هنريتا سوان ليفيت: عالمة فلك غيرت وجه العالم


هنريتا سوان ليفيت: عالمة فلكٍ غيّرت وجه العالم عن طريق إكتشاف علاقة فيزيائيّة حسابيّة مهّدت لأعظم الإكتشافات في القرن العشرين.

هل تسائلت يومًا كيف يحدّد علماء الفلك البعد الحقيقي بين الكرة الأرضيّة ونجمٍ أو مجرّة معيّنة؟ هنالك في حقيقة الأمر العديد من الأساليب الحسابيّة التي استخدمت عبر التّاريخ لتقدير البعد الذي يفصل الأرض عن نجمٍ معيّن، ولكن لكلّ منهذه الأساليب محدوديّتها وعيوبها. حتّى الأعوام القليلة الأولى من القرن العشرين، الأسلوب الأشهر الذي اعتمده العلماء كان أسلوب عمليّة التّثليث (Method of Triangulation)، مهارة رصد قديمة استخدمت لمسح الأراضي، الملاحة، وغيرها من التّطبيقات العمليّة.

ولكن المشكلة المركزيّة في عمليّة التّثليث هو أنّ طبيعة الأسلوب الهندسيّة تمنع أو تعيق من قدرتنا على حساب الأبعاد الهائلة في الكون بدقّة عالية، ولذلك انحصر استخدام هذا الأسلوب في محاولة تقدير البعد الذي يفصلنا عن النّجوم القريبة نسبيًّا. ولكن أعمال واكتشافات امرأة صمّاء، مضطّدة بسبب جنسها، وبالكاد نسمع عنها أو عن إنجازاتها أيّ شيء، وعدت أن تغيّر كلّ ذلك في فترةٍ وجيزة.

هنريتا سوان ليفيت هي عالمة فلك أمريكيّة ولدت وعاشت في زمانٍ حُرمَت فيه المرأة من إدارة أبحاثها العلميّة الخاصّة، أو حتّى من إستخدام المقارب (أو التّيليسكوبات) المتوفّرة. ولذلك، بعد عامٍ على تخرّجها من كليّة رادكليف (Radcliffe College) في سنة 1892، قرّرت ليفيت، وقد أصابها الصّمم بعد تخرّجها بفترة وجيزة، أن تنضمّ إلى فريقٍ من النّساء اللواتي كنّ يعملن كحواسيب بشريّة في المرصد الفضائي التّابع لجامعة هارفارد. في الفترة التي انضمّت فيها ليفيت إلى الفريق، كان إدوارد تشارلز بيكيرينج (Edward Charles Pickering)، المسؤول عن المرصد، قد كلّف النّساء العاملات في مرصده بقياس وبناء جداول تميّز النّجوم بناءً على لمعانها كما ظهرت في الألواح الفوتوغرافيّة.

في المرصد، كُلّفت ليفيت بدراسة نوعيّة من النّجوم التي عُرفَت بإسم النّجوم المتغيّرة (Variable Stars)، نسبةً للحقيقة بأنّ لمعانها يتغيّر عبر الزّمن. في البداية، لاحظت ليفيت أنّ هنالك الآلاف من هذه النّجوم في سحابة ماجلاّن، ولذلك قرّرت أن تركّز اهتمامها على فئة معيّنة تُعرَف بالمتغيّرات السّيفيديّة (Cepheid variables). بعد دراسة استمرّت لسنواتٍ عديدة، اكتشفت ليفيت نمط وعلاقة فيزيائيّة مذهلة: أنّ لمعان النّجوم الحقيقيّ (Intrinsic luminosity) متناسب طرديًّا مع طول الفترة الزّمنيّة (أو الدّورة – Period) التي تفصل بين الحالات المختلفة التي يمرّ فيها النّجم المتغيّر، من الخفوت وإلى السّطوع الباهر.

هذا الإكتشاف كان ثوريًّا لأنّه حلّ إشكالاً أعاق تقدّم علم الفلك لسنوات. لقد عرف الفيزيائيّون منذ فترةٍ طويلة أنّ هنالك علاقة حسابيّة عكسيّة بين اللّمعان الحقيقي للنّجم (أو لأيّ جسم مضيء) وبين تربيع المسافة التي تفصل أداة الرّصد عن الجسم. ولكن قبل إكتشاف ليفيت، لم يكن من السّهل إستخدام هذه العلاقة الحسابيّة البسيطة لأنّه كان من الصّعب علينا أن نفرّق بين اللّمعان الحقيقيّ (Intrinsic luminosity) واللّمعان الظّاهر (Apparent luminosity) للنّجم، أو بكلماتٍ أخرى: لم يكن لدينا الأدوات لنعرف أو نقرّر إذا كان النّجم خافتًا لأنّه لا يبعث الكثير من الضّوء أو لأنّه بعيد جدًّا عن الأرض.

هذه العلاقة الحسابيّة البسيطة التي اكتشفتها ليفيت مهّدت لأعظم الإكتشافات في القرن العشرين، مثل إكتشاف عالم الفلك الشّهير إدوين هابل (Edwin Hubble) أنّ الكون يحتوي على أكثر من مجرّة، وفي النّهاية أنّ الكون يتوسّع. هابل نفسه أدرك أهميّة إسهامات ليفيت العلميّة واعتقد أنّها تستحقّ جائزة نوبل على أعمالها. ولكنّ جهود الإعتراف بفضلها على العلم والتقدّم العلمي لم تنجح للأسف، فلقد باغتها مرض السّرطان في السّنوات الأخيرة من حياتها.. وتوفّيت ليفيت في العام 1921، تاركةً إرثًا تستحقّ أن نتذكّرها لأجله.


مصدر