لماذا تمتلك المتقدرات حمضًا نوويًا خاصًّا بها؟


إنها واحدة من أكبر الألغاز في علم بيولوجيا الخلية، لماذا تملك هذه البنى البيضوية الشكل والتي تزود خلايانا بالطاقة، المدعوة بالمتقدرات حمضها النووي الخاص بها؟ ثم لماذا حافظت عليه، مع العلم أن الخلية نفسها تحوي على الكثير من المادة الوراثية؟

يمكن لهذه الدراسة الجديدة أن تحمل الأجوبة على هذه الأسئلة.

يعتقد العلماء أن المتقدرات كانت فيما مضى متعضيات مستقلة وحيدة الخلية، ومنذ أكثر من بليون سنة مضت، ابتلعتها خلايا أكبر، وبدلا من أن تُهضم، قامت بالاستيطان وتطوير علاقة منفعة متبادلة مع الخلية المضيفة، والتي أدت في النهاية إلى أشكال حياة أكثر تعقيدا، مثل نباتات وحيوانات اليوم.

وعلى مدى سنوات، تقلص الجينوم الخاص بالمتقدرات، ذلك أن النواة أصبحت تحوي النسبة الأكبر من المادة الوراثية للخلية حاليا –حتى تلك التي تساعد المتقدرات على العمل–.

وعلى سبيل المثال، فإن جينوم المتقدرات عند البشر يحوي 37 جينا فقط، بينما تحوي النواة أكثر من 20 ألف جينٍ، ومع الوقت، فإن معظم جينات المتقدرات انتقلت للنواة، ولكن إذا كانت هذه الجينات قابلة للانتقال، إذن فلماذا ما تزال المتقدرات تحوي على جينات؟ وخصوصا أن الطفرات في بعض هذه الجينات يمكن أن تسبب أمراضا نادرة، ولكنها معقدة وتدمر بشكل كبير دماغ المريض، وكبده، وقلبه، وأعضاء رئيسة أخرى.

وقد طرح العلماء بعض الفرضيات، دون وجود أدلة كافية لدعم واحدة على حساب الأخرى، ولذلك فقد حدد كل من ليان جونستون –عالم بيولوجيا في جامعة بيرمينغهام في المملكة المتحدة– وعالم البيولوجيا بين ويليامز –من مؤسسة »وايت هيد» للبحوث الحيوية الطبية في كامبريدج ماستيتوستش– المشكلة، وذلك من خلال المقارنة الرياضية لمختلف الفرضيات للمرة الأولى، إذ قاما بتحليل أكثر من 2000 جينوم متقدري من الحيوانات، والنباتات، والفطريات، والأولانيات (مثل الأميبا).

وتتبع العالمان المسار التطوري لتلك الكائنات، ووضعا خوارزميةً قامت بحساب احتمال أن تكون الجينات المختلفة، ومجموع الجينات قد فُقدت في نقطة محددة من الزمن. ويقول كيث أدامز –عالم بيولوجيا من جامعة كولومبيا البريطانية، فانكوفر، في كندا– والذي لم يكن مشاركا في البحث: »إنها واحدة من الجوانب المميزة في هذا البحث، ذلك أنه يستعمل التصميم الذي لا يدخل عادة في هذا النوع من الدراسات».

تقوم المتقدرات بإنتاج الطاقة عبر سلسلة من التفاعلات الكيميائية، التي تنقل الإلكترون على طول الغشاء، وأساس هذه العملية هو مجموعة من المعقدات البروتينية، وهي بروتينات كبيرة منغرسة في الغشاء الداخلي للمتقدرات، ثم إن كل الجينات التي بقيت في المتقدرات تسهم بشكل ما في إنتاج الطاقة، ولكن وجد فريق البحث أن الجينات التي بقيت قريبة (داخل المتقدرات)، لها دور أساسي في إنتاج بروتينات هامة لهذه المعقدات البروتينية، أما الجينات المسؤولة عن وظائف إنتاج الطاقة الأكثر هامشية، فكانت على الأرجح تُستبعد نحو النواة.

يقول جونستون: إن المحافظة على هذه الجينات محليّا في المتقدرات، يعطي الخلية متقدرات ذات تحكم ذاتي، وذلك لأن البروتينات الهامّة يتم إنتاجها في المتقدرات نفسها، وهذا التحكم المحلي يعني أن الخلية تستطيع أن تنظم بسرعة وفعالية أكبر، إنتاج الطاقة لحظة بلحظة في المتقدرات المفردة، بدلا من القيام بتغييرات شاملة لمئات أو لآلاف المتقدرات الموجودة ضمن الخلايا، على سبيل المثال يمكن إصلاح المتقدرات التي لا تعمل على نحو صحيح بشكل فردي، بدلاً من تفعيل استجابة خلوية واسعة يمكن أن تؤدي لخلل في استتباب الخلية.

ويقول جون ألين –عالم بيولوجيا في جامعة لندن– والذي لم يكن مشاركا في الدراسة أيضا، إن الأمر مشابه للاستجابة لنشوب حريق ما، فإذا اشتعلت غرفة صغيرة في مبنى كبير، فإنك لا تقوم بالاتصال بمدير المبنى وأخذ الإذن لإطفاء الحريق، ولكنك تمسك مطفئة الحريق وتبدأ بالإطفاء. ويضيف الين أنه يعتقد بأنها آلية تلقيم راجع جوهرية.

وفي بحثه الخاص، وجد ألين أدلة تشير إلى أن إنتاج بعض البروتينات المتقدرية في نفس مكان الحاجة إليها، يساعد الخلية على تنظيم أفضل في إنتاج الطاقة، وهنالك بعض البنى الخلوية الأخرى التي من الممكن أن تستفيد أيضا من هذا النوع من التحكم المحلي، ولكن المتقدرات في تاريخها كخلايا مستقلة، هي الوحيدة التي تملك مركز قيادة خاص بها.

ويشير نموذج جونستون وويليامز إلى عوامل أخرى يمكن أن تكون مهمة أيضا. على سبيل المثال، الجينات التي ترمز للبروتينات المتقدرية الكارهة للماء »تنفر من الماء»، تُخلق على الأرجح في المتقدرات، وإذا تم اصطناعها في أماكن أخرى من الخلية، يمكن أن تعلق أثناء عملية النقل، ولذلك سيكون إنتاجها أكثر فعالية في المتقدرات.

إضافة لذلك، فإن التركيب الكيميائي للجينات يمكن أن يؤثر في احتمالية بقائها في المتقدرات، فالجينات القادرة على تحمل الظروف القاسية داخل المتقدرات، تظل باقية على الأرجح فيها بدلا من تحطيمها. ويعتقد جونستون أن برنامج الكمبيوتر الذي طوره إلى جانب ويليامز، جيد لأكثر من مجرد غربلة الجينوم المتقدري، حيث إن الخوارزمية يمكن أن تحلل أي مشكلة تُكتسب فيها أو تُفقد صفات فردية مع الزمن، إذا كانت هذه الصفات هي جينات أم أعراض لمرض ما، وهو يأمل أن هذا التصميم سوف يكون مفيدا للتوقعات المستقبلية ضمن هذا المجال، مثل رؤية الطرق التي يتطور من خلالها المرض.


المترجم: عماد دهان.
المدقق: محمد علمي.
المصدر