هل هذه مادة مظلمة؟ هذا ما اكتشفه تلسكوب فيرمي


وجد تلسكوب ناسا لأشعة جاما “فيرمي” إشارة صادرة عن مركز المجرة الجارة أندروميدا، والتي قد تشير إلى وجود أشياءَ غريبة تعرف بالمادة المظلمة. إشارة أشعة جاما شبيهة بتلك التي التقطها فيرمي في مركز مجرتنا درب التبانة.

أشعة جاما هي أقوى أشكال الضوء من حيث قوة الطاقة، تنتج من أكثر الظواهر الكونية نشاطا. تعتبر شائعة في مجرات مثل درب التبانة، لأن الأشعة الكونية، تلك الجزيئات التي تتحرك بسرعة الضوء تقريبًا، تنتج أشعة جاما عند تفاعلها مع سحب الغازات البين نجمية وضوء النجوم.

بشكلٍ مفاجىء، آخر بيانات فيرمي تظهر أن أشعة جاما في أندروميدا ــ المعروفة أيضًا بـ M31 ــ محصورة في مركزها فقط، بدلًا من أن تكون منتشرة عبر المجرة. ولتفسير هذا التوزيع غير المعتاد، يتقرح العلماء أن انبعاث الأشعة قد يكون من مصادر متعددة غير محددة. قد يكون من بين تلك المصادر المادة المظلمة، التي تعرف كذلك بكونها المادة التي تشكل معظم مافي الكون.

في هذا الشأن، يقول عالم الفيزياء الفلكية بييريك مارتن (Pierrick Martin) قائد البحث، من المركز الوطني للبحث العلمي و معهد البحوث في الفيزياء الفلكية و علم الكواكب بمدينة تولوز الفرنسية : “نتوقع أن تتجمع المادة المظلمة في المناطق الموغلة لدرب لتبانة و المجرات الأخرى، لذلك يعتبر اكتشاف إشارة قوية كهذه أمرًا مثيرًا”. ليضيف في موقعٍ آخر : ” M31 قد تكون مفتاحًا لفهم ما يعني ذلك لكل من أندروميدا و درب التبانة”.

مصدرٌ آخر ممكن لهذه الإشارة قد يكون التركيز الغني للنجوم النابضة في مركز أندروميدا.
النجوم النيوترونية الدوراة، والتي تمتلك كتلة تفوق كتلة الشمس بمرَّتين وهي من بين أكثر الأشياء كثافةً في الكون. ملعقة شاي واحدة من مادة نجمٍ نيوتروني قد تزن مليار طن على الأرض. بعض النجوم النابضة تلفظ بعضًا من طاقتها على شكل أشعة جاما.

وبسبب ابتعاد M31 بـ 2.5 مليون سنة ضوئية عن الأرض، من الصعب العثور على نجوم نابضة منفردة. من أجل اختبار إذا ما أتت أشعة جاما من هذه النجوم، يمكن أن يطبق العلماء ما يعرفونه من الملاحظات في درب التبانة إلى الملاحظات الرادوية و ملاحظات الأشعة السينية لأندروميدا.

الآن وقد رصد فيرمي أثر لأشعة جاما متشابهة في كل من M31 و درب التبانة، بإمكان العلماء استعمال هذه المعلومة في حل بعض الألغاز في المجرتين. على سبيل المثال، تلفظ M31 بعضًا من أشعة جاما من خلال قرصها الواسع، حيث تتشكل معظم النجوم، مما يشير إلى وجود أشعة كونية أقل هناك.

وبسبب ربط الأشعة الكونية على الأغلب بتشكل النجوم، غياب أشعة جاما في المناطق الخارجية لـ M31، يتقرح إما إنتاج المجرة للأشعة الكونية بشكلٍ مختلف، أو أنها تهرب من المجرة بشكلٍ أسرع. دراسة أندروميدا قد تساعد العلماء في دراسة دورة حياة الأشعة الكونية و كيفية ارتباط ذلك بتشكل النجوم.

في هذا الصدد يقول شيان هو (Xian Hou)، عالم الفيزياء الفلكية من مراصد يونان، بالأكاديمية الصينية للعلوم في كونمينغ، وهو كذلك من أعضاء فريق البحث : “نحن لا نفهم الدور الذي تلعبه الأشعة الكونية في المجرات بشكلٍ كامل، أو كيفية سفرها عبر تلك المجرات”. ليضيف : “M31 تسمح لنا برؤية سلوك الأشعة الكونية تحت شروط مختلفة عن تلك الموجودة في مجرتنا”.

الاكتشافات المتشابهة في كل من درب التبانة و M31 تعني إمكانية استعمال العلماء للمجرتين كنماذج لبعضها البعض عند القيام بملاحظات صعبة. بينما يمكن لفيرمي أن تقوم بملاحظات حساسة و دقيقة لمركز درب التبانة، يبقى مظهرها مشوشًا بشكل جزئي بسبب الانبعاثات من قرص المجرة. في المقابل، تراقب التلسكوبات أندروميدا من موقع مراقبة خارجي يستحيل الحصول عليه في درب التبانة.

وتصرح كذلك ريجين كابوتو (Regina Caputo)، المشاركة في البحث، و العالمة من مركز جودارد لرحلات الفضاء لوكالة ناسا : “مجرتنا شبيهة للغاية بأندروميدا، وهذا يساعدنا للغاية من أجل دراستها، لأنه بإمكاننا تعلم الكثير عن مجرتنا وتكوينها”. لتضيف في موضعٍ آخر : “إنه كالعيش في عالمٍ لا وجود فيه للمرايا لكنك تملك توأم، و بإمكانك رؤية كل ما هو فيزيائي في التوأم”.

في حين يبقى إجراء مراقبات إضافية أمرا ضروريًا من أجل تحديد مصدر أشعة جاما الفائضة، يمنح الاكتشاف بدايةً مشوقة لنتعلم أكثر حول المجرات، وربما حول الطبيعة الغريبة للمادة المظلمة.

“لدينا الكثير لنتعلمه حول سماء أشعة جاما،” يقول كابوتو. “كلما كانت لدينا معلومات أكثر، كلما ازدادت المعلومات التي نضعها في نماذج لمجرتنا”.


إعداد: وليد سايس.
التدقيق: أسامة القزقي.
المصدر