ما الذي يتطلبه تكوين الذاكرة؟ العلم يجيب.


في سابقةٍ من نوعها، استطاع مجموعةٌ من العلماء من مؤسّسة سكريبس للأبحاثThe Scripps Research Institute للمرة الأولى تحديدَ منطقةٍ فرعيةٍ في الدّماغ مسؤولة على تخزين نوع مُعيّن من الذّكريات وهو الخوف المرتبط بإشارات محيطيّة خاصّة أو ما يعرف بذاكرة الخوف السّياقية «Contextual fear memory».

إذ ترأس هذه الدّراسة (والتي نُشرت حديثًا في مجلة:Biological Psychiatry Cognitive Neuroscience and Neuroimaging) الدّكتور Sathyanarayanan V. Puthanveettil وهو أستاذٌ مشاركٌ في مؤسّسة سكريبس، يقول الدّكتور Puthanveettil: «لا يزال هناك الكثير من المعلومات المجهولة حول هويات البروتينات المصنّعة لإنتاج الذّاكرة طويلة الأمد، ولكنّ الذي لفت انتباهنا بشدّة في هذه الدّراسة هو أنّ القشرة الوسطية للقسم الأمامي من الفصّ الجبهي هي مكان التّصنيع الأولي لتلك البروتينات، إضافة إلى قدرتنا على تحديد البروتينات التي صُنِعَت حديثًا في تلك المنطقة.»

وبالدّخول في التّفاصيل، فقد أظهرت الدّراسة تصنيع بروتين جديد في منطقة فرعية خاصّة من قشرة القسم الأمامي من الفص الجبهي تعرف في الفئران باسم الحوف «prelimbic»، إذ تطابق تلك المنطقة منطقة القشرة الأمامية عند الإنسان، والتي ترتبط بمُعالجة الاستجابات العاطفيّة، والجدير بالذكر أنه في بادىء الأمر لم يُعِر الدّكتور Puthanveettil وزملائه أيّ اهتمام بمنطقة القشرة الوسطيّة للقسم الأمامي من الفصّ الجبهي اعتقادًا منهم بعدم وجود أيّ علاقة بينها وبين التّشفير المبكّر للذّكريات طويلة الأمد.

ليتبيّن لهم لاحقًا وبدراسة التّأثيرات التي ظهرت على الدّماغ عن كثبٍ أثناء تعريض أقدام الفئران لصدمة كهربائيّة خفيفة، إذ لوحظ تواجد للحمض النووي الرّيبوزي الرسول المرتبط بعديد الريبوسومات ممّا يعدّ مؤشرًا واضحًا على تصنيع جديد للبروتين هناك.

إضافة إلى ذلك، اكتشف الدكتور Puthanveettil وزملائه أنه في حالة منع تكوين بروتينات جديدة في منطقة الحوف مباشرة بعد تعريض الفئران للخوف، فإن الذّكريات لن تتشكّل.

لكن وفي حالة انتظار الباحثين لعدة ساعات سيُلاحَظ انعدام ظهور أي تأثير لعملية منع تكون البروتينات، وبالتالي بدأ تكون الذكريات، وليدلّ ذلك على وجود تنظيم مكاني وزماني لتصنيع بروتينات جديدة في منطقة القشرة الوسطية للقسم الأمامي من الفص الجبهي.

يضيف الدكتور Puthanveettil: «قد تكون الموجة الأولى في تكوّن البروتين ضروريّة لترميز ذاكرة الخوف السّياقية، بينما تعتبر الموجة الثّانية في المناطق الفرعية الأخرى مهمّة في تخزين الذاكرة»، ليبقى المطلوب هو معرفة إمكانية وجود مناطق فرعية أخرى من القشرة تؤدّي دورًا في تكوين بروتينات الذاكرة.

يقول الدكتور Bindu L. Raveendra وهو أحد كبار الباحثين المشاركين في الدّراسة: «تمتلك المنطقة المذكورة العديد من المناطق الفرعية، ولكن الدّور الخاص لتلك المناطق في عمليات التّشفير، والتّعبير، والاسترجاع، إضافة إلى الآليات الجزيئيّة التي تستند إليها، لايزال يتعيّن اكتشافه.»


ترجمة: سيرين خضر
تدقيق: إسماعيل الحسناوي
المصدر