النظرية الوحيدة في ميكانيكا الكم التي تبدو منطقيةً نوعًا ما


ميكانيكا الكم علمٌ مُحيّر.

فعلى المستوى الذري والمستوى دون الذري تبدو المادة وكأنها تتصرف بطريقةٍ نعتبرها نحن في العالم الميكروي مستحيلة.
يمكن للجسيمات أن تتواجد في أماكن مختلفةٍ في الوقت ذاته، وتداخلاتُ أشباه الجسيمات في المكان يُعتقد أنها تنتقل لحظيًا من حالة الوجود إلى العدم.

لنوضح ذلك ببساطة، تعامل علماء الفيزياء مع هذا السلوك الغريب للجسيمات من خلال قبول فكرة أنَّه يمكن للمادة في الواقع أن تتواجد بخواصَّ متعددةٍ في نفس الوقت.
وقد وضع العلماء هذا السلوك في صيغةٍ رياضيةٍ باستخدام دوالَّ ومعادلاتٍ موجيةٍ ذات قيمٍ متعددةٍ تجعل تلك المعادلات صحيحة.
تسمى الخصائص المتعددة لتلك الجسيمات الذرية بالحالات الكميَّة، وتقول نظرية التراكب الكمِّي أنَّ الجسيمات يمكن أن تتواجد في أكثر من حالة كميَّةٍ في نفس الوقت.
تُمثِّل الدَّالة الموجية كل الحالات الكميَّة الممكنة للجسيم، أمَّا حينما يتم قياس الجسيم، فإن الدَّالة الموجية تنهار لأنَّ المادة في الواقع تتواجد بكل الاحتمالات الممكنة.

ولكن هناك نظريةٌ واحدةٌ لا تتطلب منك قبول تلك الأفكار العجيبة حول المادة وهي نظرية (دي برولي بوهم – Pilot wave) والتي تُعتبر المادة العلمية للسلسلة الجديدة من مسلسل (PBS’s Space Time).

نظرية المتغيرات الخفية (Pilot wave) تُشير إلى أنه حتى الجسيمات لا تتواجد على أية صورةٍ موجية محتملة، ولكن بدلًا من ذلك هناك جسيمات حقيقيةٌ لديها خصائص محددة وموجاتٌ حقيقية والتي تُؤثر على كيفية تحرُّك الجسيمات.

يمكننا أخذ تجربة الشق المزدوج كمثال.

حينما تمر أشعة الضوء خلال الشقين المتوازيين ثم تسقط على الحائط البعيد فإنها تصنع ما يسمى بنمط التداخل.
ولكن حينما تم إجراء نفس التجربة ولكن باستخدام جسيم فوتونٍ منفردٍ بدلًا من الضوء ليمر خلال الشقين المتوازيين، ظلَّ هنالك نمط التداخل على السطح الساقط عليه الفوتون على الرغم من عدم وجود شيءٍ ليتداخل معه، مما جعل علماء الفيزياء يستنتجون أنَّ الجسيم يتزامن وجوده كدالةٍ موجيةٍ غير مادية (تقوم هذه الدالة بتحديد احتمال وجود جسيم في أية نقطةٍ من الفراغ التي يمكن للجسيم التواجد فيها).

بدلًا من ذلك، تقول نظرية المتغيرات الخفية (Pilot wave) أن الموجات المادية تُضاف إلى الجسيمات وتعمل على تحديد نوعٍ ما من المسارات التي تتبعها الجسيمات فيما بعد في حركتها. فإذا استطعنا معرفة خصائص الجسيم كسرعته واتجاهه وموقعه .. إلخ. فسيكون باستطاعتنا توقع أين سينتهي به المطاف بكل دقة.

وهذا مناقضٌ للفكرة العامة لميكانيكا الكم، والتي تنص على أن دورة كل جسيم منفرد هي بالأساس عشوائيةٌ أو احتمالية.

ولكن هناك بعض المشاكل الكبيرة الخاصة بنظرية المتغيرات الخفية (Pilot wave)، والتي منعتها من الانتشار أو حتى أن يتم قبولها في الأوساط العلمية.
أول من اقترح تلك النظرية “لويس دي برولي” سريعًا ما ألغى الفكرة في سبيل التفسيرات الاحتمالية التي تقول بأن المادة تُظهر خصائص الموجة والجسيمات في نفس الوقت.
حتى “دي برولي” عارض “ديفيد بوهم” حينما أعاد ظهور ووَّسع مفهوم نظريةٍ مضى عليها عقود.

نظرية المتغيرات الخفية (Pilot wave) هي الوحيدة التي تتطلب تواجد (المتغيرات الخفية) حتى تستطيع وصف خصائص الجسيمات.
سوف تفسر المتغيرات التي لم نستطع تحديدها حتى الآن النتائج الاحتمالية للتجارب الكميَّة طبقًا لقواعد الفيزياء الكلاسيكية.
هذه فكرةٌ مثيرةٌ للجدل، على الرغم من الدعم الشهير الذي نالته هذه الفكرة من أينشتاين والذي أعلن قائلًا: «أنا مقتنع بأن الله لا يلعب بحجر النرد».

ولكن بالرغم من تحفظات أينشتاين، فإن النظريات الرياضية المتعددة أثبتت أن المتغيرات الخفية لا يمكنها شرح السلوك الغريب الظاهر في ميكانيكا الكم.
أحدث النظريات وأشهرها “نظرية جون ستيوارت” والتي تستنتج أنه «لا يوجد نظريةٌ ماديةٌ للمتغيرات الخفية المحلية يمكنها حتى استنتاج كل الاحتمالات لميكانيكا الكم».
هذا لا يعني بالضرورة أن نظرية المتغيرات الخفية (Pilot wave) غير صحيحة، ولكنها تتطلب أن تتواجد المتغيرات الخفية خلال الدالة الموجية بدلًا من تطبيقها على الجسيم فقط.

من الممكن أن تكون هناك أكثر من إدانةٍ لنظرية المتغيرات الخفية (Pilot wave) من ضمنها عدم تفسير النظرية النسبية.

ميكانيكا الكم هي دراسة المستوى الذري والدون الذري للجسيمات في حالة السرعات العادية، بينما “نظرية المجال الكمي” تدرس نفس الجسيمات ولكن في حالة السرعات النسبية.
أمَّا نظرية المتغيرات الخفية (Pilot wave) فليس لديها أيُّ نظيرٍ يهتم بدراسة سلوك الجسيمات حينما تقترب سرعتها من سرعة الضوء، وهذا واحدٌ من أسباب عدم استطاعتها تفسير وجود الجسيمات في مكانين مختلفين في نفس ذات الوقت أو الانتقال من الوجود إلى العدم كما يبدو لنا.

نظرية المتغيرات الخفية (Pilot wave) كما يبدو أنها لا تتطلب أن تتواجد المادة بخائص متعددة وبالتالي ستكون غير صحيحةٍ أو في أحسن الأحوال غير مكتملة.

ولكن يبدو أنَّ فهمنا للعالم الكمِّي نفسه مازال ناقصًا بكل تأكيد، ومن الممكن أن يكون “دي برولي” محقًا أكثر مما كان يعتقد.


ترجمة : محمد خالد عبدالرحمن
تدقيق : بدر الفراك
المصدر