في ورشةِ عملٍ حديثة حول التّحليل الأعمى، تناقشَ الباحثون حول كيفية الحفاظ على توقعاتهم منفصلةً عن نتائجهم.

تمّ تصميم التجارب العلميّة لتحديد الحقائق حول عالمنا، ولكن في التحليلاتِ المعقدة، هناك احتمالٌ خطرٌ بأنّ الباحثين سيحرفون نتائجهم عن غير قصد لتتناسب مع ما كانوا يتوقعون العثور عليه، ولتقليل هذا التحيّز المحتمل أو القضاءِ عليه، يطبّق العلماء طريقة تعرف باسم “التحليل الأعمى”.

ومن المعروفِ أنّ الدراسات العمياء هي الأكثرُ شهرةً من حيث استخدامِها في تجارب الأدوية السريريّة، و التي يتمّ فيها إبقاء المرضى في حالة جهل -أو عمى- فيما إذا كانوا يتلقون دواءاً فعليّاً او وهميّاً، ويساعد هذا النّهج الباحثين على الحكم فيما إذا كانت نتائجهم تنبع من العلاج نفسه أو من اعتقاد المرضى أنهم يتلقون هذا العلاج.

يقومُ علماء الفيزياء الجزيئيّة وعلماء الفيزياء الفلكيّة بإجراء دراساتٍ عمياء أيضاً، ويكتسب هذا النهج أهميّة خاصة عندما يبحثُ العلماء عن آثارٍ صغيرةٍ للغاية مخبّأة بين ضوضاء الخلفيّة التي تشيُر إلى وجود شيءٍ جديدٍ لم يكن محتسباً في النموذج الحاليّ، ومن الأمثلة على ذلك الاكتشافات التي تمّ نشرها على نطاقٍ واسع لبوزون هيغز عن طريق التجارب في مصادم المتقدّم. LIGO الهادرون الكبير في سيرن وموجات الجاذبيّة بواسطة كاشف “التحليلات العلميّة هي عمليات تكرارّية، والتي نُجري فيها سلسلة ًمن التعديلات الصغيرة على النماذج النظريّة حتى تصفَ النماذجُ بدقةٍ البياناتِ التجريبيّة.

“على حسب قول إليزابيث كراوس، وهي بروفيسورة في معهد كافلي للفيزياء الفلكية للجسيمات وعلم الكونيات، الذي تشترك في تشغيله جامعة ستانفورد ومعمل مُسّرع سلاك الوطنيّ التابع لوزارة الطاقة “في كلِّ خطوةٍ من خطوات التحليل، هناك خطرٌ من أنّ المعرفةَ السّابقة توجّهُ الطريقة التي سنقوم بها بالتعديلات، التحليلاتُ العمياء تساعدنا على اتّخاذ قراراتٍ مستقلّة وأفضل.”

*بحثت كيفَ يمكنُ دمج التحليلات العمياء في عمليات الاستطلاعِ KIPAC كانت كروس المنظّم الرئيسي لحلقةِ عمل حديثة الفلكية للجيل التالي والتي تهدف إلى تحديدٍ أكثرَ دقّة من أي وقتٍ مضى لطبيعة الكون وكيف أن مكوناته قد دفعت التطور الكونيّ.

الصناديقُ السوداء والتمليح

ومن النتائج التي توصلت إليها ورشة العمل أنّه لا يوجدُ نهجٌ واحدٌ يناسب الجميع، وفقا لما ذكره كايل ستوري العامل في مرحلة ما بعد الدكتوراه في كيباك، أحد منظمي الحدث. “التحليلات العمياء بحاجة إلى أن تكون مصممة بشكل فردي لكل تجربة”.

الطريقة التي تتم بها التعمية تحتاج إلى ترك الباحثين مع ما يكفي من المعلومات للسماح بتحليلٍ مفيد، ويعتمدُ ذلك على نوع البيانات الصادرة من تجربة محددة، وهناك نهج مشترك هو أن يستند التحليل على بعض البيانات فقط، باستثناء الجزء الذي يعتقد بأن هناك حالة خاصة مختبئة ضمنه، و يُصطلحُ أنّ البيانات المستبعدة تكون في “الصندوق الأسود” أو “مربع إشارة خفية”.

بأخذ البحث المنجز من قبل بوس هيغز على سبيلِ المثال، وباستخدام البيانات التي تمّ جمعها من مصادم هادرون الكبير حتى نهاية عام 2011، رأى الباحثون تلميحاتٍ عن عثرة كعلامة محتملة على جسيم جديد بكتلة تبلغ حوالي 125 جيجاالكترون فولت.

لذلك عندما رأوا البيانات الجديدة، قاموا عمدًا بحجر النطاق الشامل حول هذه العثرة وركّزوا على البيانات المتبقية بدلاً من ذلك.

واستخدموا تلك البيانات للتأكّد من أنّهم يعملون مع نموذج دقيق بما فيه الكفاية.

ثم “فتح الصندوق” وتطبيقِ هذا النموذج نفسه للمنطقة التي لم يشملها،و تحوّلت العثرة لتكونَ جسيم هيغس الذي طالَ انتظارُه.

لقد كان ذلك انجازاً جيداّ بالنسبة لباحثي هيغز، مع ذلك، وكما ذكر العلماء المشاركون في تجربة زينون الضخمة تحت الأرض في ورشة العمل، فإن طريقة “الصندوق الأسود” للتحليل الأعمى يمكن أن تسبب مشاكل إذا كانت البيانات التي لا تبحثُ عنها صراحةً تحتوي على أحداثٍ نادرة حاسمة في معرفة النموذج الخاص بك بالمقام الأول.

وقد أكملت لوكس مؤخرا واحدة من أكثر عمليات البحث حساسية في العالم لجسيمات ويمبس الافتراضيّة من المادة المظلمة، وهو شكل غير مرئي من المادة التي هي أكثر بخمسة أضعاف انتشارًا من المادة العادية، وقد قام علماء لوكس بالكثير من العمل لحماية كاشف لوكس من جسيمات يمكن أن تحدث تشويشًا و ذلك ببناء الكاشف في غرفة نظيفة، وملئه بسائل نقيّ دقيق وبإحاطته من كل الجهات بدرع و تركيبه تحت ميل من الصخور ،و مع ذلك فبعض الجسيمات الضالة يمكن أن تجد طريقها الى هناك ،و بالتالي يحتاج العلماء إلى النّظر في جميع البيانات الخاصة بهم للعثور عليها والقضاء عليها.

لهذا السبب، اختار باحثو لوكس نهجًا مختلفاً للتحليل الأعمى، بدلا من استخدام “الصندوق الأسود”، فإنهم يستخدمون عمليةً تسمى “التمليح”.

علماء لوكس الذين لم يشاركوا في أحدث تحليلات لوكس أضافوا أحداثاً وهميّة إلى الإشارات المحاكية للبيانات التي تبدو كأنّها حقيقية، تماما كالمرضى في التجربة العمياء للدواء، فإن علماء لوكس لم يعرفوا ما إذا كانوا يقومون بتحليل بيانات حقيقية أو وهمية ، وبمجرد الانتهاء من تحليلها، فإن العلماء الذين استخدموا “التمليح” كشفوا الأحداث التي كانت كاذبة.

استُخدمت تقنية مماثلة من قبل علماء ليغو، الذين قاموا في النهاية بالكشف الأول عن تموجات صغيرة للغاية في الزمكان تسمى موجات الجاذبية.

الاستطلاعات الفلكية عالية المخاطر

ركزت ورشة عمل التحليل الأعمى في كيباك على مسوحات السماء المستقبلية التي من شأنها أن تنجز قياسات لم يُسبق لها مثيل للطاقة المظلمة وملاحظاتِ الموجات الميكرويّة الكونيّة التي من شأنها أن تساعد العلماء على فهمٍ أفضل لتطور الكون.

من المعتقد أنّ الطاقة المظلمة هي القوة التي تدفع الكون للتوسع أسرع وأسرع مع مرور الوقت.

CMB هو وهج ميكروي باهت انتشر على كامل الّسماء ، و هو أقدم ضوء في الكون ، و هو موجود من وقت ما كان عمر الكون 380,000-سنة فقط.

لإلقاء الضوء على على الخصائص الغامضة للطاقة المظلمة، فإنّ لجنة التعاون العلمي الخاصّة بالطاقة المظلمة تستعد لاستخدام البيانات من تلسكوب المسح المجهري الضخم، الذي هو قيد الإنشاء في شيلي، مع كاميرا فريدة من نوعها بدقة 3.2 جيغا بكسل فإن LSST سيصور البلايين من المجرات، والتي يعتقد أن توزعها متأثر بشكل كبير بالطاقة المظلمة.

“سوف تساعدنا التعمية على النظر إلى خصائص المجرات التي تم اختيارها لهذا التحليل بشكلٍ مستقل عن الآثار الكونيّة المعروفة للدراسات السابقة” يضيف كراوس أحد أعضاء DESC ، أحد الطرق المتّبعة من قبلِ اللجنة العلميّة التعاونيّة بأنّها تخطط لتعميةِ أعضاءها عن المعرفة ِالسابقة و ذلك بتشويهِ صور المجرات قبل دخولها مجرى التحليل .

ليس كلّ فردٍ في المجتمع العلميّ مقتنعٌ بأنّ التعمية ضرورية، التحليلات العمياء هي أكثرُ تعقيدًا من حيث التصميم من التحليلات غير العمياء وتستغرق وقتاً أكثر لإنجازها، بعض العلماء المشاركين في التحليلات العمياء يقضون بشكل ٍحتميّ بعض الوقت في النظر في بيانات وهميّة، والتي يمكنُ أن يعطي شعوراً بكونها مضيعة ًللوقت.

ومع ذلك فالبعضُ الآخر يدافع بقوة ٍعن التحليل الأعمى، آرون رودمان باحث كيباك و هو عالمُ فيزياء جزيئيّة تحوّل إلى الفيزياء الفلكية ما زال يستعملُ أساليب التعمية على مدى السنوات العشرين الماضية و حتى الآن.

يقول: “التحليلات العمياء أصبحت بالفعل معيارًا جيدا في عالم فيزياء الجسيمات”واضاف “انها ستلعب دوراً حاسماً في عزل التحيز من المسوحات الكونية من الجيل القادم، وخصوصًا عندما تكون المخاطر عالية ،سنبني LSST واحداً، على سبيل المثال ،لتزويدنا بمناظر غير مسبوقة من السماء”.
* The Kavli Institute for Particle Astrophysics and Cosmology=KIPAC

  • ترجمة: مراد الونوس.
  • تدقيق: آية تقلا.
  • المصدر