الموسوعة الحرة ويكيبيديا هي نتاج عمل جماعي وتطوعي من ملايين المشاركين الذين يصنعون بثقافتهم الجماعية ومساهماتهم أكبر عمل موسوعي في التاريخ. لكن ما مدى مصداقية الموسوعة الحرة؟ وهل كونها حرة يجعلها أكثر مصداقيةً أم أقل؟

عندما نود أن نقرأ أو نوسع آفاقنا حول مسألة علمية معينة، عادةً ما نضطر -باعتبار أننا غير متخصصين، ولسنا على دراية كافية بتعقيدات مجال ما- إلى أن نوازن بين سهولة الوصول للمعلومة من جهة، ودقة المحتوى من جهة أخرى.

يصعب في الكثير من الأحيان إيجاد مصادر علمية قادرة على موازنة هذين العاملين بمهنية وموضوعية، لأن تفاصيل الدراسات العلمية الهامة والدقيقة ستمر عبر عينَي إنسان واحد فقط. ما يزيد من احتمال نقل معلومات خاطئة، إما بسبب سوء الفهم، أو ربما في بعض الأحيان بسبب التحريف المتعمد الناتج عن مصالح أو تحيزات مسبقة.

ولكن ماذا لو ساهم أكثر من شخص في تقريب المعلومة من القارئ البسيط؟ الإجابة بالطبع ستكون متعلقةً بمعرفتنا بالأشخاص، وبمدى إطلاعهم على المسائل العلمية التي يكتبون عنها.

إذا عرفنا أن الأشخاص هم مجموعة من العلماء أصحاب الاختصاص والدراية (كما هو الحال في عدد كبير من مقالات الموسوعة البريطانية، سنتوقع أن المحتوى سيكون أكثر دقةً من غيره.

وأما إذا لم نعرف الكثير عن المساهمين في كتابة المقالات (في بعض الأحيان لا نعرف أي شيء عنهم)، كما هو الحال عندما يتعلق الأمر بموسوعة ويكيبيديا، فغالبًا ما سننظر إلى المحتوى بعين من الشك والريبة.

ولكن ماذا تخبرنا المراجعات والدراسات عن دقة المعلومات التي نأخذها من ويكيبيديا؟ هل هي مصدر ثانوي ممتلئ بالمغالطات والمعلومات غير الدقيقة فعلًا؟ أم أنها مرجع مقبول للمعلومات العامة حول المجالات العلمية المختلفة؟

ما مدى مصداقية الموسوعة الحرة ويكيبيديا؟

على عكس ما يتوقعه الكثيرون، أظهرت مراجعات علمية مستقلة أجرتها عدة مجلات علمية مرموقة، مثل نايتشر (Nature)، أن المضمون والمحتوى العلمي في مقالات ويكيبيديا يرتقي إلى مستوىً رفيع، يوازي الموسوعة البريطانية من جهة الدقة العلمية، ومستوى المحتوى العلمي.

وأظهرت المراجعة التي أجرتها مجلة نايتشر أيضًا، على سبيل المثال، أن من بين 42 مقالة علمية، احتوت ويكيبيديا على 4 معلومات غير دقيقة، بينما احتوت مقالات مشابهة للموسوعة البريطانية على 3 معلومات غير دقيقة.

بينما وجدت دراسات أخرى أن مقالات ويكيبيديا في المجالات والإختصاصات العلمية، مثل: علم الأمراض، وعلم السموم، وعلم الأورام، وعلوم الدواء والصيدلة، كانت بمستوىً رفيع جدًا.

مع كل هذه المراجعات الإيجابية في حق الموسوعة، إلا أن طبيعة النشر المفتوح قد تؤدي في بعض الأحيان إلى نشر معلومات خاطئة ومضللة.. ما يُوجب وجود آليات تصحيح وترقيع اجتماعية وفكرية.

فهل يدعم نظام ويكيبيديا آليات كهذه؟ هل يشعر قراء الموسوعة برغبة حقيقية في تصحيح أخطاء واضحة في مضمون المقالات التي يقرأونها؟

بينت دراسات أولية من معهد ماساتشوستس التكنولوجي، وباحثون من شركة IBM في العام 2003 (أي بعد عامين على انطلاق الموسوعة) أن الكثير من الأخطاء التي تُنشر عمدًا في الموسوعة يصححها القراء مباشرةً.

وقد أوضحت دراسة أحدث نُشرت عام 2007، أن 42% من المعلومات المضللة تُصحح مباشرةً، ورغم ذلك لا تزال الكثير من المعلومات المضللة موجودةً في ملايين المقالات.

في النهاية، ويكيبيديا قد تكون مصدرًا ثانويًا جيدًا لمن يريد أن يتعلم الأساسيات، ولكن على القارئ الذكي والواعي أن يكون متنبهًا لما يقرأ، ويراجع المصادر والمراجع المذكورة في أسفل معظم المقالات في الموسوعة، ليتأكد من دقة وصحة المعلومات العلمية.

(ملاحظة: إن الدراسات التي تعرضنا لها أعلاه قصدت ويكيبيديا باللغة الإنجليزية)

  • المصدر الأول
  • المصدر الثاني