رسميًا
البلورات الزمنية حالة جديدة للمادة وقد أصبح تصنيعها ممكنًا


مبكرًا في هذا العام، وضع علماء الفيزياء مخططًا عن كيفية صنع وقياس البلورات الزمنية وهي حالة شاذة من المادة ذات هيكل ذري يتكرر في الزمان والمكان، مما يسمح لها بالحفاظ على تذبذب ثابت بدون طاقة.

سابقًا في يناير، تمكن فريقان منفصلان من صنع ما بدا أنه بلورات زمنية ضخمة، والآن نجحت كل من التجربتين في تخطي استعراض النظراء للمرة الأولى، واضعين الظاهرة “المستحيلة جذريًّا” على أرض الواقع.

يقول أحد الباحثين من جامعة تكساس أندرو بوتر (Potter Andrew): >.أخذنا تلك الأفكار النظرية التي كنّا ندرسها في السنوات الأخيرة وبنيناها بشكل حقيقي في المختبر، على أمل أن تكون هذه هي العينة الأولى وليست الأخيرة<>يبدو أن وفرة حالات المادة هي أوسع مما كنا نعتقد، وأحد الكؤوس المقدسة في الفيزياء هو فهم أنواع المادة التي يمكن أن تتواجد في الطبيعة، وأن جمل اللاتوازن تعلن عن سبيل جديد مختلف تمامًا عما درسناه سابقًا<<.

اقترحت هذه الفكرة للمرة الأولى من قبل الفيزيائي الفائز بجائزة نوبل فرانك ويلسزيك Frank Wilczek))، والبلورات الزمنية هي بنى مفترضة يبدو أنها تمتلك حركة حتى في أقل حالة طاقة لديها، والمعروفة بـ “الحالة القاعية” أو “الحالة الأرضية”.

عادة عندما تدخل مادة ما حالتها القاعدية، تكون الحركة نظريًّا أمرًا مستحيلًا، لأنها تتطلب منها استهلاكا للطاقة.

لكن ويلسزيك تصور عنصرًا يمكنه تحقيق حركة أبدية في حالته القاعدية من خلال التبديل الدوري لاصطفاف ذراته داخل البلورة مرة بعد مرة خارج الحالة القاعدية ومن ثم العودة إليها مرة أخرى، وهكذا…

لنكن واضحين، هذه ليست آلة حركة دائمة لأن الطاقة هي صفر في النظام، لكن الافتراض بدا في البداية بعيدًا لسبب آخر.

تم التلميح إلى نظام يكسر واحدًا من أكثر الافتراضات الأساسية في فهمنا للفيزياء وهو تناظر الوقت الانتقالي، الذي ينص على أن القوانين الفيزيائية هي نفسها في كل زمان ومكان.

وبحسب ما شرحه دانيل اوبيرهاوس (Daniel Oberhaus) لموقع Motherboardفإن تناظر الوقت الانتقالي هو الذي يجعل من المستحيل قلب قطعة من النقود في لحظة والحصول على احتمالات النقش أو الكتابة 50/50، لكن في المرة التالية التي تقلبها، تصبح الاحتمالات فجأة 70/30 لكن بعض العناصر المحددة التي يمكنها مخالفة هذا التناظر في حالتها القاعدية بدون انتهاك قوانين الفيزياء.

تخيل مغناطيس بنهاية للشمال ونهاية للجنوب، إنه من غير الواضح كيف يقرر المغناطيس نهاية الشمال ونهاية الجنوب، لكن الحقيقة أن امتلاكها نهاية للشمال ونهاية للجنوب يعني أنها لن تكون متشابهة في النهايتين ـغير متناظرة طبيعيًّا- ومثال آخر على العناصر الفيزيائية ذات الحالة القاعدية غير المتناظرة هو البلورات.

البلورات معروفة بأنماط هياكلها المتكررة، لكن الذرات داخلها اختارت وفضلت أماكنًا داخل بنيتها، لذلك بالاعتماد على نطاق المكان الذي تلاحظ فيه البلورة ستكون مختلفة، فقوانين الفيزياء ليست متناظرة بعد الآن.

بوضع هذا بعين الاعتبار، اقترح ويلسزيك بأنه من الممكن إنشاء عنصر يحقق حالة قاعدية غير متناظرة، ولكن ليس عبر المكان، كالبلورات العادية أو المغناطيس، إنما عبر الزمان !

بمعنى آخر، هل تستطيع الذرات تفضيل واختيار حالات مختلفة في فترات مختلفة من الزمن؟

بعد بضع سنوات من ذلك، أظهر باحثون من أميركا واليابان أن هذا ممكن، مع التفاف كبير على اقتراح ويلسزيك، فمن أجل الحصول على بلورات زمنية تغير حالتها مرة بعد مرة، فإنها تحتاج إلى دفعة بعد كل فترة زمنية.

في يناير من هذا العام، وصف نورمان ياو كيف يمكن بناء مثل هذا النظام، واصفًا إياه لمجلة نيتشر كنوع” أضعف”من الانتهاك مما كان قد تخيله ويلسزيك.
“انها أقل غرابة من الفكرة الأولى، لكنها تبقى غريبة”.

أخذ فريقان منفصلان أحدهما من جامعة ماريلاند والآخر من جامعة هارفرد هذا المخطط وعملوا به، صانعين نسختين مختلفتين من بلورة زمنية بدت على أنها قابلة للتطبيق.

“لا أظن أن أحدهما أفضل من الآخر، إنهما يشيران إلى نظامين مختلفين من الفيزياء، حقيقة أنك ترى هذه الظاهرة في أنظمة مختلفة جدًّا هو أمر رائع فعلًا”
بحسب الأوراق المطبوعة سابقًا في يناير، فإن البلورة الزمنية الخاصة بجامعة ماريلاند صنعت بأخذ خط كونغا من 10 شوارد إيتربيوم، وجميع الذرات متشابكة وتنغزل.

ومثلما صرح فيونا ماكدونالد لموقع ScienceAlert سابقًا:
>>كان المفتاح لتحويل ذلك العمل إلى بلورة زمنية هو إبقاء الذرات خارج التوازن، ولفعل ذلك ضرب العلماء الذرات بشعاعي ليزر بشكل متناوب، الأول أنشأ حقلًا مغناطيسيًّا، والأخر قلب اتجاه دوران الذرات”

لأن دوران جميع الذرات كان متشابكًا، وقد أخذت نمطًا مستقرًا ومتكررًا من الدوران المتبدل والذي يميز البلورة، لكنه قام بشيء غريب جدًّا لتحويلها إلى بلورة زمنية، فنمط تبدل الدوران في النظام تكرر فقط بنصف سرعة ذبذبات الليزر.

أما البلورة الزمنية لجامعة هارفرد فاستخدمت بدلًا من ذلك الألماس الذي تشكل مع العديد من الملوثات النيتروجينية، وتحول إلى اللون الأسود.

إن دوران هذه الملوثات كان قادرًا على الانقلاب عائدًا تمامًا مثل دوران شوارد الإيتربيوم في تجربة جامعة ماريلاند.

كانت لحظة حماسية للفيزياء، لكن الآن أصبحت الأشياء رسمية أخيرًا لأن كلًّا من التجربتين اجتازتا مراجعة علماء الفيزياء لهما، وتظهران في أوراق مختلفة على مجلة نيتشر.

وبعد أن علمنا أن هذه الأشياء قابلة للتصنيع، أصبح علينا صنع المزيد منها، واستخدامها.

أحد أكثر التطبيقات الواعدة للبلورات الزمنية هو الحوسبة الكمية، حيث يمكن للبلورات الزمنية أن تسمح للفيزيائيين بإنشاء أنظمة كمية مستقرة في درجات حرارة عالية جدًّا وأكبر من التي يمكننا تحقيقها الآن، ويمكن لهذا أن يكون الدفعة التي نحتاجها لجعل الحوسبة الكمية حقيقة.


ترجمة: وائل المشنتف
تدقيق: داليا المتني
المصدر