تم تطوٍير صيغة MP3 لأول مرة منذ ما يقارب الثلاثة عقود، حوّلت هذه الصيغة الملفات الصوتية الرقمية الكبيرة إلى ملفات صغيرة نسبيًا وسهلة التمرير عبر الإنترنت؛ الشبكة التي تم الوصول اليها وإلى حد كبير عبر اتصال بطيء جدًا -وفقًا لمعايير اليوم- عبر تقنية إنترنت الإتصال الهاتفي (Dial-up connection).

قررت حاليًا الشركات المصنعة لصيغة ضغط الملفات هذه، تيشنيكولور و فراونهوفر إي إي إيس (Technicolor and Fraunhofer IIS)، أن تنهي دعمها لبرنامج ترخيص صيغة MP3، ومن المقرر أن تنتهي صلاحية براءة الإختراع الأخيرة لهذه التكنولوجيا في نهاية العام الحالي. لذلك، بإمكاننا أن نعتبر الإم بي ثري ميتًا مرة أخرى، أليس كذلك؟

لكن ما هو الـMP3 بالضبط؟

MP3 هو مصطلح يطلق على شكل من أشكال الترميز، ووسيلة لضغط وفك ضغط البيانات في الملفات الصوتية.

تضم المنظمة المسؤولة عن تحديد معايير ضغط وفك ضغط الملفات الصوتية والفيديو مجموعة من خبراء الصور المتحركة (MPEG)، وهي مجموعة عمل تضم عدة سلطات. لذلك، MP3 هو مجرد اختصار للـ MPEG-1، من طبقة الصوت الثالثة.

تعتبر الملفات الصوتية الرقمية عالية الجدوة كبيرة الحجم نسبيًا؛ حوالي 10 ميكا بايت للدقيقة الواحدة من الستيريو أوديو (Stereo). أما اليوم، فقد نعتقد أن 10 ميكا بايت للدقيقة هي نسبة تافهة، ولكن كان يعتبر هذا الرقم كبيرًا جدًا في الأيام الأولى من عصر نقل البيانات بشكل رقمي.

في البداية، تم تطوير ملفات MP3بهدف ضغطها بنسبة 12:1، محققة بذلك جودة صوت مقبولة. ولذلك، يمكن ضغط أغنية حجمها 60 ميكا بايت في ملف بحجم 5 ميكا بايت فقط. ويمكن استخدام نسب ضغط أخرى، حيث النسب الأعلى معها تنتج ملفات صوتية تحتوي على نسب تشويش أعلى، والنسب الأقل تؤدي الى إلى ارتفاع أحجام الملفات.

يعمل فقدان ضغط الترميز على النظرية التي تنص على أن الأذن البشرية تتجاهل بالفعل الكثير من المعلومات في استقبال الصوت، فببساطة قد لا يتم ترميز هذه المعلومات الزائدة عن الحاجة.

ويأتي مصطلح فقدان من حقيقة أن هذه البيانات يتم فقدانها والتخلص منها بحيث تزول إلى الأبد. MP3 و منافسيه الـ AAC (Advanced Audi Coding) و WMA (Windows Media Audio) كلها صيغ فقدان.

اذا هل الـMP3 ميت أم على قيد الحياة؟

تم وضع الصيغة في أواخر الثمانينات وتم توحيدها في بداية التسعينات، وتم اعتبارها ميتة لأول مرة في عام 1995 ومهجورة من التكنولوجيا تقريبًا. وقد اعتبر ذلك فشلًا تجاريًا على الرغم من الاستثمار الكبير من معهد فراونهوفر وتطوير العقد من قبل زعيم المشروع كارلهاينز براندنبورغ.

كانت ضحية حرب للصيغ بقيادة الشركة الهولندية المصنعة فيليبس. تم تجاهل MP3 الخاصة بفرونهوفر باستمرار في أوائل التسعينات من قبل مجموعة معايير MPEG لصالح فيليبس MP2.

وجدت صيغة MP3 نجاحًا تجاريًا في سوق البث الرياضي في وقت مبكر، مع إمكانية ضغط الصوت الرقمي, موفرة آلاف من الدولارات لمحطات البث الفضائي.

لذلك لم تكن تحظى الصيغة بشعبية كبيرة في تطبيقات الموسيقى التجارية التي وفرها المطورون مجانًا.

ونتيجة لذلك، كانت هذه الصيغة على وشك التخلي عنها من قبل المطورين مرة أخرى حتى نهاية عام 1996، لصالح صيغة الـAAC التي لا تزال حاصلة على براءة اختراع ودعم الى يومنا هذا.

صيغة ال AAC كانت قد طورت في البداية من قبل نفس الفريق الذي طور ال MP3 كوسيلة للتخلي عن قيود التقنية المفروضة من قبل فيليبس على معيار MPEG-1

بشكل عام، تقدم صيغة AAC أداءًا أفضل من MP3 في نسب ضغط أعلى، و براءة اختراعها لا تتطلب من المستخدم الحصول على ترخيص لتوزيع التشفيرة الصوتية للـAAC.

ولم تكن هناك الا قبل انتشار مواقع مشاركة الملفات على شبكة الإنترنت، التي بنيت حول توزيع المحتوى المقرصن، التي أعادت الاهتمام بال MP3، أولًا كمواقع معزولة « واريز »، ومن ثم شبكات الند للند (Peer-to-Peer)مثل نابستر (Napster).

يقول ستيفن وايت في كتابه لعام 2015 « كيف أصبحت الموسيقى مجانية » (مصدر للكثير من التاريخ حول هذا الموضوع) أن المرة الأولى التي استخدم فيها مصطلح MP3 من قبل الصحافة الرئيسية كان في شهر مايو من عام 1997، مع مقالة يو اس اي تودي(USA Today) التي وضحت بالتفصيل كيفية قيام طلاب الجامعات بتحميل ألبومات مرقمة على خوادم الجامعة عبر مواقع مشاركة الملفات.

في هذه المرحلة، وهي المرة الأولى التي يسمع فيها الغالبية بصيغة MP3، وقتها كان الحصان قد انسحب بالفعل، وصناعة الموسيقى لن تكون هي نفسها مرة أخرى.

ظهر الأمبان (MPMan)، وهو أول مشغل MP3 محمول، لأول مرة بعد أقل من عام، ودخلت أبل إلى السوق في عام 2001 من خلال الكشف عن المشغلَين iTunes و iPod، وبذلك فقد عززت عالم الموسيقى لكلا النوعين وهما مشغلات الموسيقى المدمجة والصيغ الرقمية المضغوطة.

مشاركة الموسيقى:

لم تكن ملفات MP3 المبكرة تبدو رائعة ولم يعجب بها عشاق الموسيقى ومنتجي التسجيلات على حد سواء.

ولكنها سمحت للمستهلكين بتخزين الموسيقى إلى حد لم يكن ممكنًا من قبل، مما يبشر بعلاقة جديدة بين المعلومات الرقمية والملكية.

وقد انقلب نموذج السوق القائم على الندرة على رأسه، وفي حين أن نسخ الموسيقى كان متوفر لعقود، كل نسخة من نسخ الموسيقى اقترنت فعليَا بالمتوسط – بشريط فينيل أو الشريط المغناطيسي.

وقد أدى ارتفاع عدد شبكات تبادل الملفات بين الأقران، المعروفة بـ نابستر، إلى إمكانية أي شخص لديه جهاز كمبيوتر واتصال بالإنترنت الوصول إلى مجموعة الموسيقى الكاملة لشخص آخر. يمكن نسخ ملف واحد من قبل الآلاف، وكلها في نفس الوقت..

وقد غير هذا أنماط الاستماع:

بدلًا من شراء ألبوم واحد في الشهر (اعتمادًا على ما يمكنك تحمل تكلفته)، ومن ثم الاستماع إليه عدة مرات، يمكن لعشاق الموسيقى أن يجوبوا الإنترنت باستمرار بحثًا عن موسيقى جديدة، بل إن البعض سيخزن الموسيقى التي لن يستمعوا إليها أبدًا

من مشاركة الملفات الى بثها:

اليوم، يتم استبدال ملفات MP3 بشكل متزايد بخدمات البث المنتشرة.

مع إمكانية الوصول السريع والرخيص إلى الإنترنت عبر الهاتف النقال، وخدمات مثل سبوتيفي، أبل ميوزك، وجوجل بلاي وغيرها، توفر جميعها حاليًا مكتبات موسيقية واسعة النطاق يمكن الوصول إليها مقابل دفع رسوم اشتراك معينة.

اقترح ديتر سيتزر، تلميذ براندنبورغ ، في وقت مبكر من عام 1982 أن التوصيل الأكثر فعالية للصوت الرقمي كان من خلال البث كوسيلة للاستفادة من خطوط الهاتف الرقمية الجديدة في ألمانيا، لكن تم رفض براءة اختراعهم.

إذا كانتا الزيادة في عدد مشغلات MP3 المحمولة وانتشار المحتوى المقرصن هما السبب في تعزيز دور MP3 في ثقافة الشباب، فمن المرجح أن صعود خدمات البث هي التي سوف تحدد العادات الحالية للشباب.

على الرغم من إنهاء فراونهوفر لبرنامج الترخيص الخاص به للحصول على صيغة MP3، سيستمر ملف MP3 في العيش، غير مدعوم من قبل المطورين، ولكنه حاليًا غير مقيد ببراءات الإختراع أو التراخيص.

في حين توجد برامج ترميز أفضل لضغط ملفات الموسيقى الرقمية، فإنه من المثير للإهتمام ملاحظة إحياء الشكل القديم من الترميز.

واليوم، تظهر أحداث مثل « أيام الألبومات الكلاسيكية » كمحاولة لاستعادة تجارب الاستماع المركزة من خلال استخدام التكنولوجيات التماثلية التي عفى عليها الزمن منذ أواخر الثمانينيات.

وأعتقد أنه من المستبعد جدًا أن تتطور أحزاب الاستماع المماثلة في محاولة للاحتفال بالـ MP3 القديم في وقت مبكر.


  • ترجمة: ليث اديب صليوه
  • تدقيق: عمر خالد النجداوي
  • تحرير: أميمة الدريدي
  • المصدر