لماذا تمتلك أجسامنا قلباً واحداً ورئتين وليس العكس؟


يحوي جسم الإنسان عددًا من العمليات الحيوية المستمره مثل الهضم والتنفس والأيض والجهاز المناعي المحارب للإصابات المرضية مثل الإصابات البكتيرية.

كل أجهزة الجسم باختلاف مناطقه تعمل سويًا لخلق حالة من التوازن لمساعدة الجسم للقيام بفعاليته على أكمل وجه على سبيل المثال وجود كمية من السكر بالمستوى المعقول تحتاج إلى الأملاح (electrolytes) وهي أملاح تحتوي على أيونات حرة تنتج وسطًا ناقلًا للكهرباء، بوجود كمية مناسبة منها سيستهلك السكر ويُزوَّد الجسم بالطاقه للقيام بوظائفه الاعتيادية.

هل طرحت السؤال يوما ما على نفسك، كيف يمكن لجسمك أن يكون بهذه التناسق في العمل والدقة؟

لماذا يمتلك جسمك واحدًا فقط من بعض الأعضاء في حين تمتلك اثنين من أعضاء أخرى؟

خذ على سبيل المثال القلب والرئتين، لماذا نمتلك قلبًا واحدًا في حين توجد رئتان في أجسامنا؟

أليس من الأجدر وجود قلبين؟

أعضاء جسمنا هي أعضاء حية ونشطة، مثل الرئتين والقلب والبنكرياس والدماغ والكبد كلها أعضاء حية ونشطة تقوم بمهامها بشكل متناسق أي تقوم بوظائف مشتركة فيما بينها.

على سبيل المثال تُستخدم الرئتان للتنفس فالإنسان يتنفس الهواء المحمل بالأكسجين ويطرح ثاني أكسيد الكربون باعتباره فضلات خارج الجسم.

 

تنقل الرئتان الأكسجين إلى الدم، الذي بدوره يحمل الأكسجين للقلب لتوزيعه إلى بقية أنحاء الجسم.

ولاكتمال الدورة الدموية يعود الدم إلى الرئتين محملًا بثاني أكسيد الكربون لامتصاصه وطرحه خارج الجسم بعملية الزفيز.

عندما نتأمل هذه الدقة والتكامل الوظيفي بأجسامنا نجد أنه حقا نظام جميل ومتكامل.

لكن كيف يحصل التكامل؟

وصفت عالمة الأنثروبيولوجي (اختصاصية في علم الانسان) في جامعة روتجرس سوزان كاتشيل عملية التنفس بالرئتين بأنه نظام طُور منذ القدم وليس مقتصرًا على جسم الإنسان فقط بل يشمل معظم الحيوانات، حيث وجد أنها تمتلك رئتين وقلبًا واحدًا فقط. مع وجود استثناءات فعلى سبيل المثال، دودة الأرض ورأسيات القدم (وهي تعتبر من صنف اللافقريات وتتضمن الأخطبوط والحبار).

حيث وجد أن دودة الأرض تمتلك خمسة تراكيب شبيهة بالقلب.

ورأسيات القدم لها ثلاثة قلوب (اثنان منهم ترسل الدم إلى الخياشيم وواحد يوزع الدم على باقي انحاء الجسم) ولايمتلك رئتين.

وقد أقرت الدكتورة كاتشيل بأنه قد ظهرت أنظمة الجسم التي تمتلك قلبًا واحدًا ورئتين منذ حوالي 300 مليون سنة، عندما فرت الحيوانات من المسطحات المائية لليابسه للهروب من المفترسات وللبحث عن مصادر غذاء جديدة.

ومن هذه الفترة، أصبح هذا النظام (اي امتلاك الجسم لقلب واحد ورئتين اثنين) نظامًا طبيعيًا.

لكن لماذا لم تستمر الحيوانات بتغيير أنماطها أي أن تتطور إلى أشكال أخرى؟

للإجابة على هذه السؤال زودنا أوكامز ريزر بمفتاح الإجابة على هذه السؤال (لأن أبسط التوضيحات تكون الأكثر منطقية).

أخيرًا، معظم الحيوانات طورت نظامًا يتكون من رئتين وقلب واحد (بجانب باقي أعضاء الجسم) لأن هذا الشكل والنظام كافٍ لحاجة الجسم للبقاء والنمو في كوكبنا.

لم يطور الانسان على سبيل المثال قلبين أو ثمانية أرجل او أجنحة لعدم حاجته لهذه الأعضاء للبقاء (أي أن جسم الكائن الحي يطور نفسه حسب احتياجه للبقاء والنمو والتكاثر) ولكن اكتفت أجسامنا لسد حاجتها بهذا المستوى من التطور.

شجرة التطور (Phylogeny) وهو العلم الذي يهدف لدراسة الشجرة التطورية بين مختلف الانواع التي نشأة من اصل واحد، ومن خلال الشجرة التطورية يدرس كيف أن الخيوط البدائية لجزيء RNA تطورت إلى الكائنات الراقية وهي الانسان والحيوانات.

رغم أن هذه الحيوانات تطورت إلى أنواع متشعبة مثل الطيور والحشرات والإنسان، لكن ظلت نظم الأعضاء مشابهة لبعضها البعض.

 

مازلنا نمتلك معدة لهضم الطعام ورئتين لتنفس الهواء وكليتين لتصفية الفضلات.

كل هذه أدلة تشير إلى أن كل الأجناس من ضمنهم الإنسان تطورت وتشكلت بطريقة لتلائم العيش في الأرض.

هل هذا يعني أن أنظمة أعضائنا الداخلية متكاملة؟

نحن نعلم من خلال دراستنا لعلم الأمراض أن امتلاكنا لرئة واحدة يكون مدمرًا لصحتنا، لكن ماذا عن امتلاكنا لقلب إضافي؟

هل وجود قلب إضافي يجعلنا قادرين على العيش بكفاءة أفضل؟

لنجب على السؤال التالي, ماذا يحدث لو امتلكت أجسامنا قلبين؟

قد تظن أن وجود زوج من بعض الأعضاء في جسم الإنسان فائض عن الحاجة.

فجسم الانسان يمتلك رئتين وكليتين وعينين كلاهما يؤديان نفس الوظيفة وفي نفس الوقت.

لكن بروفيسور التشريح والبيولوجي والخلية في الجامعة الهندية بلومينغتون توني نيف حذر من التقليل من شأن دور الأعضاء المزدوج.

كلا العضوين يشتركان في إتمام الوظيفة بصورة كاملة. على الرغم من أن العضو الواحد ممكن أن يقوم بوظيفته بمفرده، فمثلا عين واحدة ممكن أن تؤدي وظيفتها وحدها، لكن العملية لا تتم بكفاءة موازية لكفاءة عمل زوج من الأعضاء سويًا، وكذلك باقي الجسم سوف يعاني عند تادية الوظيفة بكفاءة عالية.

على سبيل المثال، ممكن أن نرى بعين واحدة, لكن وظيفة العين أن نرى الأشياء وأن ندركها بعمق سوف يتأثر وسوف نصطدم بالأشياء التي نراها بعين واحدة بدلا من عينين.

نحن نحتاج إلى رئتين لأداء وظيفة التنفس بكفاءة جيدة، ماذا يحدث لو كان لدينا قلب إضافي؟

هل عمل القلب سوف يتضاعف؟

وصف عالم الفسيولوجي براوس مارتن زميل الدكتور نيف في جامعة الهندية جسم الإنسان بأنه نظام تطور للقيام بوظائفه على أكمل وجه وبكفاءه عالية.

عند تعرض الجسم لأي هجوم أو جهد خارجي على سبيل المثال عند نقص الغذاء أو المجاعة كل أجزاء هذه النظام ( أجزاء جسم الإنسان) سوف تعاني بنفس المستوى.

وبالعكس عند تلف جزء معين من الجسم, النظام بأكمله سوف يعاني.

على سبيل المثال عند تلف الرئة مثلا إذا تعرضت الرئة للانتفاخ باقي أجزاء الجسم تبدأ بالعمل ببطء كي تتوافق بعملهل مع الخلل الحاصل بالرئة (اي يبدأ الجسم باستهلاك كمية من الأكسجين تتناسب مع الكمية التي تنتجها الرئة).

 

ومن هنا نلاحظ أن جسم الإنسان يعمل بتناسق وانسجام, لذلك عند امتلاكنا إلى قلب إضافي لن يزيد أي فائدة إضافية لأجسامنا.

لكن مع هذا تمتلك أجسامنا وظائف محتملة, مثلا عضلات الجسم في حالات يطلب منهم العمل خارج قدرات المعتادة مثلا عندما يطلب منهم العمل بقوة هستيرية.

لذلك نحن بإمكاننا أن ندرب أجسامنا على العمل بمستويات أو جهد أعلى، على سبيل المثال يدرب الرياضيون أجسامهم للعمل بجهد عالي.

بما أن القلب يضخ الدم للعضلات، مع وجود قلب إضافي ستنمو عضلات الجسم بقوة أكبر مع الوقت.

وفي حال أن باقي نظام الجسم يحتاج إلى وجود قلب ثانٍ, سوف ينمو جسم الإنسان أكثر قوة وتحمل.

وفي حين افترض الدكتور مارتن الفائدة التى تعود بامتلاك قلب ثانٍ للعضلات لا يمكن أن يعود بفائدة للدماغ، ففي حال تزويد الدماغ بكميات إضافية من الدم لا يمكن له العمل بكفاءة عالية.

من المثير للاهتمام، أن الإنسان في المرحلة الجنينية يمتلك قلبين.

النسيج في المرحله الجنينيه المبكرة من تطور الجنين يدعى (primordia) والذي ينشأ أو يتطور منه القلب الجنين يكون القلب عباره عن قلبين يندمجان سويا ليكونوا قلبًا واحدًا يتألف من أربعة غرف ( البطينين والأذينين).

في فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي أجرى علماء الأجنة تجربة على أجنة الضفادع من خلالها تمكنوا من إيقاف عمليه دمج (primordia) وبالتالي نما الضفدع وتطور بقلبين.

ومثال آخر هو تطور العيون لدى الأجنة في مراحل تطور الأجنة (primordia) يبدأ الجنين مع عين واحدة والتي تنفصل مكونة عينين اثنتين.

 

وقد علق الدكتور نيف عن هذه الحالة موضحًا أنه في حال عدم انفصال (primordia) فإن الجنين ينمو ويتطور وينمو بعين واحدة في المركز مثل مانشاهد في شخصية (cyclopus) دائري العين، مصطلح معرب من اليونانية المستوحاة من شخصية المسوخ الجبابرة الذين يمتلكون عينًا واحدة في وسط الجبهة وهم من المنثولوجيا الإغريقية.

نظريا من الممكن أن نتطور بقلبين.

وفي حال استخدام كلا القلبين ممكن أن نتطور إلى كائنات خارقة القوة ولكن نسبة الذكاء ستكون متوسطة. هنا سؤال يطرح نفسه، هل في حال تدخلنا في تطور الانسان، سوف نخلق جنسًا بشريًا خطرًا؟

أضافت الدكتورة سوزان (نحن نحاول الابتعاد عن التدخل بتطور الانسان).

تستخدم التكنولوجيا من أجل توفير الأفضل للإنسان أو الحيوانات الاستوائية على سبيل المثال نحن نستخدم الملابس الشتوية لحماية أنفسنا من البرد.

وفي حال أننا تجاوزنا الانتخاب الطبيعي سوف نتمكن من معرفة ماذا ننجز في حال امتلاكنا لقلبين.


المترجم: ايات اللعيبي
المدقق: محمد نور

المصدر