في الوقت الذي تنشغل فيه العاصمة واشنطن بإنكار تغيّر المناخ، فإنّ مدينة نيويورك والتي ليس لها أيُّ تحريضٍ سياسيّ ضدَ العِلم، تقوم بالتخطيط لآثار هذا التغيّر.

فَفِي الأسبوع الماضي، وضع (مكتب الإصلاح والمرونة-Office of Recovery & Resiliency) التابع لعمدة المدينة، آخر مبادراته: الخطوط العريضة لتصميم أولى المشاريع العملاقة المستدامة مناخيًا في تاريخ المدينة.

تقول (سوزان ديسروتش -Susanne DesRoches) نائبة مدير سياسة البنية التحتيّة في مكتب المراجعة الداخليّة:

«نريدُ دفع المهندسين والمعماريين للتفكير بشكلٍ أكثر شموليّة حول المخاطر المناخيّة، كونها جرسُ إنذارٍ أُطلِق لتوعية أكبر شريحة ممكنة من الناس حول المخاطر المرتبطة بالمناخ في المستقبل»

أُصدِرت هذه الوثيقة كمشروعٍ أوليّ، سيتمُ تنقيحها قبل نشر النسخة النهائيّة في ديسمبر 2017، بحيث تكون مخصصةً لإعداد استرتيجيّات من شأنها التقليل من آثار الحرارة الشديدة، الهطولات المطريّة الشديدة، الفيضانات والعواصف العارِمة والتّي تُعد بعض أبرز المخاطر الجويّة التي تواجهها نيويورك مستقبلًا، وذلك وِفقًا لتوقّعات تغيّرات المناخ الأخيرة.

والجدير بالذكر أنّ مُعظمَ قوانين البناء تستندُ إلى بياناتٍ تاريخيّة.

إنَّ الهدف من المبادئ والإرشادات هو أن تكونَ خارطةً توجيهيّةً للطريق، بحيث تُفصّل كيف سيحتاج النسيج الحضريّ إلى تغيير جذريّ على مرِّ العقود القليلة القادمة وذلك لمواكبة واقع تغير المناخ، فمن المتوقّع بحلول عام 2050 أن يزداد متوسط درجة الحرارة بين (4.1 و6.6) فهرنهايت وتتضاعف عدد موجات الحرارة السنويّة ثلاث مرّات بحيث تصل لخمسة أو سبعة مرّات في السنة، بالاضافة إلى ارتفاع المُعدّل السنوي للهطولات المطريّة بين 4% و13%.

ومن أجل تطويّرها، عملت (ديسروتش-DesRoches) وفريقها عن كثبٍ مع وكالاتٍ من مُدنٍ مختلفة ومسؤولةٌ عن المشاريع العملاقة المستدامة في جميع أنحاء المدينة (الحدائق، النقل، الطاقة، الإتصالات، المياه وأقنية الصرف) وذلك من أجل فَهمِ احتياجات التصميم والبناء.

واطّلع الفريق أيضًا على التطبيقات الموجهة لمكافحة التغير المناخي في مدن عدة؛ كبوسطن وسان فرانسيسكو وميامي لاختيار الطريقة الأنسب لمدينة نيويورك، في حين أنَّ مرونة المناخ هي أولويّة عامة لكثير من المدن الساحليّة، لكن للقليلِ منها ارشادات تصميم محددة مثل نيويورك.

حيث أصدرت كلٌ من مدينتَي نيوجرسي و هوبوكين المبادئ التوجيهيّة لتصميم مرونة المناخ في عام 2015، كما وأصدرت هيئة ميناء نيويورك ونيوجيرسي مبادئ التصميم الخاصّة بها في نفس العام.

ماذا تعني هذه التغييرات للبُنية الماديّة لمدينة نيويورك؟

تعني احتماليّةَ إضافة المزيد من أنظمة التظليل والتبريد في المباني، ومواد جديدة مع مناظرَ طبيعيّة تحثُ على ترشيح مياه العواصف؛ مثل الأرصفة ذات النافذيّة العالية أو ممرات الترشيح البيولوجيّة بالإضافة للتشطيبات والمواد التي تقلل تأثيرات الجُزر الحراريّة الحضرية؛ كالأسقف الباردة (السطوح العاكسة للموجات المرئية والأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية من الشمس) والأسقف الخضراء (سقف صديقة البيئة مغطّى جزئيًا أو كليًا بالنباتات) والتبريد السلبي ( تكييف المباني من خلال التحكم بالتبادل الحراري بتحسين الارتياح الحراري وبإستهلاك قليل أو معدوم للطاقة) وأنظمة جديدة للحماية من الفيضانات.

تهدف هذه المبادئ التوجيهيّة لأن تكونُ أداة لمساعدة الوكالات ومهندسيها على معالجة تغير المناخ باستمرار، وذلك باستخدام البيانات والتوقّعات الأنسب التي تنطبق على المشروع وذلك عوض الإفراط في التوجيه.

كيف يمكنك مزج المناخ في عمر المبنى؟

تقول ديسروتش: « أنتَ لا تُريد أن تضع وتدًا مربّعًا داخل حفرةٍ مستديرة ».

تُشكّل المبادئ التوجيهيّة للتصميم رمزًا لنهج تخطيط مرونة المناخ المُعادي.

وإنَّ التدخلات المخصصة ليست بمبتكرة أو جديدة، ولكن حقيقة أنَّ نيويورك مهتمّة بتطبيقها في مشاريع أبنيتها، هو شيءٌ جديد وغيرُ مألوف.

لا يؤثّر التغير المناخي على المباني المُفردة، وتطبيق مشروعٍ تلو الاخر لن يكون له تأثير كبير مثل مبادرة على مستوى المدينة.

فإذا قُرِر تثبيت سقفٍ أخضر في أحد المباني فإنَّ التأثير سيكون هامشيًا.

ولكن إذا كان هنالك 100 مبنى، فإنَّ المقياس يولّد المزيد من العائدات ذات تأثير ملحوظ.


  • ترجمة: رامي الحرك
  • تدقيق: خليل حسن
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر