لقد أشعلت تكنولوجيا كريسبر/كاس9 (CRISPR/Cas9) لتعديل الجينوم مجال البيولوجيا الجزيئية، عندما اكتُشفَت قدرته على تغيير قواعد اللعبة منذ عدة سنوات فقط، ومنذ بدء اندلاع تلك الإثارة والأمل، امتدت هذه التكنولوجيا لتشمل كل ما يمكن تخيله من مساعي في علوم الحياة، ولم تُظهِر إلا القليل من الإشارة على رغبة التأني.

ولكن كشفت بيانات حديثة من فريق علماء يقوده متحريون في المركز الطبي التابع لجامعة كولومبيا-Columbia University Medical Center (CUMC) أن هذه التكنولوجيا المعدلة للجينات يمكن أن تقدم العديد من الطفرات غير المقصودة للجينوم؛ وهي نتائج مثيرة للقلق، باعتبار أن تكنولوجيا كريسبر تبدأ الآن بالمضي بقوة دافعة كبيرة نحو التجارب السريرية، وقد نشرت نتائج الدراسة الحديثة هذه مؤخرًا في دورية “منهجيات الطبيعة” (Nature Methods) في مقالة بعنوان “طفرات غير متوقعة بعد التعديل الجيني لكريسبر/كاس9 في الأحياء”.

«نشعر أنه من الضروري جدًا أن يأخذ المجتمع العلمي المخاطر المحتملة لكل الطفرات غير المستهدفة التي يسببها كريسبر بعين الاعتبار، بما يتضمن الطفرات وحيدة النيكليوتيد، وتلك التي تستهدف المواقع غير المرمزة على الجينوم».

هذا ما شرحه المؤلف المشارك في الدراسة، ستيفن تسانغ (Stephen Tsang) الحاصل على دكتوراه في الطب، وهو بروفيسور في طب العين، وعلم الأمراض، وبيولوجيا الخلية في (CUMC) ومعهد كولومبيا للطب الجينومي، ومعهد التغذية البشرية.

وقد كانت تقنية كريسبر، بفضل سرعتها ودقتها غير المسبوقة التي أُبلِغ عنها سابقًا، نعمةً للعلماء الذين يحاولون فهم دور الجينات في إحداث الأمراض، وقد رفعت هذه التقنية الأمل في معالجات جينية أكثر فعالية يمكنها أن تحذف أو تصلح الجينات المعيبة، إلى جانب إضافة جينات جديدة.

وفي الوقت الذي يسير به كريسبر في الصين على طريق التطبيق السريري الأول، ويُتوقع أن يبدأ تطبيقه في التجارب السريرية في الولايات المتحدة الأمريكية العام القادم؛ تأتي نتائج هذه الدراسة في وقت حرج لهذه التقنية الجزيئية واسعة الانتشار على ما يبدو.

وبالرغم من قدرة كريسبر على استهداف مواقع معينة من الحمض النووي (DNA) بدقة، فإنه يصيب أجزاء أخرى من الجينوم أحيانًا، وتستخدم معظم الدراسات التي تبحث عن هذه الطفرات غير المستهدفة خوارزميات الحاسوب لتحديد المواقع الأكثر عرضة لهذا التأثير، ومن ثم تتفحص هذه المواقع للبحث عن وجود حذف أو إضافة ما.

أشار المؤلف المشارك في الدراسة، أليكساندر باسوك (Alexander Bassuk) الحاصل على دكتوراه في الطب، والبروفيسور في طب الأطفال في جامعة آيوا (University of Iowa): «كان يبدو أن هذه الخوارزميات تبلي بلاءً حسنًا عندما طُبِّق كريسبر على الخلايا أو الأنسجة في طبق المختبر، ولكن التتالي الجينومي الكامل (whole-genome sequencing “WGS”) لم يوظَّف للبحث عن كل التأثيرات غير المستهدفة في الحيوانات الحية».

وقد استخدم الباحثون في هذه الدراسة الحديثة، التتالي الجينومي الكامل (WGS) لمراقبة الجينوم كاملًا للفئران التي تعرضت للتعديل الجيني بواسطة كريسبر في دراسة سابقة، وقد بحث فريق العمل عن كل الطفرات، بما يتضمن تلك التي غيرت نيكلوتيدًا واحدًا فقط؛ وتسمى هذه الحالة بتعددية الأشكال أحادية النيكليوتيد (single-nucleotide polymorphisms) أو (SNPs)، وقد تمكن المتحريون من تحديد نجاح كريسبر في تصحيح جينة تسبب العمى، ولكنهم وجدوا أن جينومَي فأرين مستقلين تلقيا المعالجة الجينية قد تعرضا لأكثر من 1500 طفرة أحادية النيكليوتيد، وأكثر من 100 حذف وإضافة على نطاق أكبر، ولم يكن أي من طفرات الحمض النووي ((DNA تلك متوقَّعًا من قبل خوارزميات الحاسوب التي استخدمها الباحثون بشكل واسع للبحث عن التأثيرات غير المستهدفة.

فأبدى د. تسانغ ملاحظة بأن: «الباحثون الذين لا يستخدمون أسلوب التتالي الجينومي الكامل (WGS) للبحث عن التأثيرات غير المستهدفة، قد تفوتهم طفرات يحتمل أن تكون ذات أهمية».

وأضاف: «فيمكن حتى لتغير وحيد النيكليوتيد أن يسبب وقعًا هائلًا».

أضاف المؤلف المشارك في الدراسة، فينيت ماهاجان (Vinit Mahajan)، الحاصل على دكتوراه في الطب، وهو بروفيسور مساعد في طب العين في جامعة ستانفورد: «ما زلنا متفائلين بكريسبر. نحن أطباء، ونعلم أن كل علاج جديد يحتمل أن يمتلك تأثيرات جانبية، ولكننا يجب أن ننتبه إلى ماهيتها».

وما زالت عدة مجموعات بحثية حول العالم تعمل باستمرار لتحسين مكونات نظام كريسبر؛ أي إنزيمه القاطع للجينات والحمض النووي الريبوزي (RNA) الذي يوجه هذا الإنزيم نحو الجينة الصحيحة، وذلك لزيادة فعالية التعديل الجيني.

واختتم د. تسانغ قائلًا: «نأمل أن تشجع نتائجنا الآخرين على استخدام أسلوب التتالي الجينومي الكامل (WGS) كمنهجية لتحديد كل التأثيرات غير المستهدفة بتقنيات كريسبر، ودراسة نسخ مختلفة للتعديل الجيني الأكثر أمانًا ودقةً».


  • ترجمة: سارة وقاف
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر