجربة، فإنّ نظرية الواقع المرئي للعين المُجرّدة سوف تُواجه عائق آخر.»


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح
  • تدقيق: بيان أبو ركبة
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر