ماذا جاء أولًا؟ الأدمغة الأكبر، أم مناطق دماغية أكبر للتحكم بسلوك معين؟
تجادل علماء الأعصاب طويلًا حول هذا السؤال، ولكن دراسة جديدة من جامعة كورنيل من شأنها أن تحل هذا النزاع.

تشير الدراسة إلى أنه على الرغم من اختلاف أدمغة الفقاريات من حيث الحجم، والتركيب، والقدرات، إلّا أن تطور حجم الدماغ الكُلي هو المسؤول عن معظم هذه الاختلافات، إذ أن الأدمغة الأكبر تؤدي لقدرات أكبر.

وجدت دراسة أُجريت على 58 نوع من الطيور المغردة أنه بمجرد تطوُّر دماغ نوع لتصبح أكبر حجمًا، تتطور أيضًا مناطق الدماغ التي تتحكم بالمنقار والفم، بالإضافة إلى منطقة التغريد والتي كوّنت شبكات عصبية أكثر تعقيدًا.

نشرت الدراسة في 10 حزيران / مايو في دورية Proceedings of the Royal Society B والتي ساهم بتأليفها جوردان مورJordan Moore الحاصل على الدكتوراه، وهو حاليًا زميل بحوث ما بعد الدكتوراه في جامعة كولومبيا، بالإضافة إلى تيموثي دي فوغد Timothy DeVoogd أستاذ علم النفس بجامعة كورنيل.

تشير النتائج إلى أن هذا المبدأ قد يساعد في تفسير تطوّر الإنسان أيضًا، حيث أن الإنسان يمكن أن يكون قد طوّر في البداية أدمغة أكبر، وهو ما سمح بالتكيُّف الذي بدوره حفز المناطق الدماغية التي تتحكم بقدرات معينة مثل اللغة.

وقال دي فوغد أن معظم علماء الأعصاب يعتقدون بأنه لا يوجد شيء مميز حول تطور أدمغتنا، وأنه يجب علينا أن نفهم المبادئ التي يعمل بها تطور الدماغ بشكل عام، وهو ما تنطوي عليه هذه الدراسة.

كما صرّح أيضًا بأن الطريقة التي نبني بها أدمغة أكبر لا تتمثل فقط في جعل حجم الدماغ أكبر، بل بالأحرى إبطاء أو تطويل المدة اللازمة للأجزاء الأخيرة من عملية النمو.

وبهذه الطريقة، تملك الأدمغة الأكبر قشرة أكثر تطورًا، والتي تلعب دورًا هامًا في الذاكرة، والانتباه، والفهم، والمعرفة، والتفكير، واللغة وكذلك الوعي.

وهي آخِر منطقة تتطور عند الحيوانات والإنسان.

إن هذه الدراسة هي أول دراسة تقوم بمقارنة وتحليل نظريتين متنافستين حول تطور الدماغ.

حيث أن النظرية الأولى تقول بأن الانتقاء الطبيعي قاد تغييرات تدريجية في مناطق معينة من الدماغ، والذي بدوره أدى لحجم دماغ كُلي أكبر عند الأنواع التي تحتاج أدمغة أكبر للنجاة.

على الجانب الآخر، تؤكد النظرية الثانية أن بعض الكائنات اكتسبت أدمغة أكبر بشكل عام، وأن الأقسام الأكبر والرئيسية في الدماغ تم استخدامها لتطوير سلوكيات معقدة ومحددة.

لاختبار هاتين النظريتين، قام مور ودي فوغد بقياس حجم الأدمغة الكُلي و 30 منطقة مميزة من الدماغ تتحكم بالسلوك عند 58 من الطيور المغنية عبر 20 عائلة.

وقال دي فوغد، إن واحدة من مزايا فحص أدمغة الطيور أنه من السهل نسبيًا الحصول على عينات من مختلف الأنواع، وأن هناك العديد من البيانات حول قدرات كل نوع.

كما أنه من السهل رؤية المناطق المعينة من الدماغ المخصصة للقيام بهذه الوظائف.

وجدت الدراسة أن معظم الاختلافات في مناطق الدماغ كانت بسبب الاختلافات في حجم الأدمغة الكُلي.

ولكن في جهازين محددين كان هناك قدر كبير من الاختلافات الذي لا يمكن لحجم الدماغ أن يفسرها.

وحيث أن المناطق الدماغية التي تتحكم بالغناء كانت أكبر بشكل ملحوظ عند الأنواع التي تنتج غناءً أكثر تنوعًا وتعقيدًا، كذلك مناطق الدماغ التي تتحكم بالوجه والفم كانت أكبر بشكل إستثنائي عند الأنواع التي تملك مناقيرًا قصيرة وعريضة من أجل تناول الحبوب، بينما كانت تلك المناطق أصغر عند الأنواع التي تأكل الحشرات وتملك مناقيرًا طويلة ونحيفة.

أوضح دي فوغد أنه يمكن من خلال مشاهدة تعامل الطيور مع بذور دوار الشمس رؤية كيفية دفعهم البذرة باستخدام لسانهم وبعدها التقاطها من مناطق مختلفة عبر المنقار، وهكذا تصبح قادرة على فتحها وتناول ما بداخلها.

وقال دي فوغد أنه عندما يتعلق الأمر بالإنسان، فإن كيفية وصولنا إلى ما نحن عليه الآن هو أمر مثير للجدل بشكل دائم.

وبما أن تأمين حاجات الأدمغة الكبيرة يتطلب دومًا كميات كبيرة من الطاقة والأوكسجين، لذلك يعتقد بعض الباحثون أن تغير الغذاء عند الإنسان البدائي، مثل القدرة على العثور على أطعمة عالية الجودة وطهيها، ساعد على نمو أدمغة أكبر حجمًا عن طريق تأمين الحاجة من السعرات الحرارية والبروتين.

ويعتقد علماء آخرون أن الحياة الاجتماعية التي كان يعيشها الإنسان البدائي ساهمت في حمايته وخلقت ضغطًا تطوريًا أدى لتطور اللغة.


  • ترجمة: عماد دهان
  • تدقيق: وائل مكرم
  • تحرير: رغدة عاصي
  • المصدر