في 21 أغسطس من هذا العام، ستتعرض الولايات المتحدة الأمريكية إلى كسوف كلي للشمس سيخطف الأنفاس عبر البلاد بينما يتقدم من شاطئٍ إلى آخر بدءً من ولاية اوريجون وانتهاءً بولاية كاليفورنيا.

وسيعطي الحدث فرصةً رائعةً لإعادة النظر في تجربة عظيمة وقعت خلال الكسوف الكلي للشمس وساعدت على إثبات صحة النظرية النسبية العامة لآينشتاين.

و تشير وكالة الفضاء الأوربية لهذا الحدث السماوي باعتباره « أهم حدث كسوف كلي في تاريخ العلم».

رابط لتوضيح النظرية النسبية لآينشتاين (إنفوغرافيك)

لقد عاش ألبرت آينشتاين معظم حياته مشهورًا عالميٍا، لكن الكسوف الكلي للشمس كان السبب في إطلاق شهرته في الآفاق.
Credit: Central Press/Stringer/Getty

نيوتن يواجه أينشتاين

في العام 1915، نشر آينشتاين أربع ورقاتٍ رائدةٍ قدمت نظريته (النسبية العامة).

في ذلك الوقت، كان من الصعب أن تعرف الجماهير بشأن علماء الفيزياء النظرية الألمان – الذين وُلدوا في ألمانيا -، لقد حارب أعضاء مجمع العلوم نظريته الجديدة، وفقا للتقارير الواردة في صحيفة نيويورك تايمز.

في هذا الوقت كان النموذج الكلاسيكي للسير إسحاق نيوتن – الذي قدمه في كتابه «الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية» وصدر في العام 1687، هو الذي يحكم العالم.

بينما قوبل عمل آينشتاين بالكثير من الريبة.

أحد أهم المباديء في النظرية النسبية العامة أن الفضاء ليس ساكنا.

فيمكن لحركة (الأجسام-(objects أن تغير من بنائية الفضاء.

على النقيض كانت نظرية نيوتن ترى الكون باعتباره «جامدًا».

في رؤية آينشتاين للكون يقترن الفضاء ببعدٍ آخر هو – الزمن – فيخلقان معًا نسيجًا ينتشر في الكون كله يدعى بالزمكان.

يمكن للجسم المسافر باستخدام كتلته أن يشوه ويحني ويلوي هذا الزمكان.

و يوضح تأثير الجاذبية على الضوء مدى الاختلاف بين النظريتين.

على الرغم من أن آليات الميكانيكا الكلاسيكية قد تنبأت بأن جاذبية نجم قد تغير مسار فوتون.

فإن آينشتاين اعتبر هذا تبسيطا مخلًّا لما يحدث في الحقيقة.

ليست جاذبية النجم هي المسؤولة عن حيود مسار الفوتون كما رأى نيوتن بل إن النجم خلق منحنًى في الفضاء كما لو أن شخصًا يقف على الترامبولين (سرير البهلوان) فيصنع إنحناءة على سطحه.

سيكون الفوتون بمثابة كرة تتدحرج على الترامبولين وبالتالي سيتابع مساره داخل هذا المنحنى.

سيرى الفوتون نفسه في حالة سفر في خطٍّ مستقيم، لكن التشوه في الزمكان هو الذي سيسبب حيود الفوتون.

إذن الجاذبية هي إحدى مظاهر إنحناء الفضاء.

تتسبب كل الكتل انحناءً في الزمكان ولكن تكون تأثيراتها ضعيفة، يتطلب اختبار نظرية آينشتاين جسمًا ذو كتلة كبيرة، مثل النجوم.

ينظر حاليًّا علماء الفلك في الكون بنظرةٍ أعمق ويرصدون الأجسام الأثقل مثل المجرات التي تشوه الزمكان وتغير مسارات الفوتونات، في تأثيرٍ يسمى «عدسة الجاذبية».

يظهر الضوء القادم من الأجسام التي تقع خلف الكتل الضخمة حرفيا في مكان مختلف من السماء.

في أوائل القرن العشرين كانت طرق الرصد هذه غير ممكنة.

تُرِكَ عمل آينشتاين معزولًا في إطار المجمع العلمي الألماني فقط لأن أوروبا كانت تخوض غمار الحرب العالمية الأولى.

بدون القدرة على إختبار النظرية الجديدة ربما حُفِظَت نظرية آينشتاين على رفٍّ في مكتبةٍ مهجورةٍ إلى الأبد.

رغم ذلك فقد أعار الفلكي البريطاني السير «آرثر إدينغتون» اهتمامًا بالغًا لأفكار آينشتاين الغريبة والتي أصبحت أكثر قوةً بفضل كلمة من عالم الفيزياء الهولندي «ويليم دي سيتر»، وكانت هولاندا دولةً محايدةً خلال الحرب العالمية الأولى، والذي آمن بقدرته على قيادة تجربةٍ لاختبار النظرية.

الكسوف الكلي الكامل للشمس في 29 مايو العام 1919
Credit: Public Domain

إختبار الكسوف الكلي للشمس

يمكن للشمس أن تكون أكثر النماذج القابلة للملاحظة لأنها الأعلى كتلةً بين أجسام مجموعتنا الشمسية.

كان على علماء الفلك أن يرصدوا مواقع النجوم التي تقع في الخلف قريبًا من حافة الشمس.

سيكون الموضوع عبثيًا بسبب لمعان الشمس الذي يجعل عملية الرصد هذه مستحيلة.

ثم حدث الكسوف الكلي للشمس في العام 1919

يحدث الكسوف الكلي للشمس بسبب مرور القمر فوق قرص الشمس مباشرة.

سمح هذا الحدث المبهج لسكان الأرض أن يلحظوا الغلاف المغناطيسي للشمس – الكورورنا أو الإكليل – قبل إختراع التليسكوب.

يعمل القمر كسدادة ضوءٍ طبيعيةٍ تحجب وهج الشمس مخلفًا وراءه بريقًا ضعيفًا نسبيًا بسبب غازات إكليل الشمس.

في العام 1917، وضع السير «فرانك واتسون دايسون» -العالم الفلكي في المملكة البريطانية-تصوُّرًا لتجربةٍ من شأنها أن ترصد أماكن النجوم في الخلفية بالقرب من ذراع الشمس أثناء الكسوف -وهي التجربة التي سيقودها «إدينغتون» بعد ذلك بعامين.

يمكن ملاحظة تأثيرات الزمكان المشوه إذا أمكن رصد وقياس أماكن النجوم بدقةٍ خلال كسوف عام 1919 ثم مقارنتها بأماكنها الطبيعية في السماء – بالشكل الذي يتجاوز تنبؤات ميكانيكا نيوتن الكلاسيكية.

إذا إنحرفت أماكن النجوم بالشكل الذي تنبأت به نظرية آينشتاين فسيصبح هذا الاختبار هو كل ما تحتاجه النظرية النسبية لتثبت صحتها.

لقد تكوَّنت لدى «إدينغتون» قناعةٌ بأنه لو نجح في إثبات صحة نظرية آينشتاين فستسقط رؤية نيوتن للكون رأسًا على عقب.

تظهر هذه الصورة من الكسوف الشمسي الكلي في 29 مايو 1919 أحد النجوم المستخدمة لتأكيد نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين. تظهر النقطة الحمراء حيث كان ينبغي أن يكون مكان النجم دون تدخل الشمس.

بمتابعة تعليمات «إدينغتون» للتجربة، قامت الجمعية الملكية والجمعية الفلكية الملكية بتنظيم حملات استكشافية إلى المناطق الاستوائية في البرازيل وجزيرة «برينسيبي» قبالة الساحل الغربي لأفريقيا حيث سيصبح الكسوف الكلي مرئيًّا.

إستغرقت (الفترة الكلية- period of totality ) – المدة الزمنية التي يحجب فيها القمر قرص الشمس بالكامل- لكسوف عام 1919 واحد من أطول الفترات في القرن العشرين و امتدت لـ 6 دقائق.

لقد سمح هذا الوقت للفلكيين بقياس الأماكن النسبية للعنقود النجمي (هدايس- Hyades) و الذي كان مفيدا لقربه من طرف الشمس في ذلك الوقت.

وعلى الرغم من أن الزمكان المشوه قد أدى إلى انحراف ضوء النجوم بمقدارٍ ضئيل (غير مرئي للعين المجردة)، فلقد طابقت تحليلات «إدينغتون» لبيانات الرصد القادمة من البرازيل وبرينسيبي ما تنبأت به النظرية النسبية العامة.

لقد كان تشويه كتلة الشمس للزمكان حقيقيًّا، وحلَّت محل نظرية نيوتن الجامدة نظريةٌ جديدة.

عندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأخبار في 7 نوفمبر 1919، أصبح أينشتاين معروفًا ليس فقط للعلماء، ولكن لغير العلماء أيضًا.

بعد أكثر من 98 عامًا من «أهم» كسوف، أعيد إختبار النظرية النسبية العامة مرات عديدة بطرقٍ مختلفة وفي كل مرةٍ تثبت صحة تشوهات رؤية آينشتاين للزمكان في كوننا.