تلسكوب سبيتزر الفضائي: استكشاف السماء بواسطة الأشعة تحت الحمراء!


أُطلق تلسكوب سبيتزر الفضائي الخاص بناسا في عام 2003 لدراسة الكون من خلال الأشعة تحت الحمراء. وكان المهمة الأخيرة من برنامج ناسا للمراصد العظيمة (NASA Great Observatories program)، والذي تضمن أربعة تلسكوبات متخصصة أُطلقت بين عامي 1990 و2003 وكان من بينها تلسكوب هابل الفضائي.

إن مهمة المراصد العظيمة هي رصد الكون من خلال أطوال موجية متمايزة للأشعة الضوئية. يُركِّز سبيتزر على الحزمة تحت الحمراء التي غالبًا ما تمثل الإشعاع الحراري للأجسام.

بينما ترى المراصد الأخرى أشعة الضوء المرئي (من خلال تلسكوب هابل الذي مازال يعمل) والأشعة غاما (من خلال مرصد كومبتون لأشعة غاما المتوقف عن العمل) والأشعة إكس (من خلال مرصد تشاندرا للأشعة إكس الذي مازال يعمل).

كتبت ناسا على موقعها الخاص بسبيتزر «تسمح الأدوات شديدة الحساسية التي يستخدمها سبيتزر للعلماء برؤية المناطق الكونية المخفية عن التلسكوبات البصرية بدقة، ومن ضمنها الحضانات النجمية الغبارية ومراكز المجرات والأنظمة الكوكبية حديثة التشكل.

كما تسمح عين سبيتزر ذات الأشعة تحت الحمراء لعلماء الفلك برؤية الأجسام الأكثر برودةً في الفضاء، كالنجوم الفاشلة (الأقزام البنية) والكواكب الخارجية (خارج المجموعة الشمسية) والسحب الجزيئية الهائلة والجزيئات العضوية التي قد تحمل سر الحياة على كواكب أخرى.»

سُمي التلسكوب نسبةً إلى ليمان سبيتزر جونيور، وهو عالم فيزياء فلكية قدّم مساهمات هامة في مجالات حركة النجوم وفيزياء البلازما والاندماج الحراري النووي وعلم فلك الفضاء كما ورد في سيرته الذاتية في ناسا. وكان أول من طرح فكرة وضع تلسكوب كبير في الفضاء، كما أنه كان القوة المحرضة في تطوير تلسكوب هابل الفضائي.

التطوير والتشغيل

تُبث الأشعة تحت الحمراء من قبل جميع الأجسام التي تفوق حرارتها 0 كالفن (والتي تساوي -460 فاهرينهايت تقريبًا و -273 درجة مئوية). لكن سماءنا تمنع مرور الكثير من الأطوال الموجية، مما يدفع علماء الفلك للبحث عن فرص لإرسال تلسكوبات فضائية لالتقاط ما يتبقى من هذه الأطوال الموجية.

ورد في موقع سبيتزر أن تلسكوبات الأشعة تحت الحمراء الأولى طارت في رحلات قصيرة فوق معظم الغلاف الجوي (وتضمنت طائرات لير النفاثة – Lear jetsوصواريخ التجارب).

وفي عام 1979 طرحت ناسا المنشأة الفضائية للأشعة تحت الحمراء ذات المكوك (Shuttle Infrared Space Facility – SIRTF) التي طارت على مكوك فضائي. وكان من المتوقع حينها أن تستمر مهمات المكوكات الفضائية لثلاثين يومًا وأن تتم رحلات الطيران كل أسبوع (كانت تلك تطلعات متفائلة وبعيدة جدًا عما حققه البرنامج). كم أنه اكتُشِف فيما بعد أن أبخرة المكوك ستتداخل مع عمليات التلسكوب.

تعاونت في تلك الأثناء ناسا مع المملكة المتحدة وهولندا على صنع تلسكوب أشعة تحت الحمراء يدعى القمر الصناعي الفلكي ذو الأشعة تحت الحمراء (The Infrared Astronomical Satellite – IRAS)، الذي طار لمدة 10 أشهر في عام 1983 وحقق نجاحًا عظيمًا، مما أشعل الشرارة لمهام لاحقة.

وقررت ناسا أن تغير منشأة SIRTF إلى مفهوم مستقل عن وسيلة الطيران فغيرت اسمها إلى المنشأة الفضائية للأشعة تحت الحمراء مع المحافظة على الاسم المختصر كما هو.

في عام 1991 أفاد تقرير للمجلس الوطني للأبحاث بأن تقنية الأشعة تحت الحمراء قد تطورت بشكلٍ كبير، لدرجة أنه أوصى بالمنشأة SIRTF وتلسكوب مُعتمِد على طائرة يدعى SOFIA وتلسكوب أرضي للأشعة تحت الحمراء في ماونا كي، هاواي.

خُفِّضت بعد هذا التقرير ميزانية ناسا بشكل كبير، وتحول نتيجةً لذلك SIRTF من مرصد ذو 2.2 مليار دولار إلى مرصد بكلفة حوالي نصف مليار دولار.

أقرت ناسا بأنه «بغض النظر عن إنقاص الميزانية وإعادة التصميم الهائل، فقد شكلت سلسلة من القرارات الهندسية الذكية والخلاقة عاملًا هامًا في التكامل العلمي لسبيتزر، وتضمنت هذه القرارات الإطلاق الدافئ والاختيار المميز للمدار.»

عند الإطلاق في 25-أغسطس-2003 امتلك التلسكوب ثلاثة أدوات، وهي: كاميرا مصفوفية للأشعة تحت الحمراء (infrared array camera – IRAC) وراسم طيف للأشعة تحت الحمراء (infrared spectrograph) ومقياس كثافة ضوئية متعدد الحزم (multiband imaging photometer).

احتاجت مجموعة الأدوات كلها للتبريد لدرجة حرارة -459 فاهرينهايت (-268 مئوية) لكي تعمل بشكل سليم. وحصل سبيتزر على اسمه بشكل رسمي بعد 4 أشهر من إطلاقه، أي عندما اتضح أن التلسكوب يعمل على ما يرام.

كان من المفترض أن تدوم المهمة لمدة سنتين ونصف مع عمل الأدوات المبردة بالكريوجين، واستُهلك الكريوجين بعد خمس سنوات ونصف في مايو من عام 2009. ما زال سبيتزر قادرًا على استخدام قناتين من كاميرا الأشعة تحت الحمراء المصفوفية حتى عندما يكون دافئًا، لذا فإن العمليات التي تستخدم هذه الأداة مازالت مستمرة. ومن المتوقع أن يستمر سبيتزر بالعمل حتى “وقت متأخر من هذا العقد” كما ينص الموقع.

اكتشافات هائلة

لم يصُمم سبيتزر لغايات النظر إلى الكواكب الخارجية، ولكن تبين أنه فعال في اكتشاف الأنظمة النجمية المغايرة لنظامنا.

كتبت ناسا في منشور صحفي عام 2013 «كان هذا التلسكوب أول من التقط الضوء القادم من كوكب خارج مجموعتنا الشمسية، ولم تكن تلك الميزة في التصميم الأصلي للمهمة.

وبفضل دراسات سبيتزر المستمرة لهذه العوالم الغريبة تمكن علماء الفلك من اكتشاف تركيباتها وأسلوب حركتها والعديد من الأشياء الأخرى. مما غير دراسة الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية بشكل هائل.»

تضمنت هذه الدراسات تحديد الأنماط المناخية لكوكب Super-Earth آخر أصغر، وأعلن فريق سبيتزر عن هذا الاكتشاف عام 2016. ماذا أيضًا، أكّد سبيتزر وجود كوكب صخري قريب جدًا (على بعد 21 سنة ضوئية فقط) في عام 2015، الأمر الذي يبين مجال الإمكانات التي يمتلكها هذا التلسكوب.

قالت ناسا عام 2013 إن التلسكوب يكشف بعض أسرار الكون بشكل واسع: «تعداد شامل للنجوم المتشكلة ضمن السحب القريبة، مما يشكل خريطة جديدة ومحسنة لبنية الذراع
الحلزوني لمجرة درب التبانة، واكتشاف أن أبعد المجرات التي نعرفها أكبر وأكثر نضوجًا مما كنا نتوقع بالتعاون من تلسكوب هابل الفضائي.»

بالإضافة لمراقبة الأشياء البعيدة عنا فقد أُسندت لسبيتزر مهمة أقرب بكثير. فراقب التلسكوب مذنبًا يدعى Tempel1، وهو المذنب الذي ضربته مهمة Deep Impact لناسا عام 2005. فبعد الضربة أخرج المذنب بشكل مفاجئ الطين وحموض الكربون والسيليكات المتبلورة كما أقرت ناسا.

كتبت ناسا في منشور صحفي عام 2005 «من المعتقد أن هذه المركبات الكيميائية تشكلت في بيئات دافئة، من الممكن أن تكون قرب الشمس، ولكنها بعيدة عن تَجَمُّع المذنبات الباردة الخارجية، فكيف تمكنت هذه المركبات من الدخول إلى المذنبات؟ أحد الاحتمالات هو أن المواد في نظامنا الشمسي القديم قد اختلطت سويةً قبل أن تُرتب في أجسام مستقلة.»

حتى ملاحظات الأجسام المعروفة جيدًا في نظامنا الشمسي جلبت المفاجئات. ففي عام 2009 وجد سبيتزر حلقة هائلة حول كوكب زحل، كانت هذه الحلقة مختفية قبل ذلك. كتبت ناسا في ذلك الوقت أن أبعادها تتراوح بين 6 مليون و12 مليون كم عن الكوكب، وأنها أتت غالبًا من الكوكب فيبي Phoebe.


ترجمة: عالية سلمان.
تدقيق: أسامة القزقي
المصدر