تخيل العالم دون غازات دفيئة،
كيف سيكون كوكبنا؟

 

تخيل هذه المداخن دون سحب الغازات الدفيئة الملوِّئة

تثبت مليارات العمليات الرصدية -التي توجزها الأمم المتحدة وتنشرها في آلاف من الصحف والمجلات الموثقة- أن المناخ على الكرة الأرضية يتغير في وتيرة متسارعة. يعد انبعاث ثاني أكسيد الكربون -الناتج عن احتراق الفحم ومشتقات النفط والغاز الطبيعي- السبب الرئيس لهذا التغير. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو، لماذا ستستمر درجة حرارة الأرض في الارتفاع في حال توقفنا عن إطلاق الغازات الدفيئة؟

 

الكربون والمناخ

يشكل غاز ثاني أكسيد الكربون -المتراكم في الغلاف الجوي- طبقة عازلة لسطح الأرض؛ فالعملية تشبه تسخين بطانية تحتفظ بالحرارة. ترفع هذه الطاقة معدل درجة حرارة سطح الأرض وتسخن المحيطات وتذيب الجليد في القطبين، ما يؤدي إلى رفع مستوى سطح البحر وتغير الطقس.

ارتفع معدل درجة حرارة الأرض -منذ العام 1880 مع انطلاق الثورة الصناعية وبدء انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون- بنحو 1.5 درجة فهرنهايتية «0.85C». وكانت درجة الحرارة في كل عقد من العقود الثلاثة الأخيرة أعلى من نظيرتها في العقد السابق، وأعلى من الحرارة التي سادت الأرض خلال القرن الماضي.

ترتفع درجة الحرارة في القطب الشمالي بمعدل أسرع من ارتفاع حرارة الكرة الأرضية بشكل عام، ما يؤدي إلى ذوبان الجليد في المحيط المتجمد الشمالي وذوبان طبقة الأرض الجليدية أوما يعرف باسم «البيرمافروست-permafrost»، بالإضافة إلى الصفائح الجليدية في كلا القطبين المتجمدين. تستمر الأنظمة البيئية -على الأرض وفي البحر- في التغير، فالاختلافات التي نلاحظها تتسق مع فهمنا النظري لتوازن الطاقة على الأرض وتتماشى مع النماذج المحاكية المستخدمة لفهم المتغيرات الماضية والتفكير في المستقبل.

ماذا سيحدث للمناخ في حال أوقفنا الآن انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون؟

هل سنتمكن من استرجاع المناخ الذي عاش فيه أجدادنا؟ بالطبع لا. يتراكم غاز ثاني أكسيد الكربون -المخزّن في الوقود الأحفوري والمنبعث نتيجة الاحتراق- ويستمر بالانتقال في الغلاف الجوي وداخل المحيطات والأراضي والنباتات والحيوانات. سيبقى هذا الغاز المنبعث في الغلاف الجوي لآلاف السنين، ولن يعود إلى الصخور إلا بعد مرور عدة الآف من السنين عن طريق تشكيل كربونات الكالسيوم، كما هو الحال -على سبيل المثال- عندما تستقر أصداف الكائنات البحرية في قيعان المحيطات. لكن إذا نظرنا إلى الأمر ضمن مقياس زمني -يستطيع الإنسان أن يستشعره- فإن غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث سيبقى للأبد ولن يختفي إلا بإزالته.

لن تنتهي مشكلة الاحتباس الحراري بمجرد إيقاف الانبعاثات؛ فالاستجابة للزيادة الحاصلة في نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون داخل الغلاف الجوي تأتي متأخرة، والمناخ قد يحتاج إلى حوالي 40 عامًا ليستجيب لانبعاثات الغاز ويستقر عند درجة حرارة معينة. يعود هذا التأخر بين السبب والأثر -الذي يستغرق عقودًا- للوقت الطويل الذي تحتاجه المسطحات المائية لتسخن. فالماء -مقارنة بالهواء- يستغرق وقتًا أطول ليسخن يصل إلى عشرات السنين. بناءً على ذلك، لا تتسبب الحرارة التي تحتجزها الأرض -نتيجة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون- في رفع درجة حرارة الجو فحسب، بل تذيب الجليد وترفع درجة حرارة المحيطات أيضًا، ما يزيد من حجم المشكلة ويسهم في رفع درجة حرارة الأرض بشكل أكبر.

لذلك حتى في حال أوقفنا الانبعاثات الكربونية تمامًا، ستستمر المحيطات في الاستجابة لنسب الكربون المتراكم في الغلاف الجوي، وسترتفع درجة حرارة الأرض حوالي 1.1 درجة فهرنهايتية «0.6C»، يطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم «الاحترار الحتمي-committed warming». يستجيب الجليد بدوره أيضًا لزيادة درجات الحرارة بذوبانه المستمر، فالأدلة واضحة بالفعل على أن الأرض خسرت جزءًا ملحوظًا من الجليد في القطب الجنوبي نتيجة لارتفاع درجة حرارة المحيطات. آثار ارتفاع درجات الحرارة انعكست على الجليد والهواء والمياه، فما ذاب سيبقى ذائبًا وما تبقى من جليد فهو متجه إلى الذوبان لا محال.

تتأثر الأنظمة البيئية بالأحداث الطبيعية وتلك التي يتسبب بها الإنسان. عندما تتمكن هذه الأنظمة من التكيف، لن يبقى المناخ مستقراً على حاله، بل سيستمر في الارتفاع والتغير.

ذوبان الجليد في جرينلاند و أنتارتيكا بين العامي 2003 و2010.

السيناريوهات المستقبلية..أفضل الأسوأ

على الرغم من التطور الملحوظ في استغلال مصادر الطاقة البديلة، إلا أنه ليس من الممكن حاليًا إيقاف انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون؛ فالطلب الكلي على الطاقة في تزايد مستمر، وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون تزداد. هنا تكمن ضرورة تنبيه الطلاب إلى التخطيط لعالم أدفأ بنحو 4 درجات مئوية، فتقرير الوكالة الدولية للطاقة -الذي نشر العام 2011- يفيد بأننا إذا استمرينا على نهجنا الحالي فإننا سنتجه نحو عالم أدفأ بحوالي 6 درجات مئوية. أرضنا في الوقت الراهن أدفأ بدرجة فهرنهايتية واحدة، والتغيرات الملحوظة حالياً مقلقة بالفعل.

نحن بحاجة إلى الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لعدة أسباب؛ فالمناخ يتغير بوتيرة سريعة، إذا تمكنا من تقليل سرعتها، يمكن للإنسان أن يتكيف بسهولة أكبر مع التغير الذي يطرأ على الطبيعة. سيكون بإمكاننا الحد من حجم التغير الكلي، بما في ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر.

كلما ابتعدنا أكثر عن نقطة التغير المناخي الحالية، صار من الصعب علينا الاعتماد على النماذج الحالية وقلت احتمالات قدرتنا على التحضير للتغيرات المستقبلية. وكلما ارتفعت درجة حرارة الأرض، زادت احتمالية انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان -غاز آخر من الغازات الدفيئة التي تسبب احترار الكرة الأرضية- من المخزون المتجمد في القطب الشمالي. ما يتسبب في تفاقم المشكلة.

اذا أوقفنا هذه الانبعاثات اليوم فلن تُحل المشكلة ولن نعود إلى الوضع الذي كنا عليه في الماضي، إلا أن هذا ليس مبررًا لنستمر على نهجنا، فنحن مخلوقات قادرة على التكيف ونمتلك المعرفة التي تمكننا من التنبؤ بمستقبل مناخنا وكيفية التعامل معه، نحن عالقون بلا شك في مرحلة من التغير المناخي، لذا علينا التفكيرفي أفضل السيناريوهات المستقبلية الممكنة بدلًا من البكاء على أطلال الماضي.


ترجمة: منار قطينة
تدقيق: الاء أبو شحوت
المصدر