أرقام قياسية في درجة الحرارة بالقطب الجنوبي
إلى أين نحن ذاهبون؟


سمعنا كثيرًا أن القارة القطبية الجنوبية في حالة يرثى لها الآن، مع الصدع الهائل في الجرف الجليدي (لارسن- Larsen) الذي ازداد طوله 10 كيلومترات (6.2 أميال) في 2017، وعرض فوهته 2 كيلومتر (1.2 ميل)، مما يشير إلى أن اليابسة في جنوب الكوكب ليست مستقرة كما كنا نعتقد.

وسجلت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الآن «درجات حرارة قياسية» في القارة القطبية الجنوبية، وتعتبر هذه الدرجات مقلقة ـ في التاريخ الحديث، وصلت حرارة أبرد قارة في العالم إلى 19.8 درجة مئوية فوق الصفر (67.6 درجة فهرنهايت) و17.5 درجة مئوية (63.5 فهرنهايت).

 

يقول (راندي سيرفيني- Randy Cerveny) من جامعة أريزونا والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «درجات الحرارة التي قمنا بإعلانها اليوم هي الحد المطلق الذي تم تسجيله في القارة القطبية الجنوبية.

مقارنة هذه النتائج مع أماكن أخرى في أنحاء العالم ورؤية كيفية تغيّرها مع القارة القطبية الجنوبية يعطينا فهما أفضل لكيفية تفاعل المناخ، وكيفية تأثير التغييرات في جزء واحد في العالم على الأماكن الأخرى».

وهناك بعض الأخبار الجيّدة، هذه الحرارة القياسية (19.8 درجة) لم يتم تسجيلها في السنوات القليلة الماضية، رغم فصول الصيف «المجنونة» التي عشناها مؤخرًا.

جاء في تقارير المنظمة أن أعلى درجة حرارة في التاريخ في المنطقة القطبية الجنوبية، ويقصد بها جميع الأراضي والجليد جنوب خط العرض 60 درجة، تم تسجيلها في 30 كانون الثاني/يناير سنة 1982 بمحطة الأبحاث سينيي Signy Research Station.

 

لكن أعلى درجة حرارة في القارة القطبية الجنوبية، والتي تُعرّف بأنها الأرض القارية الرئيسية والجزر المجاورة لها، كانت يوم 24 آذار/مارس سنة 2015 وقد بلغت 17.5 درجة مئوية، وتم تسجيلها مؤخرا في قاعدة (اسبيرينزا الأرجنتينية Argentine Research Base Esperanza ) الموجودة في الطرف الشمالي من شبه الجزيرة القطبية الجنوبية.

شبه الجزيرة القطبية الجنوبية هي الطرف الشمالي الغربي القريب من أمريكا الجنوبية، وهي الآن واحدة من أسرع المناطق ارتفاعاً في درجة الحرارة في الكوكب، حيث ازدادت حرارتها 3 درجات مئوية خلال الخمسين سنة الماضية.

وحلَّ هذا الرقم الجديد (17.5 درجة مئوية) مكان الرقم السابق الذي بلغ 15 درجة مئوية (59 درجة فهرنهايت) وتم تسجيله في محطة (فاندا- Vanda) في الخامس من كانون الثاني/يناير سنة 1974.

أعلى درجة حرارة في هضبة القارة القطبية الجنوبية، هي منطقة واسعة من القارة تُعرّف على ارتفاع 2500 متر أو أكثر، بلغت 7 درجات مئوية (19 فهرنهايت)، وتم تسجيلها في 28 كانون الأول/ديسمبر سنة 1980 في محطة( Automatic Weather Station-AWS).

تم تسجيل أقل درجة حرارة في المنطقة القطبية الجنوبية ـ وفي العالم بأسره ـ بلغت -89.2 درجة مئوية (-128.6 فهرنهايت)، وسُجِّلت في 21 تمّوز/يوليو سنة 1983 في محطة فوستوك Vostok.

وفي الحين الذي أعلنت فيه المنظمة بشكل رسمي أن هذه هي الدرجات الأعلى والأدنى التي تم تسجيلها، أشار باحثوها إلى أنه من المحتمل أن الحرارة قد بلغت درجات أكثر قساوة في منطقة القطب الجنوبي.

 

وقالوا: كما هو الحال في جميع تقييمات المنظمة، يتم تحديد الدرجات الأدنى والأعلى استنادًا على الأحداث ذات البيانات عالية الجودة.

درجات الحرارة هذه هي نتيجة سنوات من البحث من طرف لجنة التقييم الدولية لعلماء المناخ والأرصاد الجوية التابعة للمنظمة، لتعطينا هذه الأرقام القياسية الجديدة للقارة.

وبعد التحقق من القياسات بعناية من عدة مصادر مختلفة من أجل الحصول على الأرقام الأكثر دقة حتى الآن، كشفت المعايير الجديدة للمنظمة عن مدى ضخامة مجال درجات الحرارة في أبرد منطقة على كوكب الأرض.

بطريقة ما، مكان يتراوح متوسط درجة حرارته من 10- درجات على الساحل إلى 60- درجة في أعلى أجزاء المناطق الداخلية، تمكن من بلوغ 19.8 درجة مئوية ـ وهي مماثلة لدرجة الحرارة التي تم تسجيلها في سيدني الأسبوع الماضي حيث يقترب فصل الصيف من نهايته.

ويوضح سيرفيني أن اثنتين من درجات الحرارة الثلاث الأقصى التي تم تسجيلها كانت نتيجة رياح (الفوهن -foehn)، والمعروفة أيضا باسم رياح (شينوك- Chinook)، وهي الرياح التي تهبط من فوق المنحدر وتصل إلى أسفله شديدة الحرارة، بإمكانها أن تسخن المنطقة بسرعة فائقة.

كما ذكر مارشال شيبرد لمجلة فوربس، هذه الرياح متكررة ولكن لم تُدرس جيداً في القارة القطبية الجنوبية، ويبدو أنها تحصل على حرارتها من ظاهرة تسمى الضغط الأدياباتي أو الضغط ثابت الحرارة adiabatic compression، حيث ينتقل الهواء إلى الأسفل من جانب واحد للجبل ثم يصبح دافئاً وجافاً.

وقال إرين بيتيت من جامعة ألاسكا العام الماضي:«الحاجز الوحيد الذي تصطدم به هذه الرياح هو شبه الجزيرة القطبية».

ونحن، البشر، لسنا في مأمن من هذا، لأن هذه الرياح تحدث بسبب التغييرات الطفيفة في الغلاف الجوي بسبب تزايد ظاهرة الاحتباس الحراري.

والآن، بعد أن رأينا النتائج في القطب الجنوبي،يحذر الباحثون أن هذه علامة إنذار واضحة لجميع المناطق على الكرة الأرضية.

 

يقول سيرفيني في بيان صحفي: «نطلق على المناطق القطبية اسم (الكناري) في بيئتنا العالمية. وبسبب حساسيتها للتغييرات المناخية، يمكن أن نلاحظ التأثيرات الأولى لتغيرات بيئتنا في المناطق القطبية الشمالية والجنوبية.

معرفة التقلبات المناخية في هذه المناطق تصبح مهمةً جداً بالنسبة للعالم بأسره. كلما عرفنا أكثر عن هذه المناطق المهمة لبيئتنا، كلما أصبح بإمكاننا أن نفهم كيفية ترابط كل البيئات في العالم».


ترجمة: محمد أمين امكرود
تدقيق: أسمى شعبان

المصدر