الحلقة الخامسة من سلسلة “فهم العلم”
التنكّر تحت غطاء العلم


تتناسب معرفتنا العلمية مع النطاق الواسع من الاكتشافات المُنجَزة، ابتداءً من تطوير العلاج للزهايمر إلى تشريح بنية الذرات إلى البحث في الأساس العصبي لمشاعر الإنسان.

ونجد أن حتى المساعي التي تختلف عن الصورة النمطية للعلم كإيجاد أفضل طريقة لتعلم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية، أو دراسة تأثير عجز الحكومات على الاقتصاد، يمكن أن نضعها تحت إطار بالعلم.

-عملية التعليم هي مثال لتحدٍّ يمكن أن يقترن بالعلم-

 ولكن هناك مساعٍ بشرية أخرى قد تبدو للوهلة الأولى علمًا، إلا أنها في الحقيقة ليست علمًا على الإطلاق.

على سبيل المثال، حركة «التصميم الذكي» تدعم فكرة أنه لا يمكننا تطوير جوانب كثيرة ومعقدة جدًا من الحياة بدون تدخل مسبب ذكي -وهو كما يفترضه المؤيدون لهذه الفكرة شيءٌ خارق للطبيعة، كالخالق (الإله)-.

يهتم مروّجو هذه الفكرة بشرح ما نرصده في العالم الطبيعي (أي مزايا الكائنات الحية)، والتي تتفق مع غايات العلم.

ولكن بما أن التصميم الذكي يعتمد على أفعال «المسبب الذكي» غير المعروف، فهو فكرة غير قابلة للتجربة، بل وتملك هذه الحركة العديد من الخصائص الأخرى التي تؤكد أنها غير علمية.

يهدف «علم» التنجيم الغربي إلى شرح وتوقع الأحداث الجارية على الأرض اعتمادًا على مواقع الشمس والكواكب والنجوم. بالتالي فإنه كما العلم، يركز على تفسير العالم الطبيعي، إلا أنه وبطرق عديدة أخرى لا يعد علمًا على الإطلاق.

العلم قوي، فهو من أعطى المعرفة التي تسمح الآن لنا بتلقيح الأطفال ضد شلل الأطفال، وبناء ناطحات السحاب وقيادة السيارات، وحتى إجراء اتصال مع صديق لنا موجود في النصف الآخر من العالم بواسطة هاتفٍ خلوي.كما يساعدنا العلم على الإجابة عن الأسئلة المهمة مثل: أي المناطق سيجتاحها تسونامي بعد حدوث زلزالٍ ما؟ كيف تشكل ثقب الأوزون؟ كيف يمكننا أن نحمي محاصيلنا من الآفات التي قد تلحق بها؟ من هم أسلافنا التطوّريون؟

مع هذا الاتساع الكبير قد يبدو العلم لا نهائيًا، ولكنه ليس كذلك، فالعلم يملك حدودًا لا بد منها.

العلم لا يصدر أحكامًا أخلاقية:

متى يكون القتل الرحيم الخيار الصائب؟ ما هي الحقوق العالمية التي يجب أن يمتلكها البشر؟ هل يجب أن تمتلك الحيوانات حقوقًا؟

تعد مثل هذه الأسئلة مهمة، إلا أن الأبحاث العلمية لن تجيب عنها، فالعلم يستطيع فقط أن يساعدنا على فهم الأمراض القاتلة، وتاريخ حقوق الإنسان والحيوان، ومن ثم نستطيع أن نبدي آراءنا وقراراتنا من خلال هذه المعرفة.

ولكن في النهاية يجب على الناس (بشكلٍ فردي) أن يصدروا أحكامًا أخلاقية، فعلى الرغم من أن العلم يساعدنا على وصف هيئة عالمنا، إلا أنه لا يستطيع أن يحكم على هذه الظروف المحيطة بنا صحيحةً كانت أم خاطئة، جيدة أم سيئة.

العلم لا يصدر أحكامًا جماليّة:

يستطيع العلم أن يكشف مثلًا تردد صول المنخفض في الموسيقى، أو التأخير الذي يحصل من أعيننا إلى أدمغتنا حول معلومات الألوان، إلا أنه لا يستطيع أن يخبرنا ما إذا كانت سمفونية بيتهوفن أو عرض «كابوكي» (وهو من أنواع المسرح الياباني) أو لوحةٍ ما للفنان (جاكسون بولوك-Jackson Pollock) جميلة أو مروعة. بل الأفراد هم من يصنع هذه القرارات لأنفسهم وبناءً على معاييرهم للجمال.

العلم لا يخبرك كيف تستخدم المعرفة العلمية:

على الرغم من اهتمام العلماء بطرق استخدام اكتشافاتهم، إلَّا أنَّ العلم ذاته لا يشير إلى ما الذي يجب فعله مع المعرفة العلمية. فعلى سبيل المثال، يستطيع العلم أن يخبرك كيف تعيد تجميع الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين DNA بطرقٍ جديدة، إلا أنه لا يحدد بأي طريق يُستخدم هذا، فقد يُستخدم لتصحيح خللٍ (مرض) جيني، أو تطوير تفاحة مقاومة للصدمات مثلًا، أو تشكيل جرثومةٍ جديدة.

بالنسبة إلى أي تقدمٍ علميٍّ مهم تقريبًا، تستطيع أن تتخيل الطريقين الإيجابي والسلبي الذين يمكن أن يُستخدم هذا التقدم بهما.

مرةً أخرى، يساعدنا العلم على معرفة «كيف هو العالم من حولنا»، ونحن علينا أن نقرر كيف سنستخدم تلك المعرفة.

العلم لا يستخلص نتائج من التفسيرات الخارقة للطبيعة:

هل الله موجود؟ هل تتدخل الأشياء الخارقة للطبيعة في شؤون البشر؟

قد تكون هذه الأسئلة مهمة، ولكن العلم لن يساعد على الإجابة عنها، لأن الأسئلة التي تتناول التفسيرات «الخارقة للطبيعة» كما يبين اسمها، بعيدةٌ عن عالم الطبيعة، لذا، فهي بعيدة أيضًا عما يمكن دراسته بواسطة العلم. تُعد مثل هذه الأسئلة مهمة فيما يتعلق بالإيمان الشخصي والروحانيات بالنسبة للكثيرين.

إن الأحكام الأخلاقية والجمالية والقرارات حول تطبيقات العلم والاستنتاجات الخارقة للطبيعة هي كلها خارج مجال العلم، ولكن هذا لا يعني أن هذه المجالات غير مهمة.

في الحقيقة، تؤثر مجالات الأدب والأخلاق والجماليات بشكلٍ أساسي على المجتمعات البشرية وطريقة تفاعل هذه المجتمعات مع العلم على الرغم من عدم كون أيٍّ منها علمية، وفي الواقع، فإن مثل هذه المجالات تتم دراستها بشكلٍ فعال من قبل الفلاسفة والمؤرخين وعلماء آخرين. لكن، لا يمكن حلها عن طريق العلم.

العلم باختصار:

لقد رأينا أنه بالرغم من صعوبة تعريف العلم بدقة إلا أنه يملك حفنةً من الميزات المفتاحية والتي تجعله بعيدًا عن مجالات المعرفة البشرية الأخرى. إن شبكة العلم واسعةٌ حقًا، فالقائمة التي تعرّف العلم تتطابق مع مجموعةٍ متنوعةٍ من مساعي البشرية، بدءً من اكتشاف الجسيمات الأساسية للكون إلى دراسة سلوك التزاوج لدى سرطان البحر مثلًا، إلى البحث في تأثيرات السياسات الاقتصادية المختلفة.

لقد رأينا أيضًا أن العلم له «حدود»، مثل بعض الأسئلة التي تُعد جزءً مهمًا من التجربة الإنسانية، بحيث تصعب الإجابة عنها في السياق العلمي.

لذلك فالعلم هو ليس كل شيء، ولكنه مهم. العلم يساعدنا على بناء المعرفة حول العالم الطبيعي، وهي المعرفة التي يمكن تسخيرها فيما بعد لتحسين حياتنا وحل مشكلاتنا.


ترجمة: سارة عمّار

تدقيق بدر الفراك
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث