ما الذي يجعل القلب متماسكًا؟ دراسة مهمة حول العضلة القلبية


تنبض قلوبنا طوال حياتنا.
ومع كل نبضة، تتقلص عضلة القلب وتنبسط.
ما تزال إمكانية عمل هذه العضلة طوال الحياة لغزًا إلى حد كبير.
وقد قام باحثون في الجامعة التقنية في ميونيخ (TUM) بقياس القوى المؤثرة بين بروتيني التيتين (الكونيكتين) titin والأكتينين ألفا α-actinin المسؤولين عن استقرار العضلات.

يعد جسم الإنسان موقع بناء لا نهائي: تتحلل البروتينات ويتم استبدالها بشكل دائم.
ولكن عملية إعادة البناء المستمرة هذه لا تكبح وظائف الجسم.
فيستمر القلب بالنبض ولا يتوقف التنفس، ويمكننا الاعتماد على عيوننا وآذاننا على مدار الساعة.

أثارت كيفية قيام الجسم بالحفاظ على خيوط البروتينات في العضلات حتى أثناء استبدال قطع البناء المفردة اهتمام البروفيسور ماتياس ريف لسنوات عديدة.
«يجب أن تكون هناك قوى تعمل على استقرار السلاسل الفردية والخيوط، وإلا فسوف تنهار العضلات.
ولكن، حتى الآن، لم يتمكن أحد من تتبع مصدر هذه القوى».
هذا ما أقره رئيس قسم الفيزياء الحيوية في جامعة ميونيخ.
بالتعاون مع فريقه، وهو قد عرف الآن السر وراء تماسك العضلات.

ملقط بصري يكشف سر ارتباط القوى

كما اتضح، فإن اثنين من البروتينات هي مسؤولة عن السماح للعضلات بالتوسع دون الانهيار.
الأول هو التيتين (كونيكتين)، البروتين الأطول في الجسم البشري، والثاني هو الأكتينين ألفا، وهو البروتين الذي يثبت التيتين على النسيج العضلي.

ودرس الباحثون في جامعة TUM التفاعلات بين هذه البروتينات باستخدام جهاز صمم خصيصًا: يملأ «الملقط البصري» غرفة بمساحة 20 مترًا مربعًا في الطابق السفلي من المعهد.
وهناك توجد مصادر الليزر والبصريات والكاميرات والشاشات.
قلب هذا البناء هو غرفة قياس مليئة بسوائل وكريات صغيرة من الزجاج.
وتلتصق جزيئات التيتين والأكتينين ألفا على سطح هذه الكريات.
تقوم كل من أزواج أشعة الليزر التي تخترق خلية القياس بالتقاط كرية لتمسكها بسرعة.

تتوفر القوة اللازمة بواسطة شبكة

«باستخدام أشعة الليزر يمكننا وضع الكريات قريبة من بعضها البعض بما فيه الكفاية لكي يرتبط البروتينان».
هذا ما وضحه ماركو غريسون، الذي يجري أبحاثًا في الترابط بين قطع بناء العضلات ضمن سياق أطروحة الدكتوراه.
«وفي الخطوة الثانية، نزيد المسافة بين أشعة الليزر، وبالتالي بين الكريات، حتى تتمدد البروتينات إلى أقصى حدودها، يمكننا عندها حساب قوة الترابط بين التيتين والأكتينين ألفا من هذه المسافة».

يمكن لرابطة البروتينات أن تقاوم قوة تبلغ 5 بيكو نيوتن- أي ما يعادل تقريبًا واحد من المليار من وزن لوح من الشوكولاته.
«لقد تركتنا هذه النتيجة مندهشين للغاية، لا ينبغي أن تكون هذه القوى الصغيرة قادرة على إبقاء العضلات متماسكة لفترة طويلة».
هذا ما قاله ريف.

ورغم ذلك، فإن ارتباط البروتين هو المفتاح للفهم: في العضلات، يتم ارتباط كل خيط من التيتين بما يقارب 7 خيوط من بروتينات الأكتينين ألفا.
حدد ذلك علماء البيولوجيا البنيوية في جامعة فيينا، والذين يتعاون باحثو جامعة ميونخ معهم.
وهذا يزيد من القوة سبعة أضعاف.
فتصبح كافية للسماح للقلب بأن ينبض وحتى أن يحلل ويستبدل السلاسل الجزيئية الفردية – إلى جانب عمله الطبيعي، إذا جاز التعبير.

الإصلاحات أثناء العمل الطبيعي

«تكون الروابط بمجملها كافية لتحقيق الاستقرار في العضلات»، هذا ما وضحه ريف.

«شبكة البروتين ليست مستقرة فحسب، ولكنها أيضًا حيوية للغاية.
فتظهر قياساتنا أن البروتينات تفك الروابط فيما بينها عندما يتم سحبها بعيدًا.
ولكن، بمجرد أن تضعف قوة التمدد، فإنها تعاود الارتباط».
هذه الألفة بين جزيئات البروتين تضمن عدم تمزق العضلات، وإنما عودتها إلى شكلها الأصلي بعد أن تتمدد.

لا يقتصر هذا الرابط الوثيق بين البروتينات على القلب.
فالتفاعل بين التيتين والأكتينين ألفا يعمل على استقرار كل العضلات عندما تتمدد – سواء أثناء التنفس، المشي، الإمساك (بشيء ما) أو الضحك.

البحوث الأساسية للطب في المستقبل

قد يستفيد المرضى من هذه النتائج يومًا ما: «تقدم البحوث الرئيسية الأساس لفهم الأمراض الوراثية مثل ضمور العضلات وقصور القلب الاحتقاني».
هذا ما قاله ريف.
وأضاف: «يمكن لذلك أن يساعد الأطباء والصيادلة على تطوير علاجات جديدة».


إعداد: ديانا نعوس
تدقيق: جعفر الجزيري
المصدر