محاكاة تُظهر عملية إنتاج بوزون هيغز من تصادم إثنين من البروتونات في مصادم الهادرون الكبير. ينشطر بوزون هيغز بسرعة إلى أربعة (ميونات – Muons)، التي هي نوع من الإلكترونات الثقيلة التي لا يمتصها الكاشف. مسارات الميونات موضّحة باللون الأصفر.
بواسطة لوكاس تايلور/تجربة (الملف الحلزوني للميون المُدمج – Compact Muon Solenoid)

أنا متأكد أننا جميعًا قد سمِعنا جملة« يخلق بوزون هيغز كتلة.»

و إن كنت لم تسمعها من قبل، فلابأس، لقد سمعتها الآن.

يبدو أن هذه الجملة تعطي دَفعةً لمفهوم أن كل رطل وجرام من جسمك، على المقياس دون الميكروسكوبي، تؤثر عليه هذه المادة الانبعاثية الخفية لهيغز التي تملأ الكون.

في حين أن تسمية (جسيم الإله – The God Particle) دخلت أذهان العامة بشكل مخيّب.

فبدون بوزون هيغز، لم تكن لتوجد كتلة، كانت لتنتهي الفيزياء التي نعرفها ونُحبها فجأةً، وكانت لتندفع الجسيمات بسرعة الضوء مواجهةً صعوبة بالغة في الحصول على فرصة للتفاعل.

مشكلةٌ كبيرة

يلعب بوزون هيغز بالتأكيد دورًا في أمر الكتلة، لكنه أقل أهميةً مما تعتقد.

بالتركيز على شخصك، نجد أن جسدك يتكون من أعضاء مصنوعة من أنسجة، التي هي مصنوعة من خلايا، الخلايا مصنوعة من جزيئات، التي هي مصنوعة من ذرات.

تحتوي الذرات على نواة مُحاطة بسحابة من الإلكترونات، وهذه الإلكترونات ضعيفة للغاية وغير مهمة حيث يُمكن إهمالها في معظم القياسات المتعلِّقة بالكتلة.

بالنظر إلى نواة الذرة، نجد بروتونات ونيوترونات، المكونين الأساسيين للذرة – مثل اللحم والبطاطس بالنسبة للإنسان -.

لكنهما أيضًا مصنوعين من عناصر أصغر حتى – (الكواركات – Quarks).

يتكون كل بروتون ونيوترون من شبكة كواركات ثلاثية مُقيدةً مع بعضها بإحكام بواسطة (الجلونات – Gluons)، وهي جسيمات تحت ذرية تُسبب القوة النووية الهائلة.

هنا يُصبح الأمر غريبًا.

إذا جمعت كُتل الثلاث كواركات المُكونة لكل بروتون ونيوترون، ستحصل في النهاية على نسبة 1% من الكتلة الكُلية.

هذا صحيح.

الكتلة الكُلية لجميع أجزاء جسمك الرئيسية (إلكترونات وكواركات) هي مجرد جزءٍ ضئيلٍ لدرجةٍ مثيرةٍ للسخرية من وزنك.

في حين أن معظم اللوم في قلب الموازين يقع على طاقة التفاعل بين أجزاء جسمك.

فالجلونات التي تمسك بالبروتونات والنيوترونات معًا ليست لها كتلة، لكنها في الحقيقة تقوم بواجبها ألا وهو التعشيق الذي يرفع من طاقة الربط.

فهي تُكلِّف الطاقة لتمزيق بروتون أو نيوترون، وبما أننا نعيش في كون يحكمه قانون أينشتاين E=mc2 (الطاقة=الكتلة*مربع سرعة الضوء)، فإن الطاقة تساوي الكتلة، ومقدار سرعة الضوء يُخبرنا بكمية الطاقة الموجودة في وحدة كتلة؛ الفكرة الأساسية في هذه العلاقة الشهيرة هي أن الطاقة والكتلة متساويتان تمامًا.

بالتالي، فإن معظم كتلتك في الحقيقة هي قوة الربط بين البروتونات والنيوترونات الخاصة بك.

ولا يتعلق أي شيءٍ من ذلك ببوزون هيغز.

الكتلة المفقودة

لكن ليست كل الأحاديث المدوّية حول الصلة الأساسية بين بوزون هيغز والكتلة عبارة عن دخان ومرايا دون ذرية.

حيث يلعب بوزون هيغز دورًا (صغيرًا) هنا: فإنه يُعد التفسير لكتلة أجزاء جسمك، للإلكترونات، وللكواركات نفسها.

على الرغم من أنها ليست ثقيلةً جدًا، إلا أنها ليست مُنعدِمة الكتلة بالكامل، ويُمكن توجيه الشُكر لبوزون هيغز على ذلك.

وبالنسبة لطبيعة التفاعل المُنتِج للكتلة؟ في أغلب الأحيان، يُشابه مجال هيغز حساءً دسِمًا، أو رُبما ضبابًا كثيفًا وثقيلًا، أو عسلًا سميكًا ولزجًا.

التشابه مماثل أيًّا كانت التعبيرات المجازية حيث يتخلل مجال هيغز الكون معيقًا الانتقال الحر للإلكترونات والكواركات.

تجعل هذه المقارنات السمِجة الأمر وكأن الحركة هي مفتاح العلاقة بين مجال هيغز وكتلة الجسيم.

كأن السبيل الوحيد الذي يكتسب به الإلكترون كتلةً هو مروره خلال عتمة مجال هيغز المحيطة بنا.

بالنسبة لي، تعجز تشبيهاتٌ مثل تلك في وصف الطبيعة الحقيقية للعلاقة، وعندما يحدث ذلك، يكون من الأفضل العودة إلى أمان الحسابات الرياضية.

ففي النهاية، تتمثل لعبة الفيزياء في استخدام الرياضيات لوصف آليات عمل الكون، تُوصف العلاقات وتُكتشف بواسطة الرياضيات.

وصف هذه العلاقات بواسطة لغات طبيعية دائمًا ما تُكتشف في فترة قصيرة.

تكون الحسابات الرياضية واضحةً عندما يتعلق الأمر بمجال هيغز والإلكترونات.

عندما نسمح بوجود مجال هيغز الذي يملأ الكون، هذا المجال له خصائص محددة مبنيّة على الشغل الذي يجب أن يبذله المجال ليفصل القوة النووية الضعيفة عن قرينتها الكهرومغناطيسية.

ولنا الآن الحرية لتوجيه سؤال: هل يتفاعل وجود كلا المجالين وقائمةٌ من الخصائص لكلٍّ منهما مع أي شيء آخر؟

أجل بالطبع.

يتفاعل مجال هيغز مع المجال الإلكتروني، المجالات الكواراكية، وكل المجالات الليبتونية.

ويتفاعل أيضًا مع تلك المجالات الأخرى في موضعٍ مُحددٍّ جدًّا في المعادلات الرياضية التي يستخدمها الفيزيائيون لوصف طبيعتها وتطوّرها، حيث يظهر بوزون هيغز فجأةً بالضبط في المكان الذي نضع به كتلة الجسيم.

إذن ها هو الحل.

تتحدث الرياضيات عن نفسها لمرةٍ واحدة منذ وجودها.

كتلة الإلكترون – أو كتلة الكوارك أو أي جسيم ليبتوني – هي تفاعلها مع مجال هيغز.

لا سائل مُركّز، لا أوراق لزجة، ولا ذباب طنّان.

لا استعارات، تشبيهات، أو مقارنات.

فقط مجرد عِبارة واحدة، صريحة، ومجردة لحقيقةٍ مُدهشة.


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح
  • تدقيق: بدر الفراك
  • تحرير:عيسى هزيم
  • المصدر