هل وصلنا إلى إنهاء مقاومة المضادات الحيوية؟
جزيء يقضي على المقاومة لدى العديد من السلالات البكتيرية


قام العلماء بتطوير جزيء قادر على عكس عملية مقاومة المضادات الحيوية لدى العديد من السلالات البكتيرية في الوقت ذاته، الأمر الذي يشكل تقدمًا واعدًا جدًا حتى يومنا هذا في مجال الحرب ضد البكتيريا الخارقة (Superbugs).

 

وقد جاء هذا الإعلان في الوقت المناسب؛ فقد أفاد الباحثون في الأسبوع الماضي عن مقتل امرأة أمريكية بسبب أحد أنواع البكتيريا المقاومة لجميع المضادات الحيوية المتاحة، وأن هذه المقاومة تنتشر حاليًا بشكل أسرع وبشكل خفي أكثر من المتوقع. ففي الحرب ضد البكتيريا الخارقة، نحن نخسر حاليًا.

وحتى بالنسبة إلى مسؤولي الصحة العامة المعروفين باتباعهم نهج الحفاظ على الهدوء بشأن التهديدات الصحية المستجدة، فقد بدأوا يرتعدون خوفًا. وقد توقع أحد التقارير الصادرة في عام 2014 أن البكتيريا الخارقة سوف تقتل 300 مليون شخص بحلول عام 2050، كما أعلنت الأمم المتحدة في وقت سابق القضية التي تُعرف باسم “التهديد الجوهري”.

 

تكمن المشكلة في أن العدوى البكتيرية التي كنا قادرين على التعامل معها بسهولة في الماضي كالالتهاب الرئوي والإشريشيا القولونية (E. coli) وداء السيلان، باتت قادرة على تطوير قدرتها على النجاة من المضادات الحيوية بشكلٍ سريع.

وفي حال لم نتوصل إلى خيارات دوائية جديدة في وقت قريب، فسوف نستنفذ بسرعة كبيرة جميع طرق حماية أنفسنا!

وقد صرح الباحث الرئيسي بروس غيلر (Bruce Geller) من جامعة ولاية أوريجن الأمريكية: «لقد فقدنا القدرة على استخدام العديد من المضادات الحيوية السائدة لدينا».

ويُردف قائلًا: «بات كل شيء مقاومًا لها حاليًا، ولم يعد بالإمكان سوى محاولة تطوير أدوية جديدة للبقاء خطوة واحدة أمام البكتيريا. ولكن كلما بحثنا أكثر، فإننا لا نجد أي شيء جديد.

لذا يتوجب علينا القيام بتعديلات على المضادات الحيوية الحالية، ولكن بمجرد إجراء أي تغيير كيميائي فإن البكتيريا تتحوَّر وتصبح مقاومة للمضاد الحيوي الجديد المُعدَّل كيميائيًا».

 

إن من إحدى الطرق التي تتمكن من خلالها البكتيريا من نشر مقاومة المضادات الحيوية هو عن طريق مورثة تقوم بإنتاج إنزيم يُعرف باسم نيودلهي ميتالو بيتا لاكتاماز أو اختصارًا (NDM-1).

يُسبب إنزيم NDM-1 قلقًا كبيرًا، إذ أنه يجعل البكتيريا مقاومة لفئة من البنسلين معروفة باسم الكاربابينيمات (carbapenems) والتي تُشكل أدوية الملاذ الأخير التي بحوزتنا وبسبب إنزيم (NDM-1) فإننا نفقد بسرعة هذا الملاذ الأخير.

يقول غيلر: «تكمن أهمية إنزيم (NDM-1) في كونه قادرًا على تدمير الكاربابينيمات، لذلك اضطُر الأطباء إلى سحب مضاد حيوي وهو الكوليستين (colistin) والذي لم يُستخدم منذ عقود لأنه يُعتبر سامًا للكلى».

ويتابع قائلًا: «يُعتبر الكوليستين حرفيًا المضاد الحيوي الأخير الذي يمكن استخدامه مع الكائنات الحية التي تمتلك تعبيرًا عن إنزيم (NDM-1)، إذ أننا نملك حاليًا بكتيريا مقاومة لجميع المضادات الحيوية المعروفة».

ومن أجل محاربة ذلك، قام غيلر وزملائه ببناء جزي يقوم بمهاجمة إنزيم (NDM-1) وعكس عملية مقاومة المضادات الحيوية لدى العديد من سلالات البكتيريا، وبالتالي فهو يقدم لنا الفرصة لاستعمال المضادات الحيوية مجددًا والتي تُعتبر حاليًا غير مُجدية.

إن هذا الجزيء هو نوع من أنواع peptide-conjugated phosphorodiamidate morpholino oligomer أو ما يُعرف اختصارًا بـ (PPMO)، وهو يعمل على تعطيل إنزيم (NDM-1).

لقد اضطُر الباحثون سابقًا إلى استخدام الـ (PPMO) المتواجد بشكل طبيعي لمحاربة البكتيريا الخارقة، ولكنه لم يكن فعالًا سوى على سلالة معينة من البكتيريا بخلاف هذا الجزيء الجديد.

يقول غيلر: «نحن نستهدف آلية مقاومة مشتركة لدى مجموعة كاملة من العوامل الممرضة»، ويتابع قائلًا: «إنه نفس المورث الذي يتواجد عند أنواع مختلفة من البكتيريا، وبالتالي فإننا نحتاج إلى (PPMO) واحد فقط فعال ضد جميع السلالات، وذلك بخلاف أنواع الـ (PPMO) الأخرى والتي تكون مخصصة لجنس معين من البكتيريا».

 

لقد قام فريق الباحثين باختبار الـ (PPMO) الجديد على ثلاثة أجناس مختلفة من البكتيريا ضمن طبقٍ بتري وقد عبرت جميعها عن الإنزيم (NDM-1) وكانت مقاومة للكاربابينيمات.

حيث استخدم الباحثون جزيئًا جديدًا إلى جانب نوع من أنواع الكاربابينيمات يُعرف باسم الميروبينيم (Meropenem)، وقد بيَّنوا أن هذا الجزيء استعاد قدرة المضاد الحيوي على قتل البكتيريا.

وفي وقت لاحق، استعمل الباحثون مزيجًا مكونًا من الـ PPMO الجديد بالإضافة إلى الميروبينيم، وقاموا بإدخال هذا المزيج للفئران المصابة ببكتيريا الـ (E. coli) المقاومة للمضادات الحيوية، وقد تبيَّن أن هذا المزيج قادر على معالجة العدوى البكتيرية بفعالية وبالتالي تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة بالنسبة للفئران.

يشير ذلك إلى أن الـ PPMO يمكن أن يُستعمل في المستقبل جنبًا إلى جنب مع المضادات الحيوية المتوفرة بهدف جعل البكتيريا حساسة لها مرة أخرى.

يقول غيلر: «يمكن لجزيء الـ PPMO استعادة الحساسية للمضادات الحيوية التي تمت الموافقة عليها بالفعل، وبالتالي يمكننا الحصول على جزيء PPMO مُعتمد ومن ثم العودة إلى استعمال المضادات الحيوية التي كانت غير مُجدية في السابق».

ولكي نكون واضحين، فإن كون هذه الاستراتيجية تعمل في المختبر وعلى الفئران لا يُعتبر دليلًا كافيًا على أنها سوف تعمل لدى البشر أيضًا على الأقل في الوقت الحالي، ولكن الفريق يقول أنه يمكن أن تكون جاهزة للتجارب السريرية خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وحتى ذلك الحين، علينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث. ولكن يُعتبر هذا أول خبر من الأخبار الجيدة بخصوص البكتيريا الخارقة سمعناه منذ فترة طويلة، ولذا فإننا سوف نراقب التقدم عن كثب.


ترجمة: زينب النيّال
تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر