الدراسة الأولى لتحديد التأثير الواقي لإعادة ترتيب مورثة الغليكوفورين (glycophorin) على الملاريا.

اكتشف باحثون علميون ارتباط الحماية من أكثر أنواع الملاريا وخامةً بالاختلافات الطبيعية لمورثات كريات الدم الحمراء البشرية، فقد حددت دراسةٌ أجريت في معهد (Wellcome Trust Sanger)، ومركز (Wellcome Trust) للوراثيات البشرية، ومعاونيهما، قدرة مُراتَبةٍ جينية لمستقبلات غليكوفورين (Glycophorin) كريات الدم الحمراء على توريث انخفاض خطر الإصابة بالملاريا الوخيمة حتى نسبة 40%.

وتعدّ هذه الدراسة المنشورة في دورية العلوم (Science) الأولى من نوعها في توضيح قدرة التبدلات البنيوية الكبيرة في مورثات الغليكوفورين البشري، والتي تعدّ شائعة في أفريقيا، على الوقاية من مرض الملاريا، وبالتالي تفتح هذه الدراسة مجالًا جديدًا للبحث عن لقاح يمنع طفيليات الملاريا من غزو كريات الدم الحمراء.

إذ يصاب أكثر من 200 مليون شخص سنويًا بالملاريا، وقد سبب هذا المرض الوفاة لما يقارب نصف مليون شخص حول العالم في عام 2015، وتعدّ المتصورة المنجلية ((Plasmodium falciparum، التي تنتقل بواسطة البعوض، الطفيلي الملاري الأكثر انتشارًا في أفريقيا، والأشد خطورة.

وتصيب طفيليات المتصورات كريات الدم الحمراء البشرية، إذ تدخل عبر مستقبلات على سطح تلك الخلايا، وقد أظهرت دراسات سابقة على المقاومة الطبيعية للملاريا مشاركة قسم من الجينوم البشري متوضع بالقرب من تجمع (عنقود) لمورثات مستقبلات معينة في هذه المقاومة.

وتقع هذه المستقبلات (الغليكوفورينات) على سطوح كريات الدم الحمراء، وتعتبر إحدى العديد من المستقبلات التي تسمح للمتصورة المنجلية بالارتباط بها، ولكنها المرة الأولى التي تُكتشف بها مشاركة هذه المستقبلات في الحماية من الملاريا.

فتحرّى الباحثون منطقة الغليكوفورين بدقة أكبر من ذي قبل، وذلك باستخدام بيانات تتالي جينوم كامل من 765 متطوعًا في غامبيا، وبوركينا فاسو، والكاميرون، وتنزانيا، وبالاعتماد على هذه المعلومات الجديدة.

باشروا في دراسة عبر غامبيا، وكينيا، وملاوي، تضمنت 5310 فردًا من السكان الطبيعيين، و4579 شخصًا ممن أُدخلوا المستشفى بسبب إصابتهم بالملاريا الوخيمة، فاكتشفوا أن الأشخاص الذين يمتلكون مُراتَبة معينة لمورثات الغليكوفورين قد قلت نسبة خطورة إصابتهم بالملاريا الوخيمة بنسبة 40%.

وقالت المؤلفة الأولى للمقال، د. إيلين ليفلير ((Ellen Leffler من جامعة أوكسفورد: «وجدنا في هذه الدراسة الحديثة دليلًا قويًا على تأثير التغيرات في عنقود مورثات الغليكوفورين على الاستعداد للملاريا، فتبين امتلاك بعض الأشخاص لمراتبة معقدة لمورثتي GYPA (الغلوكوفورين-A) و GYPB (الغليكوفورين-B)، تؤدي إلى تشكيل غليكوفورين هجين، ووجدنا أن هؤلاء الأشخاص هم أقل قابلية لتطوير مضاعفات وخيمة للمرض».

وتتواجد المورثة الهجينة GYPB-A في مجموعة دموية معينة نادرة- وهي جزء من نظام MNS* للمجموعات الدموية*- تسمى “دانتو” (Dantu)، وقد وجدت الدراسة أن (GYPB-A دانتو) الهجين موجود لدى بعض الأشخاص في شرق أفريقيا، وكينيا، وتنزانيا، وملاوي، لكنه لم يتواجد في المتطوعين المنتمين لشعوب غرب أفريقيا.

*نظام MNS للمجموعات الدموية: هو نظام قائم على مورثتين اثنتين هما الغلوكوفورين-A والغليكوفورين-B، على الصبغي الرابع، ويوجد 46 مولدًا للضد في النظام، وأشيع هذه المولدات تسمى M، N، S،s ، وU.

وقد قال د. كيرك روكيت (Kirk Rockett) من جامعة أوكسفورد: «لقد سمح لنا تحليل تسلسلات الحمض النووي ((DNA بتحديد موقع الاتصال بين الغليكوفورينات A والغليكوفورينات B في المورثة الهجينة، كما أظهر لنا أن هذا التسلسل مميز لمولد الضد “دانتو” في نظام MNS للمجموعات الدموية».

وتشكل دراسة عنقود جينات الغليكوفورينات للتحديد الدقيق للاختلافات بين تسلسلات الجينات الثلاث تحديًا كبيرًا، فتقدم فكرة عن تفكيك تلك المنطقة لدراستها، ومعرفة كيفية تعلقها بنظام MNS للمجموعات الدموية وتأثيرها على الاستعداد للملاريا.

كما قال البروفيسور دومينيك كوياتكوسكي (Dominic Kwiatkowski)، وهو مؤلف رئيس من معهد ((Wellcome Trust Sanger وجامعة أوكسفورد: «لقد بدأنا باكتشاف دورٍ رئيسي لمنطقة الغليكوفورين الواقعة على الجينوم في حماية الأشخاص من الملاريا، بالإضافة إلى قدرة اختلاف معين في مستقبلات الغليكوفورينات على تقديم حماية حقيقية من الملاريا الوخيمة.

ونأمل أن يحفز هذا الاكتشاف المزيد من البحث عن الآلية الدقيقة لغزو المتصورة المنجلية لخلايا الدم الحمراء، وقد يساعدنا ذلك أيضًا في اكتشاف نقاط ضعف جديدة للطفيلي يمكن استغلالها في التدخلات المستقبلية ضد هذا المرض المميت».


  • ترجمة: سارة وقاف
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر