• للبلّورات قوة خاصة بها

يُعد البلّور من ضمن أكثر البنيات روعةً في الطبيعة – ليس فقط لأنها تمتلك بنية متميزة، مُنظمة بشكل كبير، و ذات تكرارية شبكية، بل تمتلك أيضاً كل أنواع الخصائص المتأصلة و المدهشة، من ضمنها خاصية التجمع الذاتي.

عندما يُوضع البلّور بجانب بعضه، تلتف البلّورات الصغيرة، و تتراصف، و تُسحق مع بعضها البعض لتُشكل بلّورات أكبر، و للمرة الأولى، وضع العلماء تصوراً للقوة التي تجعل هذا ممكناً و تمكّنوا من قياسها.

وضّح العلماء، باستخدام تقنية تصوّرية جديدة، أن القوة التي تجمع البلّورات هي نوع من (قوة فان دير فال – van der Waals force)، و هي عبارة عن تجاذب كمومي غير معتمد على أي روابط كيميائية (مثل الروابط التساهمية التي تُمسك الجزيئات ببعضها).

هي نفس القوة التي تسمح لأقدام السحلية (أبو بريص – Gecko) أن تلتصق بالحائط و الأسقف – و قد أظهر العلماء الآن أن الأمر يصلح أيضاً في لوي و دمج البلّورات مع بعضها سامحةً لها أن تصبح أكبر و أكبر.

بالرغم من أن بنيات بلّورية كثيرة لها هيئة المكعبات، إلا أنها عادةً ما تمتلك جوانب عديدة مختلفة في الشكل، حيث يتشابه بعضها كثيراً، و البعض الآخر لا يفعل.

تندمج البلّورات مع بعضها بسلاسة عندما تتشابه الجوانب.

و كان هناك شك منذ فترة أن البلّورات يمكنها أن تتراصف ذاتياً – لكن لم يكن أحد قادر على تصور أو قياس كيفية حدوث ذلك، إلى الآن.

تُعد معرفة كيفية عمل ذلك أمراً مهماً، لأن قوة الجذب هذه، هي المفتاح إلى التجمع البلّوري الذاتي في الطبيعة لتكوين كل شيء بدايةً من الصخور، الأصداف البحرية، وصولاً إلى عِظامنا.

لكنه أيضاً أمراً مهماً للعلماء الذين يريدون استخدام البلّورات لصنع مواد جديدة.

يقول كيفن روسو الباحث الرئيسي، من قسم الطاقة (بالمختبر الشمال الغربي الوطني بالولايات المتحدة – Energy’s Pacific Northwest National Laboratory): »انه لشيء مثير أن تُدرك أنه بإمكانك بناء نموذج لمجسم ثلاثي الأبعاد من خلال أنواع قياسات مثل هذه، عن طريق أجزاء متصلة ببعضها البعض بطرق معينة مثل (قطع الليغو – Lego Bricks).

و تتواجد البلّورات في كل مكان في الطبيعة تقريباً، سيساعدنا هذا العمل على الاستفادة من تلك القوى عندما نقوم بتصميم مواد جديدة.«

لدراسة القوة التي تعمل على محاذاة البلّورات، جمع العلماء بين (مجهر إلكتروني للانتقال المحيطي – (ETEM) environmental transmission electron microscope) و تقنية تُسمى (فحوصات قوة البلّورات النانوية – Nanocrystal force probes)، مما مكّنهم من معالجة و مشاهدة البلّورات تتفاعل على الحقيقة.

باستخدام هذا الضبط، أخذ العلماء بلّورتين صغيرتين من أُكسيد التيتانيوم أرق 10.000 مرة من شعرة رأس انسان، قاموا بوضعهما معاً و لفّهما بزوايا مختلفة، ثم شاهدوا تحت المجهر كيفية اندماجهما.

قارن الفريق ما شاهدوه بأخذ مغناطيسيين و تحريكهما ناحية بعضهما البعض، لكن على مقياس صغير جداً جداً.

عندما يكون المغناطيسيين قريبين كفاية من بعضهما لدرجة تتغلب فيها قوة التجاذب على الجهد المبذول الذي يبقيهما بعيدان عن بعضهما، سوف يقفزان معاً و يتجاذبان.

حاول الفريق أيضاً إبعاد البلّورتين عن بعضهما عن طريق لفّهما مرة و بدون ذلك مرة أخرى لقياس مقدار الطاقة الذي تطلّبه ذلك.

مكّنت القياسات الباحثين من وصف القوة التي تُمسك بالبلّورات معاً بشكل دقيق للمرة الأولى، و خلصت إلى أن التجاذب كان نوع من ضمن قوى فان دير فال.

(قوى فان دير فال – Van der Waals forces) هي الأضعف ضمن قوى الكيمياء الفيزيائية الضعيفة، و هي نتيجة لتجاذبات ميكانيكية كمومية بين الجسيمات، غير التجاذب الكهربي الكيميائي الاعتيادي بين جسيم موجب و جسيم سالب.

لقد تم دراسة هذه القوى بشكل جيد جداً، برغم واقع عملها بناءً على العلم الغريب لميكانيكا الكم ،كما قال العالم نيلز بور: »أي شخص لم تصدمه النظرية الكمومية، فهو لم يفهمها. «

لكن يؤكد هذا الاكتشاف الجديد للمرة الأولى تنبؤ حول قوى فان دير فال التي وُجدت في السبعينيات – ان قوة الجذب معتمدة على كيفية دوران البلّورات نسبياً حول بعضها (تخيّل لفّك لخبز فرنسي (baguette) لتقطع منه قطعة).

قال روسو: »انه القياس الأول والدليل على أن القوة معتمدة على كيفية دوران البلّورات نسبياً حول بعضها البعض، ما نسميه (تابعة دورانياً – Rotationally Dependent).

فإذا كانت تابعة دورانياً، فإن ذلك يعني أن هذه القوة ستعمل على اصطفاف البلّورات الحرة التي تصطدم معاً في بيئة سائلة، على سبيل المثال، زيادة معدل التشابك الناجح«

لدى العلماء الآن فكرة عن القوى التي تعمل على مواءمة بلّورات أكسيد التيتانيوم هذه معاً، و تُمكِّنهم أيضاً من التنبؤ بقوى جذب البلّورات المصنوعة من مواد مختلفة، مثل كربونات الكالسيوم الموجودة في بلّورات الأصداف البحرية.

يُمكنها أيضاً مساعدتهم في بناء مواد جديدة في المستقبل مبنية على البلّور، حيث يُمكن أن يكون ذلك مفيداً بشكل رهيب للتكنولوجيا الحديثة.

لكننا متأكدين فعلا أنها ستكون فترة قبل أن يبدأ أي شخص بالتلاعب بجاذبية بلّورات الزمن، التي تُعد عجيبة في نفسها بما فيه الكفاية.

تم نشر البحث في صحيفة Science


ترجمة :بسام محمد عبد الفتاح
تدقيق: أسمى شعبان
تحرير:عيسى هزيم
المصدر