قنوات الأتصال لدينا ليست مثالية، سواءً قمت بإرسال رسالة عن طريق الإيميل أو عن طريق إشارات الدُّخان هنالك دائماً احتماليَّة حصول تشويش عشوائي في طريقها، وبشكل مفاجئ يمكنك دائماً التقليل من معدل الخطأ تقريباً إلى الصفر وذلك ببساطة عن طريق اختيار طرق ذكيَّة لتشفير الرِّسالة المرسلة.

انقلاب البتَّات (Bits) :

لفهم ذلك، تخيَّل أنك تريد أن تنقل نتائج قلب قطعة نقدية إليّ عن طريق قناة اتصال بعيدة، يتم التّعويض عن الرأس بصفر والتعويض عن الذيل بواحد، كما تعلم هناك احتمالية لأن يتغير الصفر إلى واحد وبالعكس.

هل يمكنك أن تكتب شيفرة آمنة من تقلُّب البتات؟

يمكنك أن تستخدم بتين في كل خرج، من خلال كتابة 00 للرأس وكتابة 11 للذيل فإذا وصل إلى الطرف الآخر على شكل 10 أو 01 سوف تعلم أن هناك خطأ قد حصل لكنني لن أعرف أيّ بت منها قد تغير ولا أستطيع أيضاً أن أستنتج إن كنت أرسلت 00 أو 11.

دعنا عوضاً عن ذلك نجرِّب شيفرة تستخدم ثلاثة بتات، للتَّعبير عن الرأس 000 و للتعبير عن الذيل 111 فإذا رأيتُ سلسلة بتات ليست أحدهما لن أعلم فقط إذا حصل خطأ ما، ذلك على فرض أن بت واحد من الثلاثة يمكن أن ينقلب، بل سأعلم أيضاً ماذا كانت السلسلة الأصلية حيث أنه إذا كانت السلسلة الخاطئة التي وصلت تحتوي على صفرين فإن السلسلة الأصل كانت عبارة عن ثلاثة أصفار حتماً، وغير ذلك فإنها كانت ثلاثة واحدات، هذه الطريقة في التشفير والتي هي آمنة من الأخطاء تسمى تصحيح الخطأ.

المثال يوضح فكرة مهمة يمكنك أن تصل إلى تفاصيل الخطأ من خلال تعريف التكرارية والتي هي: الرموز الزائدة التي تقلل من احتمالية حدوث خطأ في الرسالة.

يقول سكوت أرنسون: «هذه الفكرة مرجحة جداً»، والذي هو عالم حاسوب في معهد ماساشوستس للتكنلوجيا ويقول أيضاً: «اللغة الأنكليزية أو أي لغة أخرى تحتوي على الكثير من التكرار، إذا فاتك القليل من ما قلت فإنك تستطيع أن تفهم الجملة مع ذلك، هذه أحد خصائص اللغات البشرية فنحن لا نضغط المعلومات إلى أقصى حد لسبب وجيه»

الأخطاء مقابل التكرارية:

كيف يمكنك أن تثبت الخطأ باستخدام برامج تصحيح الخطأ هذه؟

معدل الخطأ في مثالنا في الأعلى يمكن أن يكون صفر لو أننا استطعنا أن نتأكد أن قناة الأتصال سوف تقلب بتًا واحدًا فقط من مقطع البتات الواحد، الأمور في الواقع ليست قابلة للتوقع إلى هذه الدرجة حيث يمكنك أن تعرف إذا كانت القناة لديك ستقلب بمعدل بتًا واحدًا فقط من كل ثلاثة ولكن ذلك لا يعني أنها من حين لآخر لا يمكن أن تغير 000 والتي تعبر عن الرأس إلى 011 تاركةً المستقبل غير مدركٍ لماهية الرسالة المطلوبة.

يمكن أن تبحث عن طريقة تشفير قوية لتجنب ذلك ولكن الفكرة تكمن في أن استخدامك لأي طريقة كانت سيبقى هناك احتمال لحدوث التباس مما سيقودنا إلى حدوث خطأ في الرسالة المشفرة في الطرف الآخر.

يبدو أنه لتقليل هذه الأحتمالية كل ما يمكن أن تقوم به هو أن تزيد من التكرارية مما سيجعل نقلك أقل فاعلية بكثير بكونك ستحتاج إلى عدد بتات أكثر لنقل كل رمز، وذلك أيضاً سيعرضك إلى خطر الدخول في حالة سباق تسلح (arms race)، إذا طلبت منك أن تصنع شيفرة برمجية تقلل من معدل الأخطاء إلى رقم صغير، سوف تحتاج أن تضيف بعض التكرارية وإذا طلبت منك أن تقلل معدل اللأخطاء أكثر سوف تحتاج أن تضيف تكرارية أكثر حيث أن معدل أخطاء صغير سيتطلب تكرارية أكبر دائماً وهكذا وهكذا.

معدل أخطاء قريب من الصفر سيتطلب تكرارية قريبة من اللانهاية وبالتالي فعالية قريبة من الصفر.

في بداية ظهور قنوات الأتصال بعيدة المدى هذا ما كان يعتقده الناس، عندما تتعامل مع قناة مضجة فإنه لن يكون لديك خيار سوى أن تعوض عن معدل الأخطاء بالتكرارية.

على كل حال في عام 1948 أثبت عالم الرياضيات كلود شانون أنهم على خطأ من خلال نظريتة الرياضية في الأتصال التي فتحت آفاقاً جديدة والتي بين من خلالها أنه إذا كان لدينا معدل أخطاء معين ومهما كان صغيراً فإنه من الممكن أن تجد شيفرة تنتج معدل الخطأ الصغير هذا وتمكنك من نقل الرسائل بمعدل نقل يتم تحديده من خلال سعة قناة الأتصال.

هذه النتيجة تعرف بنظرية شانون لتشفير ضجيج قنوات الأتصال حيث توضح أن النقل الخالي من الأخطاء لا يقود إلى فعالية قليلة بالضرورة.

إذا قرأت المقالة السابقة فإنك لن تفُاجئ أن تعرف أن نظرية القناة المضجة تتضمن كمية المعلومات الخاصة بالمصدر (الأنتروبيا) والتي تنتج المعلومات (كما في مثال قلب قطعة النقد)، إذا تحدثنا بشكل أوسع فإن الأنتروبيا تقيس معدّل كمية المعلومات التي يحملها كل رمز تنتجة الآلة.

إضافة التكرار إلى كل رسالة يقلِّل من كمية المعلومات المحمولة في كل رمز وبالتالي أنتروبيا أقل، ما وضّحه شانون هو أنه حالما تصل كمية المعلومات إلى أقل من حد معين يمكن دائمًا إيجاد شيفرة مساعدة بمعدل صغير من الأخطاء.

إيجاد أفضل شيفرة:

كيف تجد الشيفرة المناسبة؟

لسوء الحظ نظرية شانون لا تخبرنا بذلك، كما قال أرنسون: «شانون لم يعطي أي مثال واقعي عن الشيفرة التي يمكن استخدامها»، الأثبات الذي قدمه يوضح بشكل بسيط أنك إذا اخترت شيفرة معينة من عدة شيفرات متاحة فإنه هناك احتمالة كبيرة أن تعمل هذه الشيفرة.

إنها نتيجة رائعة ولكنها ليست مفيدة جداً، اختيار شيفرة عشوائية لن يكون فعال حسابياً وقد تحتاج إلى كمية كبيرة من الطاقة الحسابية لتشفيرها ولكن شانون لم يهتم بذلك فقد كان هدفه أن يعرف كيف يتعامل مع القنوات المضجة بشكل أساسي.

مما يعني حتى الآن، كما يقول آرنسون: «الكثير من الأبحاث في نظرية المعلومات في ال 60 سنة التالية لنظرية شانون، يمكننا أن ننظر إليها كمحاولة لجعل نتائج شانون أكثر وضوحاً، محاولة إيجاد شيفرة تصحيح خطأ أكثر وضوحاً وتكون قادرة على نقل المعلومات بما يقارب المعدل الأعلى لما تعطيك إياه بنية نظرية شانون»

حصل تقدم كبير وخاصة في ال25 سنة الماضية، هناك الآن شيفرات تستطيع تشفير وفك تشفير بفعالية كبيرة وتقترب أيضاً من حد شانون.

هذه الشيفرات لها تستخدم في تطبيقات رئيسية مثل ال CDs وفي إرسال الرسائل إلى المسابر الفضائية..إلخ وتستخدم في كل شيء تقريباً في الهندسة الألكترونية.

أفكار شانون كانت مؤثرة جداً لكن طريقته في قياس المعلومات لها مميزات غريبة.

الأنتروبيا تقيس معدل المعلومات في الرمز والتي يتم إنتاجها من مصدر معلومات محدد، لا يخبرنا أي شيء عن ماهية المعلومات الموجوده في سلسلة رموز يتم أنتاجها مقارنة بسلسلة أخرى، لا بد أن هناك طريقة أخرى لقياس ذلك؟


  • المترجم: بتول حبيب
  • تدقيق: يحيى أحمد
  • تحرير: أميمة الدريدي
  • المصدر