إن معظم المساعي البشرية التي تقوم على نطاقٍ واسعٍ لدعم المجتمع، من المدارس الثانوية إلى مزارع منتجات الألبان.

من الأحزاب السياسية إلى مسابقات التزلج للمحترفين، كلها تعتمد على تنوع المجتمعات الذي يمثله أعضاء مختلفون يقومون بأداء أدوار مختلفة.

العلم ليس استثناءً في ذلك.

يتكون المجتمع العلمي من باحثين وطلاب وفنيي مختبرات، ومن يعملون في المجلات العلمية، والعاملين في وكالات التمويل.

باختصار، يشمل ذلك أي شخصٍ يقدم العون للعلم ليحكم بنفسه ويمضي قدمًا.

في “كيف يعمل العلم”، قمنا بإيجاز بعض المهام ذات التفاصيل الجوهرية واليومية التي يقوم بها المجتمع العلمي.

نوضحها هنا ونقوم بمناقشةٍ أوسع للمهام الخدمية المقدمة من قبل المجتمع.

الإلهام:

تشجع التفاعلات على مستوى المجتمع المحلي على تشجيع الابتكار وايقاد شرارة الأفكار لرسم خطوط أدلةٍ جديدةٍ وتطبيقاتٍ جديدة وطرح أسئلة جديدة، وتفسيراتٍ بديلة.

على سبيل المثال، قدم “جيمس واطسون” و”فرانسيس كريك” فكرةً جديدةً ورائعةً لبنية الحمض النووي، ولكنها لم تأت من فراغ.

لقد أٌثيرت هذه الفكرة من خلال دليلٍ اكتُشف وقُدِّم للمجتمع العلمي قبل نموذج (واتسون وكريج) من قبل علماء آخرين، مثل لينوس بولينغ (Linus Pauling)، اروين شارجاف (Erwin Chargaff)، موريس ويلكنز (Maurice Wilkins)، وعلى وجه الخصوص روزاليندا فرانكلين (Rosalind Franklin).

التحفيز:

بعض الناس يحركهم التشويق الذي تحدثه المنافسة، السباحون يسبحون بسرعةٍ أكبر، حملات السياسيين تصبح أكثر صعوبة، الطلاب يدرسون أكثر لامتحانات قبول الجامعات عندما يعرفون أنهم يتنافسون ضد الآخرين.

العلماء ليسوا استثناء.

بعض العلماء تحثهم روح التنافس التي يقدمها المجتمع، على سبيل المثال، (الفرق المتنافسة تتسابق لفتح تسلسل الجينوم البشري).

وبالمثل، فإن المجتمع يقدم للعلماء أفقًا للاعتراف من قبل أقرانهم.

في العلم، عادةً ما يقاس الإنجاز بالاحترام والتقدير من الزملاء، لا بالمال والألقاب.

إن فكرة الكشف عن خطٍّ جديدٍ من الأدلة المتعلقة بنظرية الانفجار العظيم محفزة في حد ذاتها، ولكن العديد من العلماء يقدرون أيضا الاحترام من قبل علماء آخرين والذي يساهم في انتشار هذا الاكتشاف.

في العلم، تشجع كلٌّ من المنافسة والاعتراف من المجتمع على المخاطرة، واختبار الافكار الجديدة، والتفكير الإبداعي، ويسهل العمل الشاق.

السباق نحو الجينوم البشري:

في عام 1980، وجه العلماء أنظارهم على ما يبدو أنه هدفٌ بدا تحقيقه شامخًا وجليلًا، ولكنه هدف يمكن تحقيقه وذلك لتسجيل تسلسل الحمض النووي لما يقارب من ثلاثة مليارات زوج قاعدي والتي تشكل الجينوم البشري.

في عام 1990، بدأ مشروع الجينوم البشري الممول من القطاع العام (HGP) عمله بشكلٍ جدي، وذلك باستخدام تقنية تسلسل مجربة وحقيقية تبدأ من خريطة المعالم الوراثية الموجودة على كل كروموسوم.

ومع ذلك، في عام 1998، هذا الجهد تم معارضته من قبل شركة خاصة، سيليرا.

(Celera)، اقترحت سيليرا تقنيةً جديدة لفك الجينوم لا تتطلب خريطة معالم أولية في الجينوم وتسمى تقنية بندقية الصيد (shotgun technique) والتي تستكمل عملها في غضون ثلاث سنوات فقط، في مدة اجمالية أقل بأربع سنوات من المدة التي سيكمل فيها مشروع (HGP)، أوحت هذه المنافسة لفريق لمشروع (HGP) لحثِّ الخطى في العمل والانتهاء من هدفهم بتاريخٍ قريب من منافستهم سيليرا.

في النهاية، دفع هذا التنافس الجهود إلى الأمام على حدٍّ سواء.

ونشر الفريقين مسودات عملهم حول الجينوم قبل الموعد المحدد في فبراير من عام 2001، وعندما فعلوا ذلك، كانت ورقة الفريق الخاص مؤلفة من أكثر من 100 مؤلف وفريق (HGP) يضم أكثر من 1000 مؤلف.

نحن نتحدث عن العمل الجماعي!

تقسيم العمل:

العلم هو ببساطة واسعٌ للغاية على أن يقوم به شخصٌ واحدٌ بمفرده، وحتى بحثٌ في مجالٍ ضيق واحد (على سبيل المثال، علم الأحياء الخلوي) يمكن أن يغطي مجموعة هائلة من المواضيع المتخصصة، من التفاصيل الكيميائية لفك رموز الحمض النووي إلى الاتصالات الخلوية.

تنقسم تلك المعرفة المتخصصة بين مختلف الباحثين الذين قد يتشاركون الخبرات من خلال العمل معًا.

يزداد التعاون وتقسيم العمل أهميةً اليوم، مع توسع فهمنا العلمي والتقني وتوسع التكنولوجيات.

هناك ببساطة أكثر ما يجب معرفته اليوم عن الأمس، وكلما تعلمنا المزيد عن العالم، كلما تم إجراء المزيد من البحوث في التقاطعات المشتركة بين مختلف المجالات: مثل التفاعلات الكيميائية داخل العضيات الخلوية، والرياضيات في طيات البروتين، والتفاعل بين تاريخ الأرض الجيولوجي والتطور البيولوجي، أو فيزياء الحركة للحلزون.

من الأفضل القيام بمثل هذه الدراسات متعددة التخصصات من قبل فريقٍ من الخبراء في مختلف المجالات، على أن تتم من قبل شخص واحد يكافح لمعرفة كل جديد من أجل انجاز مواضيع عدة.

قاعدة المعرفة التراكمية:

يبني العلم نفسه بنفسه.

لن يكون لدينا النسبية العامة إذا لم يكن لدينا علم الميكانيكا الكلاسيكية، ولن يكون لدينا الميكانيكا الكلاسيكية إذا لم يكن لدينا دراسات جاليليو في الحركة والأفكار الثورية في علم الفلك.

ويمكن إعطاء لمحة تاريخية عميقة مماثلة تمتد لمئات السنين عن أي فكرةٍ علمية.

يوفر المجتمع العلمي قاعدة المعرفة التراكمية التي يقوم عليها العلم.

التدقيق:

تنطوي المشاركة في المجتمع العلمي على التدقيق في عمل الآخرين والسماح للعمل الخاص بك ليتم تقييمه بشكلٍ مماثل من قبل زملائك.

هذا النظام من الضوابط والتوازنات يتحقق من جودة البحث العلمي ويؤكد أن الأدلة تم تقييمها بشكل عادل وغير منحاز

الجانب الاجتماعي في العلم:

التدقيق العلمي:

يوفر المجتمع العلمي نظامًا للضوابط والتوازنات الذي يضمن جودة العمل العلمي، وتأكيد الحجج، ويقوم بالتأكد من أن الأفكار قد تم تقييمها بشكلٍ عادل.

هذا التدقيق يمكن أن يقدم وظائف قليلة مختلفة -من تدقيق الحقائق إلى فضح المخالفات.

يقيٍم المجتمع العلمي الأدلة والأفكار.

يشرح العلماء أعمالهم في المؤتمرات، وفي مقالات المجلات الدورية، والكتب.

ويقومون بنشر أفكارهم، وطرق الدراسة المقدمة، ونتائج الاختبار بهذه الطرق، ويقوم العلماء بالسماح لأعضاء آخرين من المجتمع العلمي بالتحقق من عملهم، سواء من خلال مراجعة ما تم إنجازه أو محاولة اعادة تكرار كلًّا أو جزءً منه، وهذا يساعد على ضمان تلبية الأدلة للمعايير العالية، وأن جميع خطوط الأدلة قد تم التحقق منها، وأن الأحكام لا تستند على منطقٍ خاطئ، وبالتالي، يتجه العلم نحو اتجاه يحمل تفسيراتٍ دقيقة أكثر وأكثر.

على سبيل المثال، في عام 1989، ادعى اثنان من العلماء انهما أنتجا اندماجًا نوويا في درجات حرارة أقل مما كان يعتقد.

ألقى المجتمع العلمي نظرةً فاحصة على الطرق التي اتبعاها ونتائجها.

فعثروا على عدة طرقٍ لتحسين التجارب والعديد من الاختبارات الذي فشل الباحثان الأصليان في القيام بها.

وفي الوقت نفسه، حاول علماء آخرون تكرار النتائج التجريبية فاكتشفوا أنه لا يمكن تكرارها.

في نهاية المطاف وجد المجتمع العلمي أن الأدلة لم تكن مقنعةً بما يكفي لتبرير قبول ما أعلنه الباحثان.

المجتمع العلمي يوازن في التحيز:

العلماء هم بشرٌ ايضًا.

يأتون من خلفيات مختلفة، لديهم معتقدات شخصية مختلفة، ويفضلون فرضيات ونظريات مختلفة -وكل ذلك يمكن أن يؤدي إلى تحيزٍ غير مقصود -حتى مع سعيهم ليكونوا موضوعيين.

لحسن الحظ، أن المجتمع العلمي متنوع، وكل عالم ينظر إلى نتيجةٍ ما من خلال نظارات وردية (إيجابية)، هناك آخر من أقرانه ينظر إليها من خلال نظارات زرقاء (سلبية).

يحقق تنوع المجتمع العلمي توازن التحيز الفردي ويمَكنه من تقييم الأفكار العلمية بشكلٍ عادل.

الضوابط والتوازنات:

قبل عام 1970 سيطر الرجال على مجال علم الحيوانات الرئيسية.

قام العلماء الذكور بملاحظة وتسجيل سلوك الرئيسيات في البرية، وطوروا تفسيراتٍ لفهم هذه السلوكيات، وقاموا بقراءة وتقييم أعمال بعضهم البعض.

في ذلك الحين، أشارت الملاحظات أن الحياة الاجتماعية للرئيسيات تتميز بسيطرة الذكور إلى حدٍّ كبير، بينما تلعب الإناث دورًا أكثر سلبية.

ولكن هذا المفهوم تغير عندما بدأت العالمات بالعمل في هذا المجال في عام 1970.

وبسبب خبراتهن الخاصة بجنسهن، دفعت هؤلاء النساء للمزيد من الاهتمام الدقيق بسلوك القرود الإناث، وكشفت أن الرئيسات الإناث لديهن حياة جنسية أكثر تفصيلا ويمكنهن التلاعب بسلوك الذكور من نواحٍ كثيرة.

لهذا ومن خلال هذه الحالة، يحقق جمعٌ متنوعٌ من العلماء التوازن في التحيز بين بعضهم البعض، مما يؤدي إلى فهمٍ أكثر اكتمالًا ودقةً لمجتمعات الرئيسيات.

درست العالمة جين ألتمان، لأكثر من 35 عاما السلوك والتفاعلات الاجتماعية للقرود، البابون في المقام الأول

يساعد المجتمع العلمي على تحديد الغش والقضاء عليه.

وعلى الرغم من أن الغش أمرٌ نادر الحدوث في العلم، لكنه يحدث في بعض الأحيان.

ويتم تحديد هذه الحالات العرضية من الاحتيال من خلال التدقيق في المجتمع العلمي.

على سبيل المثال، تم اكتشاف حالة أخيرة قام بها الباحث الطبي جون سودبو (Jon Sudbo) بتزوير بيانات عن 900 مريض نرويجي بواسطة عالم اخر مطَلع على مجموعة المرضى في الدراسة.

ولأنها بنيت على عمل الآخرين، يأخذ العلماء الاحتيال على محمل الجد.

فلا أحد يرغب في بناء العمل الخاص به على أسس هشة مقدمة من أفكار مزورة.

لمعرفة المزيد، انتقل قدمًا إلى المجتمع العلمي وسوء السلوك.

يعتمد العلم على المجتمع في نواح عديدة: من ناحية خاصة (على سبيل المثال، اصطياد الخطأ في مقال ما) ومن ناحية عامة (تقسيم كمية هائلة من العمل حتى يحافظ العلم على مسيرته في المضي قدمًا.

أن تكون جزءً من ذلك المجتمع، يعني أن تستوفي بعض الشروط.

الجانب الاجتماعي في العلم:

الثقافة العلمية: التوقعات العظيمة:

في حين أننا عادة ما نعتقد أن الثقافة محددةٌ بالجغرافيا أو العرق (على سبيل المثال، الثقافة الأمريكية والثقافة الصينية)، هذا المصطلح ينطبق أيضًا على الممارسات والسلوكيات والتوقعات المحتملة من مجموعات صغيرة من الناس -سواء كانوا مجموعة من المتزلجين الشباب أو موظفي مؤسسة استشارية ذات تأثيرٍ عالي.

وعلى الرغم من انهم يمثلون جزءً لا يتجزأ من الثقافة الأوسع المحيطة بهم، فان مثل هذه الثقافات الفرعية تمتلك مجموعاتٍ خاصة من القواعد غير المكتوبة تتفاعل مع بعضها البعض، والعلماء هنا ليسوا استثناءً من تلك القاعدة.

في العلم، هذه القواعد المتمثلة في السلوك الجيد تكون عامة إلى حد ما، ولكنها ضرورية للحفاظ على نوعية الأدلة والأفكار العلمية.

ما يتوقعه المجتمع العلمي هو” التدقيق الصارم:

تخيل أنك تدخل الى غرفةٍ فيها شخص يتحدث لحشد من الناس.

ويتساءل المستمعون له باهتمام: “هل أخذت بعين الاعتبار؟ … ولكن ماذا عن…؟ لماذا تعتقد أن …؟

في العديد من المجتمعات، مثل هذا التدقيق الشديد قد يشير إلى عدم الثقة في المتحدث، ولكن في العلم، هذا التدقيق هو أمرٌ اعتيادي.

في الواقع، غالبا ما يعني ذلك أن المتحدث أشار الى نقطة مهمة اهتم فيها الجميع ويقومون بالسؤال عنها ومواصلة التحقيق فيها.

في العلم، كل الأفكار (وخاصة الهامة منها!) يجب أن تصمد أمام الفحص الدقيق.

ثقافة العلم لا تضع قيمةً للعقائد المطلقة.

التدقيق، والتشكيك، وفحص الأفكار الهامة يساعد على ضمان أنها مدعومة بالأدلة وقائمة على أساس المنطق السليم.

تلك الافكار فقط التي يتم قبولها من قبل المجتمع.

هل هي حقًّا كلها أمور نسبية؟

قدمت كتابات ألبرت آينشتاين في النسبية الخاصة والعامة صورةً جديدة للكون: الزمن يمكن أن يتوسع وينكمش، تم دمج المكان مع الزمن في كيانٍ جديد من الزمكان، وهذا الامر يمكن إعادة صياغته من الناحية النظرية في شكلٍ من أشكال الطاقة.

عندما تم تقديم نظرية النسبية العامة في عام 1916، كانت مفاهيمها غريبةً للكثيرين ومربكةً للآخرين، ولكنها أثارت الفضول بالتأكيد -لا سيما عندما ساعدت في تفسير ظواهر شاذة غامضة في السابق، مثل الانحرافات في مدار كوكب عطارد.

مباشرة بعد ذلك وصولًا إلى اليوم، يواصل العلماء تحليل واختبار أفكار آينشتاين، ليس لأنهم يعتقدون أن نظرية النسبية العامة يجب أن تكون خاطئة، ولكن لأن كثيرًا من جوانبها تبدو صحيحة.

الصدق والنزاهة والموضوعية:

هدف العلم هو الكشف عن الألية الحقيقية للعالم الطبيعي، وهذا يتطلب الصدق.

لا يمكنك الوصول إلى الحقيقة عن طريق المبالغة بالنتائج والمراوغة في الأرقام، وانتقاء البيانات، أو تفسير الأدلة بطريقةٍ متحيزة، وبالتالي، يتوقع العلماء من بعضهم البعض العمل بصدق ونزاهة، وأخذ أي انتهاك لذلك على محمل الجد تمامًا.

السياسة الأفضل:

في العلم، الأمانة هي حقًّا أفضل نهجٍ -حتى في حالة نشر خطأ.

جيفري تشانغ (Geoffrey Chang)، وهو أستاذ في معهد سكريبس للأبحاث (Scripps Research Institute)، والذي بنى حياةً مهنيةٍ ناجحةٍ من عمله في توضيح البروتينات المستخدمة في بناء أغشية الخلايا.

نُشرت أعماله في أهم المجلات وتم الاستشهاد بها عدة مرات من قبل علماء آخرين.

ثم، وفي عام 2006، وجد خطأً.

ومدفوعا بنتائج متضاربة مع نتائج باحثين آخرين، اكتشف تشانج بأنه -وعلى مدى السنوات الخمس الماضية-تم تحليل بياناته في برنامج كمبيوتر معيب، والذي أدى إلى نتائج غير صحيحة.

ماذا فعل تشانج حينها؟

فعل بالضبط ما كان مجتمع العلم يتوقعه منه: نشر رسائل يتراجع فيها عن نتائج ابحاثه السابقة وقدَّم اعتذارًا، وبعد ذلك بدأ بإعادة تحليل بياناته من أجل تصحيح نتائجه.

الاعتراف بالفضل حق.

وفي العلم، الاعتراف بالفضل مهم، نادرًا ما تقر أية مقالةٍ في مجلةٍ أو صحيفة بمصادر حججها، والكتب التي قرأها المؤلف، أو المقابلات التي تم إجراؤها.

العلم، من ناحية أخرى، دقيقٌ جدًّا في منح الاعتراف بالفضل وحيث يجب أن يكون.

توفر المقالات والبحوث العلمية دائمًا قائمةً من الاستشهادات، وتعترف بحق العلماء الآخرين في إعطاء الأفكار والتقنيات، والدراسات التي بنيت عليها الأبحاث الحالية.

هذا النظام المرجعي يمنح الاعتراف بالفضل لأولئك الذين يستحقونه، ولكنه أيضًا يخلق نوعًا من الدليل المكتوب والذي يساعد العلماء الآخرين في عمل تقييمٍ أفضل للدراسة الجديدة وليروا مدى تناسبها مع الأبحاث السابقة.

ومن خلال توفير قائمة من المراجع، يدعو المؤلف العلماء الاخرين ليروا بأنفسهم أن الأدلة تدعم الأفكار التي استشهد بها المؤلف، وأن هناك ما يبرر الافتراضات المطروحة، وإذا ما كانت التقنيات المشروحة من قبل الآخرين قد تم تنفيذها بشكلٍ صحيح.

إعداد الاستشهادات:

يمكن أن يساعد عدد الاستشهادات التي تتلقاها ورقةٌ بحثية في الإشارة إلى مدى تأثيرها، وبما ان البحث الهام يمكن أن يؤثر على تفكير العلماء الآخرين حول موضوع البحث كما أنه سيتم ذكره عدة مراتٍ في الأوراق البحثية الأخرى.

على سبيل المثال، تم الاستشهاد لأكثر من 1700 مرة بورقةٍ بحثية تعود للعام 1974 والتي افترضت أن مركبات الكلوروفلوركاربون سوف تستنفد طبقة الأوزون! بالمقارنة مع العديد من الأبحاث الأخرى نُشرت في العام نفسه (على سبيل المثال، ورقة بحثية عن القيمة الغذائية للبروتين المستخرج من جوز الهند، والتي تلقت خمسة استشهادات)، وهذه هي إحصائية مثيرة للإعجاب جدًّا، لمعرفة المزيد، راجع القصة وراء ورقة الأوزون.

التقيد بالمبادئ التوجيهية الأخلاقية:

العلم مرنٌ ومنفتح على الأفكار الجديدة، ولكن الأمر ليس فوضويًّا ومجانا للجميع.

تُطبَّق العديد من القوانين في العلم، وفي العديد من الحالات، شيد العلماء مبادئ توجيهية خاصة بهم أكثر صرامة للتأكيد على الجودة العالية للعمل العلمي، وأنه تم اجراءه بطرق أخلاقية، ويخدم المجتمع.

على سبيل المثال، تحافظ المجلات العلمية على وضع مجموعة من السياسات التي تغطي كل شيء، من الحصص المالية للعلماء في الدراسات الخاصة بهم، إلى تهديدات الأمن البيولوجي التي قد تنجم عن نشر مقال، إلى رعاية واستخدام حيوانات التجارب، إلى كيفية التعامل مع المشاركين في التجارب العملية البشرية.

عدم الالتزام بهذه السياسات يجعل من الصعب (أو الاستحالة) للبحث أن يتم نشره.

تحافظ وكالات التمويل على مجموعةٍ مماثلة من المبادئ التوجيهية التي ينبغي اتباعها ليحصل العالم على تمويلٍ للبحث من قبل تلك الوكالة.

وبالطبع، ينطبق الأمر على الجمعيات العلمية ايضًا.

على سبيل المثال، الأكاديميات الوطنية (مجموعة من المنظمات العلمية الرائدة في الولايات المتحدة) تجمع أكثر من 40 عالمًا رسموا مجموعةً من المبادئ التوجيهية التي توازن المخاوف الأخلاقية حول بحوث الخلايا الجذعية الجنينية مع المكافآت المحتملة.

ومن المتوقع أن يلتزم أعضاء المجتمع العلمي بهذه المبادئ التوجيهية.

تتبع الاختبار:

تكتشف باحثةٌ في السرطان مركبًا كيميائيًا يُعتقد أنه قد يساعد في علاج سرطان الدم.

ما الذي ينبغي أن تكون الخطوات المقبلة لها؟ قد تتصور أن تجنيد مرضى سرطان الدم لبدء الاختبار سيكون التالي -ولكن في الواقع، القفز في التجارب على الانسان في هذه المرحلة من شأنه أن ينتهك العديد الأنظمة الاتحادية والقوانين الدولية.

من أجل حماية المشاركين، وضع العلماء مجموعةً صارمةً من المبادئ التوجيهية التي تحدد متى يمكن للبشر المشاركة في التجارب وكيف يجب معاملتهم.

هذه المبادئ التوجيهية، والمعروفة باسم بروتوكولات العنصر البشري أو سياسات حماية العنصر البشري، تغطي كل شيء، من مدى الاختبار الذي يجب أن يخضع له الدواء قبل أن يصل إلى المرضى من البشر، إلى المعلومات التي يحصل عليها المشاركون قبل الدخول في الاختبار، إلى أي نوع من الأوراق يجب أن يوقع عليها المشاركون في الدراسة.

تنطبق هذه اللوائح على كل أنواع البحوث العلمية التي تنطوي على مشاركين من البشر -سواء كان ذلك اختبارًا لدواء جديد، أو رصد تأثير التمرينات على مستويات الكوليسترول في الدم، أو مجرد دراسة العوامل التي تؤثر على قدرة القراءة لتلاميذ الصف الرابع الابتدائي.

لقد صممت هذه المبادئ التوجيهية (التي تختلف قليلًا من بلد إلى آخر) للتأكد من أن الفائدة العلمية في نتائج الاختبار لن تفوق أبدًا المخاطر التي تهدد عافية وصحة البشر المشاركين.

لهذا وقبل أن يتم اختبار دواء سرطان الدم المحتمل على المرضى من البشر، فإنه يجب أولًا اختباره في كلٍّ من مزارع بتري البكتيرية والحيوانات (والتي تنضم إلى مجموعةٍ أخرى من المبادئ التوجيهية الأخلاقية في حالة البحوث الحيوانية) لإظهار أن الدواء آمن وواعد لدرجة تفوق الأدوية الأخرى المتاحة حاليا.