صورة ملونة للمريخ – المصدر: مختبر الدفع النفاث/ناسا

«إن تأسيس مستعمرة بشرية دائمة على المريخ ليس خيارًا، بل ضرورة»، هذا ما يقوله أكثر العقول إبداعًا في القرن الواحد وعشرين من أمثال باز ألدرين، وستيفن هوكنج، وإيلون ماسك، وبيل ناي، بل وحتى نيل ديجريس تايسون.

برغم ذلك، فإنه من الصعب أن ترى كيف ستعود مهمات بشرية تكلف كل منها مئات مليارات الدولار إلى المريخ بالفائدة على البشرية، إنه لمن السهل أن تتخيل ما يمكن أن تصنعه بهذا القدر من المال، كمحاربة الجوع والفقر والتطرف، لكن هذا ليس إلا لأن البشر يملكون قصر نظر، فهم لا يركزون سوى على ما يحدث غدًا بدلاً مما قد يحدث بعد مئة عامٍ من الآن.

يقول ستيفن هوكنج في عام 2008 في محاضرة عقدت بمناسبة الذكرى الخمسين على تأسيس ناسا: «إذا أراد الجنس البشري أن يستمر لمليون عامٍ آخر، يجب علينا أن نتجرأ في الذهاب إلى مكان لم يذهب إليه إنسان من قبل».

يقودنا هذا لاستعراض أول الأسباب لاستعمار المريخ:

السبب الأول: ضمان بقاء الجنس البشري

صاروخ فالكون 9 التابع لشركة سبيس إكس والذي أطلق في وقت مبكر من الحادي والعشرين من سبتمبر

صاروخ فالكون 9 التابع لشركة سبيس إكس والذي أطلق في وقت مبكر من الحادي والعشرين من سبتمبر
المصدر: بروس ويفر/ إيه إف بي / جيتي

لم يعرف البشر وطنًا آخر سوى الأرض، لكن التاريخ يظهر أن البقاء كجنس بشري على هذه النقطة الزرقاء الصغيرة المحلقة في الفضاء لا بد أن يكون صعبًا وغير مضمون، فالديناصورات هي مثال كلاسيكي: فقد جابوا أنحاء الكوكب ل165 مليون عام، واليوم لا يوجد أثرٌ لهم سوى بقاياهم الأحفورية لأن نيزكًا سبب انقراضهم.

لذلك فإن تفريق البشر على أكثر من كوكب كفيل ببقائهم لآلاف بل ملايين الأعوام من الآن، وفي هذا الصدد يضيف إيلون ماسك مخبرًا الفلكي والمدوِّن (Phil Plait): «يجب على البشر أن يصبحوا كائنات متعددة الكواكب».

أنشأ إيلون ماسك شركة النقل الفضائي سبيس إكس لتساعد في جعل هذا الأمر ممكنًا.

أما المريخ فهو هدف مثالي، لأن طول اليوم عليه يعادل تقريبًا طول اليوم على كوكبنا، إضافة إلى وجود مياه جليدية على سطحه، وأكثر من ذلك، فإنه الخيار الأمثل، لأن عطارد والزهرة يمتلكان حرارة عالية، ولا يمتلك قمرنا غلافًا جويًا يحمي سكانه من أي صدمات نيزكية مدمرة.

السبب الثاني: اسكتشاف الحياة على المريخ

صورة مريخية لكثبان رملية وفوهات، المصدر: ناسا – مختبر الدفع النفاث

قال بيل ناي، المدير التنفيذي للجمعية الكوكبية خلال حلقة من حلقات برنامج ستارتوك راديو (StarTalk Radio) في مارس أن البشرية يجب أن تركز على إرسال بشرٍ إلى المريخ بدلاً من الروبوتات لأن البشر لديهم المقدرة على صنع اكتشافات بمقدار 10 آلاف ضعف مما تستطيع المركبات استكشافه اليوم، ورغم تردده في إضافة وجوب عيش البشر على المريخ، إلا أنه وافق على وجود العديد من الاكتشافات الواجب تنفيذها هناك.

قد يصنع العلماء اكتشافات من الممكن أن تحدد ما إذا وجدت الحياة على المريخ، وإذا أردنا اكتشاف هذا الأمر، علينا عندها أن نحفر أعمق مما حفرته مركبات ناسا، خصوصًا بوجود نظرية بأن الحياة لم تولد على مستنقعات الأرض، بل من مياه المريخ.

تقترح نظرية الحياة المريخية بأن صخورًا غنية بالكائنات الحية الدقيقة قد قذف بها من على سطح المريخ بسبب صدمة قوية لتشق طريقها في نهاية الأمر إلى الأرض، ليس من الصعب تخيل صحة هذه النظرية بوجود صخورٍ مريخية على الأرض، لكن لا يظهر أيًا منها للأسف أي إشارات على الحياة.

يقول كريستوفر إيمبي، عالم فلك بريطاني ومؤلف للعديد من كتب الفلك والعلوم المبسطة في دورية (Business Insider): «لا يمكن استبعاد حقيقة أن صخرة مريخية تمتلك حياة على سطحها قد حطت على الأرض وأعلنت شارة البداية للحياة على الأرض، ولا يمكن اختبار هذا فعليًا إلا بإيجاد حياة على المريخ».

السبب الثالث: تحسين جودة الحياة على الأرض

تصوير الثدي بالأشعة السينية

كتب الدكتور البريطاني أليكساندر كومار عام 2012 في مقال لمجلة بي بي سي استكشف به إيجابيات وسلبيات إرسال البشر إلى المريخ: «فقط بدفع البشرية إلى أقصى حدودها، وإلى أعماق الفضاء، سنتمكن من صنع استكشافات في العلوم والتكنولوجيا يمكن تبنيها لتحسين الحياة على الأرض».

في هذا الوقت، كان يعيش كومار في أكثر مكان شبيه بالمريخ على الأرض، أي القطب الجنوبي، لاختبار كيفية التأقلم مع الظروف المتطرفة نفسيًا وجسديًا، ولفهم أكثر، لنتامل هذا المثال:

خلال أول ثلاث سنوات له في الفضاء، أخذ تلسكوب ناسا صورًا خلابة للفضاء لكنها احتوت رغم ذلك على البعض من العيوب، وأصلحت المشكلة في عام 1993، لكن سعيًا منهم في الاستفادة من صور (blurry) خلال السنوات الأولى، طور الفلكييون خوارزمية حاسوبية لاستخراج المعلومات من الصور بشكل أفضل.

تبين لاحقًا أن طبيبًا استخدم هذه الخوارزمية في الأشعة السينية لفحص سرطان الثدي، فقد أعطت الخوارزمية نتائج أفضل في الفحص للمراحل المبكرة لسرطان الثدي بصورة أفضل من الطريقة التقليدية، والتي كانت في ذلك الوقت تفحص بالعين المجردة.

فسر نيل ديجريس تايسون في برنامجه، ستار توك، خلال مقابلة له مع الصحفي فريد زكريا قائلًا: «تقاطع المجالات يحصل دائمًا، فيطرأ إبداع في واحد منها ليلهم تغييرات ثورية في الآخر».

لذا لا يمكننا التنبؤ بماهية التكنولوجيا الواجب تطويرها لاستعمار المريخ والفائدة التي ستعود علينا منها على كوكب الأرض، لكن يمكننا إدراك أنه بالدفع بالبشرية إلى حدودها القصوى سنتمكن من الذهاب إلى أي مكان وإبداع أي تكنولوجيا.

السبب الرابع: النمو كجنس واحد


وفقًا لنيل تايسون، فإنه يوجد لدينا سبب آخر للذهاب إلى المريخ، وهو لإلهام الجيل القادم من مستكشفي الفضاء، وعندما سأل نيل ما إذا يجدر بالبشر الذهاب إلى المريخ، أجاب: «نعم، فإنه لاستعمار المريخ سوف نحتاج إلى جيل كامل من العلماء، والمهندسين، والتقنيين، والرياضيين، وبالنظر إلى هذا فإن الجيل التالي من رواد الفضاء لا يزالون في المرحلة الإعدادية الآن».

طموح البشرية لاستكشاف الفضاء هو ما يحركنا نحو المزيد من الابتكارات التقنية المتقدمة والتي ستفيد البشرية بطريقة أو بأخرى، ويقول تايسون خلال مقابلته مع زكريا: «يبدو الفضاء كواجهة لما يحدث في الاجتماع، كالدافع إلى الابتكار، ولا يوجد واجهة تدفع الطموح مثل ناسا».

وجهة نظر كتاب الخيال العلمي

مصدر الصورة: ناسا

في رأي العديد من كتاب الخيال العلمي، فإنه قد يساعد استعمار المريخ البشرية على الهرب من المشاكل التي يعاني منها جنسنا على الأرض، إذ أوضح توم ليجون، والذي ينشر في أغلب الأحيان في مجلة (Analog Science Fiction and Fact) للخيال العلمي والحقائق، أن المريخ يحوي العديد من المخاطر، لكنه لا يحوي أفاعٍ مجلجلة، أو زلازل، أو إرهابيين، أو حتى حروب.

وقال توم خلال نقاش في السابع من مارس في قمة «البشر إلى المريخ» بواشنطن: «انقرضت البراكين، فأصبحت هادئة جيولوجيًا، لذا فإن المريخ أكثر أمانًا من الأرض في بعض النواحي».

ويضيف الروائي مايكل سوانويك: «إن استكشاف هذا الكوكب الأحمر قد يساعد في حل مشاكل نقص الموارد الموجودة على كوكبنا، فكثير من الموارد في نفاذ، وبعضًا منها نعتمد عليها بشكل رئيسي، فربما ينفذ النحاس في المستقبل».

تقبع قوة الخيال العلمي في إظهار رؤى للناس عن الاستكشاف وإيضاح إمكانياته، فيأمل كتاب هذا المجال في إلهام الأجيال القادمة كي يحلموا بالمريخ أو حتى عوالم أخرى من بعده، كما يمثل الكوكب الأحمر للعديد من المغامرين رمزًا لشيء أكبر من مجرد استكشاف بسيط، فيمثل أملًا للبشرية، لذلك فإن هذا يفسر اعتبار الناس المريخ بقعة مميزة على مدار التاريخ، وتفسيرًا لرغبتهم في استعماره.

ومثال على ذلك، طلبت منظمة هولندية غير ربحية متطوعين لرحلة إلى المريخ بلا عودة، ورغم التضحيات المبنية على هكذا مهمة، فقد تلقت المنظمة أكثر من 200 ألف طلب، وعندما يرغب البشر في ترك الكوكب الوحيد الذي أسموه يومًا ما وطنًا لمواجهة موت محدق على بعد ملايين الكيلومترات، فإنها إشارة على أن علاقة الحب بين البشرية وذلك الكوكب الأحمر قد وصلت قمتها.

مستقبل ما بعد كوكب الأرض

بينما قد لا يكون الكوكب الأقرب للأرض، إلا أن العلماء اعتبروا هذا الكوكب أكثر تمثيلًا للأرض، وهذا يعد بنفسه سحرًا خلابًا.

في عام 1960 أرسلت أول مجموعة من المسابير إلى الكواكب القريبة وعادت إلينا بصور لسطح مريخي مليء بالفوهات تمامًا كقمر كوكبنا، ولحسن حظ محبي المريخ، فقد أطلقت مهمات أخرى بعد عقد من الزمن لتعود لنا بنسخ أوضح لكوكب المريخ، صور تظهر براكين ضخمة، وكثبانًا رملية، وأنهارًا جافة، وخنادق كبيرة تمتد لآلاف الكيلومترات.

يمتاز المريخ بيوم طوله 24.6 ساعة، وأقطاب جليدية شبيهة بالأرض، ويعتقد العديد أن المريخ مستقر نسبيًا لبناء مستعمرات بشرية، والتفكير السائد بأنه إذا لم تعد الأرض قادرة على تلبية احتياجاتنا، فإن المريخ سيقوم بالمهمة.

ويتطلع المليونير إيلون ماسك إلى أبعد من ذلك، فقد صرح مدير تسلا الجنوب أفريقي أن الاستعمار ضرورة إذا أردنا حماية مستقبل البشرية.

وفي وقت مبكر من العام، أعلنت شركة سبيس إكس أنها جمعت مليار دولار مخصصة للاستكشاف الفضائي من شركات مثل جوجل، إضافة إلى رحلات صاروخية إلى الفضاء خلال السنوات القادمة.

وفي هذه الأثناء، عزمت شركة فيرجن ممثلة بريتشارد برانسون على إطلاق خطوط رحلات فضائية من خلال إرسال البشر إلى مدارات فرعية وأكد ريتشارد على دوره في بدء إرسال رحلات إلى المريخ.

لكن إيلون ماسك وريتشارد ليسا سوى آخر من تحدث عن استعمار المريخ، ففي عام 1979، نشر العالم بينتون كلارك أول الأوراق البحثية التي تفحص المتطلبات اللازمة لدعم الحياة على الأسطح المريخية، وسمى الورقة «الحالة التي يكون فيها الرجل على المريخ»، وافترض كلارك في ورقته أن البعثات البشرية يمكن التخفيف من وزن مركباتها عن طريق استخراج المياه من التربة المريخية واستخلاص الأكسجين من ثاني أكسيد الكربون الموجود في غلاف المريخ الجوي.

وفي النهاية، يمكن القول إن جميع وكالات الفضاء تجمع على أن المريخ هو هدف الأفق للرحلات البشرية، كما تتفق على أنه أكثر الوجهات تفاؤلًا للاستعمار القصير الأمد.