إنَّ إحدى النتائج المدهشة لصورة الكون الجديدة هي أنَّه ينبغي تواجد عدد لانهائيّ من المناطق ذات تاريخ مشابه لتاريخنا تمامًا.

هذا صحيح، العديد من أشباهك يقرؤون نسخًا من هذه المقالة، يعيشون على كواكب مثل الأرض بكلِّ جبالها ومدنها وأشجارها وفراشاتها.

وهناك أيضًا مناطق لها تاريخ مختلفٌ بعض الشيء عن تاريخنا بكلِّ تنوعاته.

وقد يُسرُّ بعض القرّاء على سبيل المثال لمعرفة أنَّ هناك عددٌ كبيرٌ لانهائيّ من المناطق المرئيّة يكون فيها آل غور «Al Gore» رئيسًا للولايات المتحدة.

أرضنا وحضارتنا لا تكادا تكونان فريدتان في هذه النّظرة المذهلة للعالم.

عوضًا عن ذلك، تفرّقتْ حضارات متماثلة لا تُحْصى عبر التوسُّع اللانهائي للكون واكتمل انحدارنا من مركز الكون وهي عملية بدأها كِبرنِكِس «Copernicus» بعد ردِّ الجنس البشري لتفاهة كونيّة بحتة.

مقدمة

في عام 1981م قام آلِن غوْث «Alan Guth» بما اعتبره البعض حينها أهمّ مساهمةٍ لعلم الكون في جيل: نظريّة التّوسُّع.

في نموذج غوث، خضع الكون المبكِّر جدًّا لفترةٍ من التّوسّع السّريع، وهذا يمثّل، من بين الألغاز الأخرى في نظريّة الانفجار الكبير، التّجانس المحيّر للكون في الوقت الحاضر.

ولا يزال نموذج غوْث التّوسّعيّ قائمًا إلى يومنا هذا بعد أكثر من 25 عامًا، في حين قام علماء كون آخرون بنقل النظريّة في اتّجاهات جديدة منها التّوسّع الفوضويّ والتّوسّع الأبديّ وتوسّع الخمول وغيرها.

إنَّ آثار التّوسّع هي ذات أهميّة خاصّة في سياق مشهد نظريّة الأوتار.

أليكس ﭭيلِنكِن هو أحد الباحثين البارزين الذين يدرسون كيفية تطور علم الكونيّات التّوسعيّ من خلال المشهد وهو عالِم الفيزياء النّظريّة في تَفتس «Tufts» الذي يعمل في مجال عِلم الكونيّات لمدّة 25 عامًا وهو رائد في تقديم أفكار التّوسّع الأبديّ والخلق الكموميّ للكون من العدم.

هنا يقدّم أفكاره بمجموعة من النظريّات التي بدأت مع سيناريو غوْث التوسّعيّ وكيف سينتهي المطاف بها.

ألكساندر ﭭيلِنكِن هو أستاذ الفيزياء ومدير معهد علم الكونيّات بجامعة تَفتس «Tufts».

هو عالم الفيزياء النظريّة الذي يعمل في مجال علم الكونيّات لمدّة 25 عامًا وقد كتب ﭭيلِنكِن أكثر من 150 أُطروحة وهو مسؤول عن إدخال أفكار التوسّع الأبديّة والخلق الكموميّ للكون من العدم.

مبدأ العاديّة

«أعتبر نفسي رجلًا عاديًّا، باستثناء أنّي أعتبر نفسي رجلًا عاديًّا.»

مايكل دي مونتاني «Michel de Montaigne»

نحن نعيش آثار الانفجار الكبير.

هذا الحدث المهيب المسمّى إلى حدٍّ ما بدون اعتبار الانفجار الكبير الذي حدث منذ حوالي 14 مليار سنة. ويمكننا أنْ نرى فعليًّا بعض التاريخ الكونيّ يتجلى أمامنا من تلك اللحظة.

لأنّ الضوء الصادر عن المجرّات البعيدة يستغرق مليارات السّنين للوصول إلى المِقرابات على الأرض لنرى المجرّات كما كانت في شبابها.

ولكن هناك حدٌّ لأي مدى يمكننا أن نرى في الفضاء.

أفقنا محدودٌ بأقصى مسافة سافرها الضوء منذ الانفجار الكبير.

ولا يمكن ملاحظة مصادر أبعد من الأفق، لمجرد أن ضوئها لم يتسنى له بعد الوقت الكافي للوصول إلى الأرض.

ولكن إذا كان هناك أجزاء من الكون لا يمكننا الكشف عنها، مَنْ مِنّا بإمكانه مقاومة التساؤل عما تبدو عليه؟ يعتقد الفيزيائيون من وقت ليس ببعيد أنَّ الإجابة عن هذا السؤال مملّة نوعًا ما:

إنَّها المزيد من الشيء عينه، المزيد من المجرّات والمزيد من النجوم.

أمّا الآن أدّت التطورات الأخيرة في علم الكونيّات إلى مراجعة جذريّة لهذا الرأي.

وفقًا للصورة الجديدة فإنَّ أجزاء بعيدة من الكون هي في حالة من التّوسّع المتفجّر والمتسارع تُدعى «التضخّم».

إنَّ مقدار التّوسّع سريع جدًّا لدرجة أنّه في جزء صغير جدًّا من الثانية تُصبح أبعاد منطقة بحجم الذرّة أكبر بكثير من الكون المرئي حاليًّا.

ينتج التّوسّع عن شكل غريب من المواد تُسمّى «الفراغ الزائف» الذي يُنتِج قوّة منفّرة عظيمة.

تُشير كلمة «زائف» لنقيض الفراغ العادي «الحقيقي» وهذا النوع من الفراغ غير مستقر وعادة ما يتلاشى بعد فترة وجيزة من الزمن مطلِقًا كميّة كبيرة من الطاقة.

تُشعِل الطاقة كرة ناريّة ساخنة من الجسيمات والإشعاع.

هذا ما حدث في حيِّنا الكوني قبل 14 بليون سنة وهو الحدث الذي نشير إليه بالانفجار الكبير.

لم تكن فكرة التوسّع أكثر من مجرّد فرضية تأمُّلْ عندما اقترحها آلِن غوْث ذلك لأول مرّة في عام 1980.

ولكن في أواخر التسعينيات من القرن المنصرم أعطت ملاحظات المستعرات العظمى البعيدة والإشعاعات الخلفية الكونية للموجات الصغيرة «وهي وميض متبقٍّ خافت من الانفجار الكبير» أدلّة الرصد المؤيّدة.

لذلك تعتبر نظريّة التّوسّع اليوم في طريقها إلى أنْ تصبح واحدة من الركائز الأساسيّة لعلم الكونيّات الحديثة.

وبما أنَّ النظريّة مدعومة بالبيانات في الجزء الملحوظ من الكون، هذا يعطينا سببًا للاعتقاد باستنتاجاتها حول الأجزاء التي لا يمكننا أنْ نلاحظها.

يشبه التّوسّع بطريقةٍ ما استنساخ البكتيريا.

هناك عمليتان متنافستان ذات تأثير:

تتكاثر البكتيريا بالانقسام ولكن في بعض الأحيان تدمرها الأجسام المضادة أيضًا.

وتعتمد النتيجة على العملية الأكثر كفاءة.

إذا كانت البكتيريا تتكاثر بشكل أسرع، فإنّ أعدادهم تنمو بسرعة.

أمّا إذا كان التدمير أسرع، فإن البكتيريا تموت بسرعة.

ومع نظريّة التّوسّع فإن العمليتين المتنافستين هما تحلل الفراغ الزائف و «استنساخه أو إعادة إنشائه» عن طريق التّوسّع السريع في المناطق المتوسّعة.

وتُظْهِرُ حساباتي وحسابات آندريه ليند «Andrei Linde» أنَّ مناطق الفراغ الزائف تتضاعف أسرع بكثير مما تتلف وبالتالي تنمو أحجامها دون حدّ.

تمرّ بعض أجزاء بعيدة من الكون بتوسع تضخميّ أُسيّ في هذه اللحظة بالذات.

وهناك مناطق أخرى مثل مناطقنا انتهى التوسّع فيها، وأخرى يجري إنشاؤها على الدوام.

وهي تشكل «مجرّات» في بحر توسّع الفراغ الزائف.

تتسع المساحة بين المجرّات بسرعة مما يتيح المجال للمزيد من المجرّات الأخرى بأنْ تتشكّل.

وبالتالي فإن التًوسّع هو عملية هاربة توقفت في حيِّنا ولكنها لا تزال مستمرة في أجزاء أخرى من الكون مما تسبب في توسعها بمعدل محتدّ وتولِّد باستمرار المجرّات الجديدة مثل منطقتنا.

ويشار إلى هذه العملية اللامتناهية اسم «التوسّع الأبديّ».

دور الانفجار الكبير في هذا السيناريو يلعبه تحلل الفراغ الزائف.

لم يعد هذا الحدث لمرة واحدة جزءً من ماضينا بل حدثت العديد من الانفجارات قبل ذلك في أجزاء بعيدة من الكون وعدد لا يحصى من الانفجارات الأخرى سوف تندلع في أماكن أخرى في المستقبل.

ويظهر التحليل أنَّ حدود المجرّات تتوسّع بسرعة أكبر من سرعة الضوء.

«وينطبق حظر آينشتاين على سرعات فائقة اللمعية على الأجسام المادّيّة ولكن ليس على كيانات هندسيّة مثل حدود المجرّة».

ويترتب على ذلك أنَّه لن نتمكن أبدًا من السفر إلى مجرّة أخرى للأسف أو حتّى إرسال رسالة هناك.

أمّا المجرّات الأخرى فلا يمكن ملاحظتها حتّى من حيث المبدأ.

ناقشت ذلك الأمر مع آلِن غوْث سيّد التّوسّع نفسه في عام 1983 عندما كان هذا الرأي العالميّ الجديد يتشكل تدريجيًّا.

أخبرته عن التّوسّع الهارب وكيف يمكن وصفه رياضيًّا.

عندما كنت في منتصف كشف النقاب عن صورتي المبهرة الجديدة للكون حينها لاحظت أنَّ آلِن قد بدأ يغلبه النعاس.

وبعد سنوات عندما تعرفت على ألِن بشكل أفضل، علمت أنَّه شخص بليد جدًّا.

نظّمنا ندوة مشتركة لعلماء الكون في منطقة بوسطن وفي كل لقاء ندوة يخرّ آلِن نائمًا بهدوء بعد بضع دقائق من بدء الحديث.

وعندما ينهي المتكلم حديثه، يستيقظ آلِن بشكلٍ عجيب ويسأل أكثر الأسئلة فطنة.

ينكر آلِن امتلاكه أي قدرات خارقة للطبيعة ولكنّنا لسنا مقتنعين.

لذلك في وقت لاحق كان ينبغي أنْ أواصل المناقشة.

ولكن في ذلك الوقت لم أكن على علم بقوى آلِن السحريّة وتراجعتُ على عجل.

«أودّ أن أضيف أنَّ ألِن غوْث في وقت لاحق أصبح متحمسًا كبيرًا للتوسّع الأبديّ.»

وكانت الاستجابة الأوليّة للزملاء الآخرين أقلّ من الحماس أيضّا.

وقالوا أنَّ الفيزياء هي علم رصد لذلك علينا الامتناع عن تقديم المطالبات التي لا يمكن أنْ تُؤكَّدَ بالرصد.

لا يمكننا أنْ نلاحظ الانفجارات الكبيرة الأخرى ولا يمكننا أنْ نلاحظ مناطق توسّع بعيدة.

هم جميعا خارج أفقنا، فكيف يمكننا التحقق من وجودها فعليًّا؟

علاوة على كونها مفاجئة إلّا أنَّه يمكن استخدام وجود المجرّات الغير قابلة للرصد للقيام بتوقعات ممكنة للاختبار في منطقتنا المحلية.

ومن المثير للعجب أنَّه قد تمّ تأكيد بعض التوقعات.

وتشمل هذه الاختبارات للتوسّع الأبديّ اعتبارات إنسانيّة أصبحت مؤخرًا موضع جدل كبير.

ولكن قبل أن أتطرّق لموضوع الاختبارات أودّ أن أناقش بعض آثار التوسّع الأبديّة الميتافيزيقيّة اللافتة للنظر.

إنَّ حدود المجرّات في النظرة العالميّة للتوسّع الأبديّ هي المناطق التي تحدث فيها الانفجارات الكبيرة الآن.

المجرّات التي تشكلت حديثّا صغيرة جدًّا لكنّها تنمو دون حدود كما تتقدم في السّنّ.

أجزاء مركزية من المجرّات الكبيرة قديمة جدًّا: الانفجارات الكبيرة حدثت مرّة واحدة هناك منذ فترة طويلة.

أمّا الآن فهي مظلمة وقاحلة: كل النجوم هناك ماتت منذ فترة طويلة.

ولكنّ المناطق على أطراف المجرّات هي جديدة وتعجّ بالنجوم السّاطعة.

إن سكان المجرّات يرون صورة مختلفة مثلنا.

إنّهم لا يرون كونهم كمجرّة محدودة. بل يبدو لهم ككون لا نهاية له.

وهذا الاختلاف الكبير في المنظور هو نتيجة للاختلافات التي تفرضها طرق الحفاظ على الوقت المناسب للآراء العالميّة والداخليّة للمجرات.

«وفقًا للنظريّة النّسبيّة لآينشتاين، الوقت ليس ثابت، ولكن يعتمد على المراقب بدلًا من ذلك.»

ويرى العالم أنَّ تعريف «لحظة من الزمن» هو تعريف تعسفي إلى حدٍّ كبير بسبب عدم تواجد طريقة واضحة لمزامنة ساعات المراقبين في فراغ زائف وفي مجرّات مختلفة.

لوصف عالم واحد من المجرّات من وجهة نظر سكانه، هناك خيار طبيعيّ بدلًا من اختيار اعتباطيّ لمنشأ الزمن.

ويمكن لجميع المراقبين في المجرّة حساب الوقت من الانفجار الكبير في مواقع كلٍّ منها.

وبالتالي فإنَّ انفجارهم الكبير يُعتَبَر على أنَّه زمن البداية.

ومن الجدير بالملاحظة هنا من وجهة النظر الداخليّة أنَّ المجرّة الخارجيّة لا نهائيّة.

ولعل أسهل طريقة لرؤية هذا هو حساب عدد المجرّات.

في النظرة العالميّة.

تتشكل المجرّات الجديدة باستمرار بالقرب من الحدود المتوسّعة، ومع مرور الوقت يصبح لدينا عدد لا حصر له من المجرات في الحدّ.

كلّ هذه المجرّات اللانهائيّة موجودة في وقت واحد من وجهة النظر الداخليّة «لنعتبر ذلك في غضون 14 مليار سنة».

والنتائج تفوق التوقعات.

وبما أن كل مجرّة خارجية هي لانهائيّة من وجهة نظر سكانها، إلّا أنَّ تقسيمها إلى عدد لا نهائيّ من المناطق التي لها نفس حجم منطقتنا التي يمكن ملاحظتها.

سميناهما أنا ومعاوني جاومي غاريغا «Jaume Garriga» المناطق المرئيّة «o region» اختصارًا.

وكما هو معروف فإنَّ أكثر الأشياء المرئيّة بعدًا من الأرض هي حوالي 40 مليار سنة ضوئيّة وبالتالي فإنّ قطر منطقتنا المرئيّ هو ضعف هذا العدد.

تخيل عندئذٍ مجرّة لانهائيّة مليئة بالمناطق المرئيّة والكواكب العملاقة يبلغ قطر كلّ منهما 80 مليار سنة ضوئيّة.

أهمّ ملاحظة هي أنّ عدد بُنى المادة الجليّة التي يمكن أن تتحقق في أي منطقة مرئيّة هو محدود بالنسبة لتلك المادة في أي نظام محدود.

وقد يعتقد المرء أنَّه يمكن إدخال تغييرات صغيرة تعسفية في النظام مما يخلق عددًا لا نهاية له من الاحتمالات. لكن هذه ليست هي القضية.

إذا قمت بتحريك كرسي بمقدار سنتيمتر واحد، فإنّني أغير حالة منطقتنا المرئيّة.

أستطيع أنْ أحرّكه بمقدار 0.9 سنتيمتر أو 0.99 سنتيمتر أو 0.999 سنتيمتر وهكذا دواليك إلى أن يصبح لدينا تسلسل لانهاية له من الإزاحات المحتملة التي تقترب بدقة أكثر فأكثر من حدّ سنتيمتر واحد.

هناك مشكلة بالرغم من ذلك.

ولا يمكن التمييز بين عمليات الإزاحة القريبة جدًّا عن بعضها البعض حتّى من حيث المبدأ بسبب عدم اليقين الميكانيكي الكمّيّ.

ونتيجة لذلك، لا يوجد سوى عدد محدود من الحالات الظاهرة.

إنَّ عدد التواريخ المحتملة للمنطقة المرئيّة محدود أيضًا.

يُوصَف التاريخ بمتوالية من الحالات في لحظات تراتبية من الزمن.

تواريخها الممكنة في فيزياء الكمّ تختلف كثيرًا عن تلك الممكنة في العالم الكلاسيكيّ.

المستقبل لا يُحدَّده الماضي على نحوٍ فريد في عالم الكمّ فالحالة الأوليّة ذاتها يمكن أن تؤدي إلى العديد من النتائج المختلفة، ولذلك يمكن تحديد احتمالات هذه النتائج فقط.

يتم توسيع نطاق التاريخ الممكن إلى حدٍّ كبير نتيجة لذلك.

وتارة أخرى هذا يجعل من المستحيل تمييز التواريخ القريبة جدًّا من بعضها البعض على الرغم من الغموض الذي يفرضه عدم اليقين الكموميّ.

يمكن كشف التواريخ المميّزة في منطقة مرئيّة في الفترة الواقعة بين الانفجار الكبير والحاضر بأن يعطي 10 مربّع 10 مربّع 150.

هذا الرقم ضخم جدًّا ولكن المهمّ هو أنّه عدد محدود.

دعونا الآن نراجع معلوماتنا.

تخبرنا نظريّة التوسّع أنَّ المجرّات لا حدود لها داخليًّا بحيث يتألف كل منها من عدد لا حصر له من المناطق المرئيّة.

ويعني عدم اليقين الكموميّ أنّ عددًا محدودًا فقط من التاريخ يمكن أن يتكشف في أي منطقة مرئيّة.

يتمّ تعيين الحالات الأوليّة من المناطق المرئيّة في الانفجار الكبير من خلال عمليّات الكمّ العشوائيّة التوسّع لذلك يتمّ تمثيل جميع الحالات الأوليّة الممكنة في عمليّة التجميع.

وضع هذه البيانات معًا.

يعني أنَّ كلَّ تاريخ ينبغي أنْ يتكرّر بلا نهاية داخل أي من المجرّات بما فيها تلك التي نسكنها بالطبع.

من بين النصوص التي أُعيدت بلا نهاية هي بعض التاريخ الغريب جدًّا.

على سبيل المثال، كوكب مماثل لأرضنا يمكن أن ينهار فجأة لتشكيل ثقب أسود.

مثل هذا الحدث غير محتمل للغاية ولكن كلّ هذا يعني أنَّه قبل مواجهته يتعيّن على المرء أن يقوم بمسح عدد هائل من المناطق المرئيّة داخل مجرّتنا.

إنّ إحدى النتائج المدهشة لصورة الكون الجديدة هي أنَّه ينبغي تواجد عدد لانهائيّ من المناطق ذات تاريخ مشابه لتاريخنا تمامًا.

هذا صحيح، العديد من أشباهك يقرؤون نسخًا من هذه المقالة، يعيشون على كواكب مثل الأرض بكلِّ جبالها ومدنها وأشجارها وفراشاتها.

وهناك أيضًا مناطق لها تاريخ مختلفٌ بعض الشيء عن تاريخنا بكلِّ تنوعاته.

وقد يُسرُّ بعض القرّاء على سبيل المثال لمعرفة أنَّ هناك عدد كبير لانهائيّ من المناطق المرئيّة يكون فيها آل غور «Al Gore» رئيسًا للولايات المتحدة.

أرضنا وحضارتنا لا تكادا تكونان فريدتان في هذه النظرة المذهلة للعالم.

عوضًا عن ذلك، تفرّقتْ حضارات متماثلة لا تُحْصى عبر التوسُّع اللانهائي للكون واكتمل انحدارنا من مركز الكون وهي عملية بدأها كِبرنِكِس «Copernicus» بعد ردِّ الجنس البشري لتفاهة كونيّة بحتة.

أنتقل الآن إلى اختبارات الرصد المحتملة للتوسّع الأبديّ.

قد تكون فكرة هيكل الكون أمام أعيننا مرمّزة في قيم الثوابت الأساسيّة.

بحسب نظريّة الأوتار فإنَّ الكميّات التي نسمّيها «ثوابت الطبيعة» مثل ثابت جاذبيّة نيوتن أو كتلة الإلكترون، قد تكون في الواقع متغيّرات يمكن أنْ تأخذ طيفًا واسعًا من القيم.

وقد ناقشه ليني سوسكيند على موقع الحافة «Edge by Lenny Susskind».

على الرغم من بعض اللهيب الذي اجتذبته نظريّة الأوتار مؤخرًا، لا تزال نظريّة الأوتار أفضل مرشّح لدينا الآن لنظريّة الطبيعة الأساسيّة.

(وهناك أيضًا نظريّات أخرى في فيزياء الجسيمات تتنبأ بتغيّر «الثّوابت» وسأذكر مثالًا واحدًا أدناه).

التقلّبات الكموميّة في سياق التوسّع اللانهائيّ يضمن تحقّق جميع القيم الممكنة من الثوابت في مكان ما في الكون.

ونتيجة لذلك، فإنَّ المناطق البعيدة من الكون قد تختلف اختلافًا جذريًّا في خصائصها عن منطقتنا المرئيّة.

يتمّ تحديد قيم الثّوابت في منطقتنا مرّة عن طريق الصدفة وأخرى عن طريق مدى ملاءمتها لتطور الحياة.

ويسمى هذا التأثير الأخير الانتقاء البشريّ «Anthropic selection».

إذا كان لـ«ثابت» ما أنْ يختلف من منطقة واحدة من الكون إلى أخرى، فلا يمكن التنبؤ بقيمته بلا ريب، ولكن لا يزال بإمكاننا المحاولة للقيام بالتنبؤ الإحصائيّ.

لنفترض على سبيل المثال أنّني أريد أنْ أتوقّع طول أول رجل سأقابله عندما أخرج للشارع.

وبعد أنْ رجعت للبيانات الإحصائيّة عن ذروة الرجال في الولايات المتحدة، أجد أنَّ توزيع الأطوال يتّبع منحنى جرس يبلغ متوسط قيمته 1.77 مترًا.

أول رجل التقيه ليس من المرجح أن يكون عملاقًا أو قزمًا لذلك أتوقّع أنْ يكون طوله في منتصف المدى من التوزيع.

ولإعطاء التنبؤ كمًّا أكثر معنى يمكنني أنْ أفترض أنَّه لن يكون من بين الـ2.5٪ طوال القامة أو الـ2.5٪ من الرجال القصار القامة في الولايات المتحدة.

فنسبة الـ95٪ المتبقّيّة لديها أطوال بين 1.63 و 1.90 متر. إذا كنت أتوقع أنَّ الرجل الذي ألتقيه سيكون ضمن هذا المجال من الطول ثمّ أجريت التجربة على عدد كبير من المرّات، يمكنني التوقّع أنْ أكون على حق 95٪ من الوقت.

ويُعرَفُ هذا بالتنبؤ على مستوى ثقة 95٪.

من أجل جعل التنبؤ على مستوى ثقة 99٪، سيتوجّبُ عليَّ تجاهل 0.5٪ في كلا طرفي التوزيع.

كلما ازدادَ مستوى الثقة، فإنّ فرصي في أن أكون على خطأ تَصْغُرْ، ولكنّ النطاق المتوقّع من الأطوال يحصل على نطاق أوسع والتنبؤ يصبح أقلّ إثارة للاهتمام.

ويمكن استخدام تقنيّة مماثلة لتنبؤات ثوابت الطبيعة.

افترض أنَّ المكتب الإحصائي للكون جمع ونشر قيمة ثابت ««x وقاسها مراقبون في أجزاء مختلفة من الكون.

يمكننا بعد ذلك تجاهل 2.5٪ في كلا طرفي التوزيع الناتج والتنبؤ بقيمة « «xعلى مستوى ثقة 95٪.

ماذا سيكون معنى هذا التنبؤ؟ إذا اخترنا المراقبين عشوائيًّا في الكون، فإن قيمهم المُلاحظَة من «x» ستكون 95٪ من الوقت ضمن الفترة الزمنيّة المتوقّعة.

لا يمكننا تنفيذ هذه التجربة للأسف لأنَّ جميع المناطق ذات قيم مختلفة من «x» تتجاوز أفقنا.

يمكننا فقط قياس «x» في منطقتنا المحليّة.

ما يمكننا فعله على الرغم من ذلك هو أنْ نفكر في أنفسنا كما تم اختيارها عشوائيًّا.

نحن إحدى الحضارات العديدة المنتشرة في جميع أنحاء الكون.

ليس لدينا أي سبب للاعتقاد بأنَّ قيمة «x» في منطقتنا كبيرة جدًّا أو صغيرة جدًّا أو خاصّة جدًّا بالمقارنة مع القيم التي قاسها مراقبون آخرون.

وبالتالي يمكننا أن نتنبأ على مستوى ثقة 95٪ أنَّ قياسنا سيُسفِر عن قيمة في النطاق المحدّد.

إنَّ افتراض كونها غير مميز أمرٌ مهم في هذا النهج سمّيته «مبدأ العاديّة».

علينا أنْ نستمد التوزيع الإحصائي من النظرية الأساسية بدلًا عن البيانات من المكتب الإحصائيّ للكون جنبًا إلى جنب مع نظريّة التوسّع الأبديّة.

إذا كانت التوقعات الناتجة تتفق مع القياسات، وهذا من شأنه أنْ يوفّر أدلّة على النظريّة.

يمكن استبعاد نظريّة على مستوى الثقة المحدّد إنْ لم تحقق الغاية المنشودة.

ليس لدينا أي فكرة عن كيفية حساب عدد المراقبين بطبيعة الحال بسبب جهلنا عن أصول الحياة والذكاء.

ولكن يمكن التغلب على هذه المشكلة إذا كنّا نركّز على اختلاف الثوابت التي لا تؤثر بشكل مباشر على فيزياء وكيمياء الحياة.

ويمكن بعد ذلك تخفيض عدد المراقبين إلى حساب عدد المجرّات «لأنّ جميع المجرّات في هذه الحالة سيكون لها نفس العدد تقريبًا من المراقبين».

طبّقت هذه الاستراتيجية على الثابت الكونيّ وكانت النتيجة مشجّعة جدًّا.

وكان ستيفن واينبرغ «Steven Weinberg» وأندريه ليند «Andrei Linde» أول من اقترح أنّ ثابت الكون يجب أن يكون غير الصفر إذا كان الاختيار الإنساني في العملية الحسابيّة.

كانت أول محاولاتٍ كميّة تستند إلى مبدأ العاديّة من قبلي ومن قبل جورج «George Efstathiou».

جاء ذلك بمثابة صدمة كاملة لمعظم الفيزيائيين بعد بضع سنوات عندما تمّ الإعلان لأول مرة عن الأدلّة الرصديّة للثابت الكونيّ الغير مساو للصفر.

كان اتفاقًا تقريبيًّا مع التوقعات الإنسانية.

وتعطي أحدث الحسابات باستخدام البيانات المستمدّة من قمر «WMAP»، احتمالًا بنحو 25 في المئة للقيمة الملاحظة.

وهو اتفاق جيّد لنموذج إحصائيّ من هذا النوع.

لم يُقتَرَح أيُّ تفسير معقول آخر للثابت الكونيّ الملحوظ بالرغم من المحاولات العديدة.

غالبًا ما يجادل النقّاد بأنَّه لا يمكن تزوير التنبؤات الإنسانيّة ولكن هذا ليس صحيحًا.

إذا اتضح أنَّ يكون ثابت الكون أصغر من قيمته الفعليّة، فإنَّ النموذج الأساسيّ يستبعد على مستوى ثقة 95٪.

أحد التطبيقات الأخرى لمبدأ العاديّة لا علاقة له بنظريّة الأوتار هو مقدار المادّة المظلمة في الكون.

وكما يوحي اسمها لا يمكن أنْ يُنظر إلى المادة المظلمة مباشرة ولكن وجودها يتجلى في الجاذبيّة التي تمارسها على الأشياء المرئيّة.

تكوين المادّة المظلمة غير معروف.

واحدة من أفضل الفرضيات عن هذه المادة هو أنّها تتكوّن من جزيئات خفيفة جدًّا تسمى المحاور.

يتم تحديد كثافة المادّة المظلمة المحوريّة من خلال تقلبات كمّيّة التوسّع وتختلف من مكان واحد في الكون إلى آخر.

وتؤثر قيمتها على تكوين المجرّات.

وبالتالي فهناك تأثير اختيار الإنسانية.

قام كلٌّ من ماكس تغمارك «Max Tegmark» وأنتوني أغيري «Anthony Aguirre» ومارتن ريس «Martin Rees» وفرانك ويلكزيك «Frank Wilczek» بحساب توزيع الاحتمالات الناتجة في أطروحة جديدة.

ووجد الباحثون اتفاق ممتاز مع النظريّة في القيمة الملحوظة لكثافة المادّة المظلمة قريبة من ذروة منحنى الجرس.

إنَّ إحجام العديد من الفيزيائيين عن تبني تفسيرات إنسانيّة من السهل فهمه.

معيار الدقّة في الفيزياء مرتفع جدًّا وقد يقال غير محدود.

فعلى سبيل المثال تتفق اللحظة المغناطيسيّة المحسوبة نظريًّا للإلكترون مع القيمة المرصودة حتى النقطة العشريّة الحادية عشرة.

والواقع أنّ عدم الاتفاق على هذا المستوى سيكون سببًا للقلق لأنَّ أيّ خلاف حتّى في النقطة العشريّة الحادية عشرة سيشير إلى وجود بعض الفجوات في فهمنا للإلكترون.

لا تُصاغ التنبؤات الإنسانية بهذه الطريقة.

أفضل ما يمكن أنْ نأمل هو حساب منحنى الجرس الإحصائيّ.

ولن تؤدي التحسينات الإضافيّة في حساب هذا المنحنى إلى زيادة هائلة في دقّة التنبؤ.

إذا كانت القيمة الملحوظة تندرج ضمن النطاق المتوقّع، فسيظل هناك شكّ مطوّل في أنَّ هذا يحدث بفعل ضربة حظ محضة.

وإذا لم يحدث ذلك، فسيكون هناك شكّ في أنّ النظريّة قد لا تزال صحيحة، لكن صادف فقط أنْ نكون من القلّة القليلة في المئة من المراقبين في ذيول منحنى الجرس.

ليس من الغريب أنَّ يتخلّى العلماء الفيزيائيون عن نموذجهم القديم لصالح الاختيار الإنسانيّ.

ولكنّ الطبيعة قامت بالاختيار.

علينا فقط معرفة ما هو خيارها.

إذا كانت ثوابت الطبيعة متغيّرة سواء أحببنا ذلك أم لا، فأفضل ما يمكننا القيام به هو جعل التنبؤات الإحصائيّة على أساس مبدأ العاديّة.

تعطي القيمة الملحوظة للثابت الكونيّ مؤشّرًا قويًّا على أنَّ هناك في الواقع كونٌ ضخمٌ أبديّ التوسّع مع ثوابت تتفاوت من منطقة إلى أخرى.

والدليل على هذا الرأيّ بالطبع غير مباشر، كما سيكون دائمًا.

هذه حالة ظرفيّة لن نسمع شهادات شهود العيان أو نرى سلاح الجريمة.

ولكن مع بعض الحظ، سنقوم بعدد قليل من التنبؤات أكثر نجاحًا، وقد لا نزال قادرين على إثبات القضيّة دون شكّ.


  • إعداد: أسامة كنعان
  • تدقيق: بدر الفراك
  • تحرير: جورج موسى
  • المصدر