الحلقة الأولى من سلسلة “فهم العلم”
ما هو العلم؟


فهم العلم: نظرة عامة

لتفهم ما هو العلم، انظر فقط حولك.

ماذا ترى؟

ربما، يدك على فأرة وشاشة الكمبيوتر، الأوراق، أقلام حبر، قطة العائلة أو حتى شروق الشمس عبر النافذة.

العلم، هو هذا كله، علمنا بوجود كل ذلك، كل المادة الموجودة في العالم المنظور:

من أدق الجسيمات دون الذرية الموجودة في ذرة مفردة من المعدن في دوائر حاسوبك، إلى التفاعلات النووية التي كونت كرة الغاز الهائلة التي تكون شمسنا، بالإضافة إلى التفاعلات الكيميائية المعقدة والترددات الكهربائية داخل جسمك والتي تتيح لك قراءة وفهم هذه الكلمات.

لكن وبالقدر نفسه من الأهمية، يُعد العلم أيضًا عمليةً موثوقةً يمكننا من خلالها التعرف على كل المواد الموجودة في الكون المرئي.

ومع ذلك، فإن العلم كطريقة للتعلم والمعرفة يختلف عن العديد من طرق التعلم الأخرى بسبب المناهج المُتبعة.

يعتمد العلم على إختبار الأفكار بالأدلة التي تم جمعها من العالم المادي.

سيساعدك هذا المقال على تعلم المزيد عن العلم كعملية تعلمٍ تخص العالم المادي والوصول إلى الفروع العلمية التي تؤثر على حياتك.

يساعد العلم في إرضاء الفضول الطبيعي الذي ولدنا جميعًا به: لماذا لون السماء أزرق، ما الطريقة التي جعلت النمر مُنقط، ما هو كسوف الشمس؟

 

عن طريق العلم، يمكننا الإجابة عن مثل هذه الأسئلة دون اللجوء إلى تفسيراتٍ خيالية.

ويمكن للعلم أن يفضي إلى تقدماتٍ تكنولوجية، كما يساعدنا على اكتشاف عددٍ كبير من المواضيع الهامة والمفيدة، مثل صحتنا، والبيئة، والمخاطر الطبيعية.

من غير العلم، ما كان للعالم العصري أن يكون عصريًا، ولازال لدينا الكثير لنتعلمه. يعمل ملايين العلماء حول العالم على حل الألغاز المتعلقة بالطريقة التي يعمل بها الكون، يطلون من زواياه وشقوقه، ينشرون ميكروسكوباتهم وتليسكوباتهم وأدواتٍ أخرى ليسبروا أغواره.

العلم معقد ومتعدد الأوجه، لكن من أهم الخصائص المميزة له الدقة:

– يركز العلم حصريًا على العالم المادي أو الطبيعي، ولا يتعامل مع تفسيرات غيبية أو ما وراء طبيعية.

– العلم هو الطريق لفهم ما هو موجودٌ في العالم الطبيعي أو المادي، وكيفية عمل العالم المادي، وكيف أصبح على ما هو عليه الآن. إنه ليس مجرد عملية لجمع الحقائق، إنه بالأحرى طريقة للفهم.

– يعمل العلماء بطرق متعددة ومختلفة، لكن تعتمد جميع العلوم على إختبار الأفكار عن طريق معرفة التوقعات المتولدة من فكرة ما والملاحظات لاكتشاف ما إذا كانت تلك التوقعات صحيحة.

– الأفكار العلمية المسلم بصحتها جديرةٌ بالثقة لأنها خضعت لاختباراتٍ صارمة، لكن إذا تم الحصول على أدلةٍ جديدة وظهرت وجهات نظرٍ جديدة، حينها يمكن مراجعة تلك الأفكار.

– العلم هو مسعى المجتمع. يعتمد على نظامٍ من الضوابط والتوازنات، التي تضمن له أن يتحرك في اتجاه دقةٍ وفهمٍ أكبر.

وييسر هذا النظام التنوع الموجود داخل المجتمع العلمي، الذي يقدم مجالًا واسعًا من وجهات النظر بشأن الأفكار العلمية.

قد يبدو العلم للكثيرين وكأنه غامضٌ وصعب المنال، لكن هذا الانطباع قائم على سوء فهمٍ للعلم.

في الحقيقة:

-يؤثر العلم على حياتك اليومية في كل مناحيها وبطرقٍ مختلفة.

-يمكن للعلم أن يكون ممتعًا وفي متناول الجميع.

-يمكنك تطبيق ما فهمته من كيفية عمل العلم على حياتك اليومية.

-يمكن لأي شخصٍ أن يصبح عالمًا، سواء كان من الهواة أو المحترفين.

ما هو العلم؟

من المحتمل أن تستحضر كلمة “علم” إلى ذهنك صورًا لأشياء مختلفة: كتابٌ دراسيٌّ ضخمٌ ومعاطف المختبر البيضاء والميكروسكوبات وعالم فلك يحدق من خلال تلسكوب، وعالم طبيعة في الغابات المطيرة، ومعادلات أينشتاين مدونةً على السبورة أو إطلاق مكوك فضاء وكاسات تخرج منها فقاقيع؛ تعكس كل صورةٍ من تلك الصور بعض جوانب العلم، لكن ولا واحدةٌ منها توفر صورةً كاملة، لأن العلم متعدد الجوانب:

 

العلم هو هيكل المعرفة والعملية المؤدية إليها

في المدرسة، يبدو العلم أحيانًا وكأنه مجموعةٌ من الحقائق الثابتة المُدرجة في كتابٍ مدرسي، لكن ذلك جزءٌ صغير فقط من القصة.

بالقدر نفسه من الأهمية، فالعلم هو عملية اكتشاف تسمح لنا بربط الحقائق المعزولة لنكوِّن فهمًا متماسكًا وشاملًا للعالم المادي أو الطبيعي.

العلم مثير

العلم طريقةٌ لاكتشاف ما يوجد بالكون وكيف تعمل تلك الأشياء اليوم، وكيف كانت تعمل بالماضي، وكيف ستعمل على الأرجح في المستقبل.

تحفز لذة رؤية شيءٍ ما لم بتوصل له أحدٌ من قبل أو استنتجه العلماء.

العلم مفيد

المعرفة التي تتولد من العلم قويةٌ وجديرة بالثقة.

يمكن استخدامها لتطوير تقنياتٍ جديدة، وعلاج الأمراض والتعامل مع العديد من المشاكل الأخرى.

العلم مسعى إنساني عالمي

يشارك الناس في جميع أنحاء العالم في عملية العلم.

وأنت أيضا يمكنك ذلك!

الصفحات التالية تتناول الأسباب التي جعلت من العلم ما هو عليه:

– اكتشاف شرارة للعلم

– مرجعية العلم

– العلم له حدود

اكتشاف: شرارة للعلم

لا تحدث كثيرًا لحظات التبصر والاكتشاف التي يصحبها الدهشة وترديد “وجدتها”، لكن هذه اللحظات هي التي تدفع العلم والعلماء إلى الأمام.

 

بالنسبة للعلماء، كل يوم يأتى ويحمل معه إمكانية اكتشافٍ لفكرةٍ جديدة أو رصد شيءٍ ما لم يتوصل له أحدٌ من قبل. لا زال هنالك هياكل معرفيةٌ تحتاج للبناء والعديد من الأسئلة الأساسية حول الكون تحتاج لإجابة:

ما هو سبب الجاذبية؟

كيف تتحرك الصفائح التكتونية حول سطح الأرض؟

كيف تخزن أدمغتنا الذكريات؟

كيف تتفاعل جزيئات الماء مع بعضها البعض؟

لا نعرف الإجابات التامة عن هذه الأسئلة وعددٌ كبيرٌ جدًا من الأسئلة الأخرى، لكن التنقيب عن الإجابات عنها هو ما يدفع العلم للأمام.

أسئلة العلوم اليومية

تبدو الأسئلة العلمية معقدة (على سيبل المثال، ما التفاعلات الكيميائية التي تتيح للخلايا تكسير الروابط في جزيئات السكر)، من المحتمل أنك أنت نفسك قد طرحت أسئلةً علميةً صحيحة تمامًا:

كيف يمكن للطائرات الطيران، لماذا ترتفع أو تنتفخ الكعكة في الفرن، لماذا يتحول لون التفاحة إلى البني بمجرد تقطيعها؟

يمكنك اكتشاف الإجابات عن هذه الأسئلة العلمية اليومية في المكتبة الحلية الخاصة بك، لكن بالنسبة لآخرين، قد لا يمتلك العلم إجاباتٍ إلى الآن، وإجابات مثل هذه الأسئلة يمكن أن تقود إلى اكتشافات جديدةٍ مذهلة.

على سبيل المثال، لازلنا لا نعرف الكثير عن كيفية تذكر دماغك لشراء الحليب من عند البقال.

وفي حين تحفزنا للإجابة عن هذه الأسئلة التي تدور حول تجاربنا اليومية، يجابه العلماء مثل هذه الأسئلة على جميع المستويات، بما في ذلك الأسئلة التي تدور حول الطبيعية الحقيقية للكون.

الاكتشافات والأسئلة الجديدة والأفكار الجديدة هي ما يبقي العلماء يقظين طوال الليل، لكن ليس هذا كل ما في الأمر، بل يتضمن الموضوع عملًا شاقًّا (وأحيانًا ما يكون مملًّا).

في العلم، يجب أن يتم تأكيد صحة الاكتشافات والأفكار الجديدة بواسطة أدلة متعددة ومن ثم دمجها في باقي فروع العلم، عملية يمكن أن تستغرق العديد من السنوات.

وغالبًا، لا تأتي الاكتشافات كصاعقة من السماء بل قد تكون نتيجةً لسنوات عديدة من العمل على إشكالية معينة، كما وضح اكتشاف العالمة هنريتا سوان ليفيت.

اكتشاف هنريتا وجود علاقة بين لمعان النجوم القيفاوية والفترة التي تستغرقها للدوران حول نفسها

علم علماء الفلك بوجود النجوم المتغيرة، وهي النجوم التي يتغير لمعانها مع مضي الوقت، والتحول البطيء فيما بين اللمعان والخفوت، حين أعلنت هنريتا في عام 1912 عن اكتشاف رائع (وغير ملحوظ تمامًا) حول تلك النجوم المتغيرة التي ترتبط درجة لمعانها بمرور الوقت، ولاحظت أيضًا أن النجوم التي تدور ببطء تبدو أكثر إشراقًا.

في الوقت، الذي لم يعرف أي شخص مبررًا لذلك، لكن مع ذلك، أتاح هذا الاكتشاف لعلماء الفلك استنتاج المسافات للنجوم البعيدة، وبالتالي معرفة حجم مجرتنا.

كانت ملاحظة هنريتا المفاجئة الحقيقية، إذ كان اكتشافًا بالمعنى الكلاسيكي.

 

لكنه جاء فقط بعد قضائها لسنواتٍ تقارن ألاف الصور بعنايةٍ لهذه البقع الضوئية، وتبحث عن نماذج في الظلام.

عملية الاكتشاف العلمي ليست قاصرة على عمل العلماء المهنيين في المختبرات.

من خلال الخبرة والتجربة اليومية تستنتج أن سيارتك لن تعمل لأن مضخة الوقود فاسدة، أو استنتاج أن أم أربعة وأربعين الموجودة في الفناء الخلفي لمنزلك تفضل الأماكن الظليلة وبذلك تشارك السمات الرئيسية مع الاكتشافات العملية الكلاسيكية كاكتشاف الشكل الحلزوني للحمض النووي DNA.

تتضمن تلك النشاطات في طياتها تقديم الملاحظات وتحليل الأدلة، وجميعها تمنح شعورًا بالرضا للعثور على إجابةٍ منطقيةٍ وتفسيرًا للحقائق.

في الحقيقة، يجادل بعض علماء النفس أن طريقة تعلم الفرد (خاصة كالأطفال) تشبه كثيرًا مراحل العلم:

كلاهما يتضمن تقديم ملاحظات، ومراعاة الأدلة، واختبار الأفكار والالتزام بكل ذلك العمل.

يُتبَع…


ترجمة: نهى سليمان
تدقيق: بدر الفراك

المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث