كيف تستطيع الحيوانات أن ترى في الظلام؟


في ليلة مظلمة، تكون مستويات الضوء أخفت بأكثر من مئة مرة من ضوء النهار الساطع. وبالرغم من أننا نكاد نكون عميان وعاجزين في الظلام، فالقطط في الخارج تطارد فريستها والفراشات تطير برشاقة بين الأزهار على شرفاتنا.

بينما ننام نحن، ملايين الحيوانات الأخرى تعتمد على أنظمتها البصرية للنجاة، والأمر نفسه صحيح بالنسبة للحيوانات التي تعيش في الظلام السرمدي في أعماق البحار. في الواقع، الأغلبية الساحقة من الحيوانات تنشط في الدرجة الأولى في الضوء الخافت. كيف بإمكانها أن تتمتع بهذا الأداء البصري المدهش، وبشكل خاص الحشرات بعيونها الصغيرة وأدمغتها الأصغر من حبة الأرز؟

ماهي الاستراتيجيات العصبية والبصرية التي تملكها، وتتيح لها أن ترى بشكل جيد في الضوء الخافت؟

للإجابة على هذه الأسئلة، سلط الانتباه على الحشرات الليلية. بالرغم من أجهزتها البصرية المصغرة، فقد تبين بأن الحشرات ترى بشكل مذهل في الضوء الخافت.
اكتشفنا في السنوات الأخيرة، بأنه بإمكان الحشرات الليلية أن تتجنب وتتخطى العقبات خلال الطيران، تمييز الأزهار، تحري أية حركة طفيفة، تعلم النقاط المرجعية البصرية واستخدامها للعودة.

بإمكانها أيضا أن تستخدم الدليل القطبي السماوي الذي يزوده القمر، لتوجيه أنفسها وأن تتنقل بمساعدة أبراج النجوم في السماء. يبدو أن هذا الأداء البصري، في كثير من الحالات، يتحدى ماهو محتمل فيزيائيا.

على سبيل المثال، تمتص نحلة Megalipta genalis- نوع من النحل ذو النشاط الليلي، ينتشر في أمريكا الوسطى ويتغذى على الأملاح الناتجة عن التعرق- خمسة فوتونات فقط(جسيمات ضوئية) إلى داخل عيونها الصغيرة، عندما يكون الضوء في أخفض مستوياته-بمثابة إشارة بصرية ضئيلة زائلة.

وحتى في جوف الليل، بإمكانه التنقل عبر الغابة المطرية الكثيفة والمتشابكة في رحلة للبحث عن المؤن، وجعل طريق عودتها إلى عشها آمن -عصا مجوفة مخفية معلقة بالأشجار المنخفضة للغابة.
لاكتشاف كيف يمكن لهذا النوع من الأداء أن يكون ممكنا، بدأنا مؤخرا بدراسة حشرات ذات نشاط ليلي من فصيلة الصمليات.

تكون هذه الحشرات الجميلة- الطيور الطنانة للعالم اللافقاري- على هيئة فراشات ملساء سريعة الطيران في رحلة بحث دائمة عن الأزهار المحملة بالرحيق. عند إيجاد زهرة ما، تحوم الفراشة أمامها، ثم تقوم بمص رحيقها باستخدام خرطومها- أنبوب شبيه بالفم- .

Deilephila elpenor حشرة ذات نشاط ليلي منتشرة في أوروبا، وهي مخلوق جميل مغطى بريش ذو لونين ورديو أخضر متدرج، وتقوم بكل مهامها لجمع الرحيق في جوف الليل. منذ عدد من السنين الماضية، اكتشفنا بأنه بإمكان هذه الحشرة أن تميز الأزهار ليلا، وبذلك تكون الحيوان ذو النشاط الليلي الأول المعروف بفعله ذلك.

إلا أننا كشفنا مؤخرا سرا آخر من أسرارها: وهو الحيل العصبية التي تستخدمها لترى بشكل جيد في الضوء الخافت جدا.

تستخدم الحشرات ذات النشاط الليلي،كالميغالوبتاMegalopta بالتأكيد هذه الحيل.
اكتشفنا من خلال دراسة فيزيولوجيا السيالة العصبية للمراكز البصرية في الدماغ، بأن حشرة ال Deilephila بإمكانها أن ترى بشكل موثوق في الضوء الخافت من خلال التجميع الفعال للفوتونات التي قامت بجمعها من نقاط مختلفة من الفضاء والزمن.

بالنسبة للوقت، فهي تشبه بشكل بسيط زمن الإغلاق لكاميرا في الضوء الخافت. بالسماح للمصراع أن يبقى مفتوحا لوقت أطول، سيصل المزيد من الضوء إلى متحسس الصور/جهاز استقبال الصورة وتنتج لدينا صورة أكثر سطوعا.
الجانب السلبي هو أن أي شيء يتحرك بسرعة ك سيارة عابرة، لن تتم معالجته وبالتالي لن تتمكن الحشرة من رؤيته.

التجميع العصبي:

لإضافة فوتونات مع بعضها في الفضاء، يمكن لحساس نقاط شاشة الصورة الفردية (Pixels) أن تُجمع مع بعضها لتشكيل نقاط شاشة خارقة بعدد أقل لكن بحجم أكبر، ما يعني حساسية أكثر للضوء. مجددا، الجانب السلبي لهذه الاستراتيجية هو أنه بالرغم من أن الصورة تصبح أكثر سطوعا، فإنها تصبح أكثر تشويشا و تختفي تفاصيلها الدقيقة.
لكن بالنسبة للحيوانات ذات النشاط الليلي التي تبذل جهد لترى في الظلام، فإن رؤية عالم أكثر سطوعا بشكل بطيء وغير مصقول أفضل من رؤية لاشيء على الإطلاق(والذي هو البديل الوحيد).

كشف عملنا الفيزيولوجي بأن هذا التجميع الزمني الفضائي للفوتونات مفيد جدا لل Deilephila ليلية النشاط.
في كل مستويات الشدة الضوئية الليلية، من الغسق إلى الليل المضاء بالنجوم، يزيد التجميع بشكل جوهري قدرة هذه الحشرة على الرؤية في الضوء الخافت. في الواقع، بفضل هذه الآليات العصبية بإمكان ال Deilephila أن ترى في شدة ضوئية أخفت بمئة مرة مما تستطيعه في حالات أخرى.

فوائد هذا التجميع عظيمة جدا، بحيث أن باقي الحشرات ذات النشاط الليلي كاليمغالوبتا Megalopta، تعتمد عليه أيضا لترى بشكل جيد في الضوء الخافت.
العالم الذي تراه الحشرات ليلية النشاط ربما لا يكون بذات الحدة والمعالجة الجيدة التي تراه به أقرانها ذات النشاط النهاري، ولكن التجميع يضمن لها درجة سطوع كافية للتحري، اعتراض الأقران الأقوى، مطاردة والتقاط الفريسة، التنقل من وإلى العش، وللتغلب على العقبات أثناء الطيران.
بدون هذه القدرة، ستكون عمياء كبقية الكائنات.


ترجمة: رنيم جنيدي
المصدر