التحيز لخدمة المصالح الشخصية


التحيّز لخدمة المصالح الشخصية : إلى أيّ مدى قد نسيء فهم المواقف والحالات المختلفة التي تصادفنا في حياتنا؟ وكيف يؤثّر تحيّزنا لمصالحنا الشّخصيّة على تفسيرنا للحوادث المختلفة التي نمرّ بها؟إذا كان علم النّفس الحديث قد حقّق أيّ شيءٍ في العقود القليلة الماضية، فلقد كشف عن الآليّات النّفسيّة المذهلة التي يوظّفها غالبيّة البشر للحفاظ على تقديرهم لذواتهم وإيمانهم العميق بقدراتهم، حتّى لو كان الثّمن في بعض الأحيان خداعنا لأنفسنا وإساءة فهمنا للمواقف المختلفة التي نصادف. أحد أهمّ هذه الآليّات التي كشفت عنها دراسات مختلفة هي التحيّز لخدمة المصالح الشّخصيّة (Self-serving Bias).

إذا كنت قد سمعت ردّة فعل زملائك وزميلاتك في الدّراسة بما يتعلّق بعلاماتهم في إمتحانٍ هام، فلقد رأيت التحيّز لخدمة المصالح الشّخصيّة في الواقع. عندما يبلي الطّالب بلاءً حسنًا في إمتحان ما، عادة ما نرى أنّه يهنّئ نفسه، ويعزو نجاحه لعوامل داخليّة – مثل الجدّ والإجتهاد، الذّكاء، وغيرها من العوامل الشّخصيّة. ولكن على الجهة الأخرى، عندما يسقط الطّالب في الإمتحان ويكون تحصيله متدنّيًّا، عادة ما نرى أنّه يلوم ويعزو فشله على عوامل خارجيّة – مثل “الأسئلة كانت معقّدة”، أو “الطّالب الذي جلس بجانبي لم يتوقّف عن العطاس طوال فترة الإمتحان”، وغيرها من العوامل الخارجة عن سلطته.

ولكنّ الأمر لا يتوقّف على تحصيلنا في الإمتحانات. إذا نظرنا إلى سلوك البشر وتفسيرهم للمواقف المختلفة التي يصادفونها في سياقٍ أوسع، فسنرى أنّ البشر عادة ما ينسبون نجاحهم لظروفٍ أو عوامل ذاتيّة، بينما يلومون ويعزون فشلهم على ظروفٍ خارجيّة. فسّر علماء النّفس التحيّز لخدمة مصالحنا الذّاتيّة على أنّه أداة نتجت عن رغبتنا ومحاولتنا لحفظ ماء الوجه ولحماية تقديرنا لأنفسنا في حالة الفشل.

وهذا التوجّه بالفعل متعلّق بعض الشّيء بصحّتنا النّفسيّة. لقد أظهرت بعض الدّراسات، مثلاً، أنّ الأشخاص الذين يعانون من الإكتئاب عادة ما يظهرون تحيّزًا أقلّ لخدمة مصالحهم الشّخصيّة من التحيّز الذي نراه عند الشّخص المتوسّط. ليس هذا فقط، بل وجدت دراساتٌ أخرى علاقة بين مشاعرنا عامّة وبين تحيّزنا لأنفسنا. الأشخاص الذين يشعرون بالذّنب، العيب، والتقزّز، مثلاً، عادة ما يظهرون تحيّزًا أقلّ لمصالحهم الشّخصيّة ما داموا تحت تأثير هذه المشاعر.

لا بدّ لنا أن نذكر أنّ التحيّز للمصالح الشّخصيّة مرتبط بعوامل شخصيّة وإجتماعيّة كثيرة – ولا ينطبق على جميع الأشخاص وفي جميع الثّقافات. لقد وجدت الدّراسات اختلافًا في التّعبير عن التحيّز لدى الذّكور والإناث، كما أنّ التحيّز مرتبط في كثيرٍ من الأحيان بالعمر، الثّقافة، المكانة الإجتماعيّة، وغيرها من العوامل. ولكن مع ذلك، من المثير أن نرى كيف يتأثّر حكمنا على المواقف المختلفة التي نصادف في حياتنا بعوامل قد لا ننتبه لها على الإطلاق.


المصادر (لمزيد من القراءة والمعلومات):

Hockenbury, Don H., and Sandra E. Hockenbury. Psychology. New York: Worth, 2008