لا يمكننا لوم (المريض صفر) على انتشار الإيدز فظهور المرض أقدم من ذلك!


انتشار فيروس ال HIV من هاييتي إلى نيويورك في ال 1970، و”المريض صفر” ليس المُلام.
إنّ التسلسل الكامل للمادة الوراثية المأخوذة من عينات الدم المحفوظة يعطي صورة أوضح عن طريقة وصول الفيروس وانتشاره في الولايات المتحدة. فالتقرير الأول عن المرض والذي بات يعرف لاحقًا ب(HIV/AIDS) وُضِع في عام 1981، وهو الوقت الذي بدأت فيه الحالات المتعلقة بمرض نقص المناعة المكتسب أو الإيدز بالازدياد خصوصًا بين الرجال المثليين.

قد يبقى فيروس نقص المناعة كامنًا في الجسم لمدة عقد أو أكثر قبل ظهور أعراض المرض، لذلك اعتبر الخبراء أن الفيروس وصل إلى الولايات المتحدة قبل أن تتم ملاحظته بعدة سنوات ولكن متى تم ذلك؟ وأين؟ هذا لا يزال موضع خلاف مستمر. وقد كانت تقريبًا عينات الفيروس كلها تعود لما بعد ال1981، مما أعاق الدراسة المباشرة حول أولى حالات عدوى الفيروس من شخص لآخر.

نشرت مجلة (Nature) مؤخرًا ورقة بحثية عرض فيها فريق من العلماء ثمانية نماذج كاملة للمادة الوراثية لفيروس الإيدز من عينات دمٍ أُخذت في ال 1978 وال1979، ما يجعلها أول دراسة جينية شاملة لفيروس الإيدز حتى عام 1981 في شمال أميركا.

باستخدام الساعة الجزيئية وتحليل تطور السلالات(phylogenetic analysis)، استطاع العلماء تحديد زمن وصول الفيروس إلى نيويورك من هاييتي بحوالي سنة 1970 ومن ثم انتشر في سان فرانسيسكو وبعدها في باقي البلاد خلال منتصف السبعينات.

تعود أحد عينات الدم المدروسة لرجل معروف باسم “المريض صفر” للإيدز الوبائي، غاتن دوغاس Gaëten Dugas) ) والفيروس الذي استُخرج من دمه يعود لمنتصف شجرة تطور عائلة الفيروس في الولايات المتحدة وليس للقاعدة، وهذا ما يبرئه من جريمة الحمل الأول للفيروس إلى الولايات المتحدة.

أشار الباحثون أيضًا بالإضافة لأحد محرري الورقة البحثية من قبل أنّ المحققين في مراكز السيطرة على المرض ومنع انتشاره في الولايات المتحدة US Centers for Disease Control and) Prevention ) قد أشاروا أولًا لدوغلاس بالمريض واو “Patient O” للإشارة بأنه كان يقيم “خارج كاليفورنيا” ولم يقصدوا أبدًا تحديده كأول حالة للإصابة بالإيدز في البلاد ولكن هذه الصفة فُهمَت بشكل خاطئ خلال تحضير أحد المطبوعات، وكنتيجةً لخطأ مطبعي دخل دوغلاس المادة العلمية بصفته “المريض صفر”Patient 0”.

يقول مايكل وروبي المشارك في البحث من جامعة أريزونا: >>ما فعلناه هنا هو العودة بالزمن والبحث في العيّنات المحفوظة، فالعينات أتت من دراسات على فيروس التهاب الكبد ب(Hepatitis B) عند الرجال المثليين في مدينة نيويورك وسان فرانسيسكو ومسح الفريق الآلاف من العينات المحفوظة قبل اختيار 53 عينة منها لمحاولة استرداد المادة الوراثية للفيروس<>على الرغم من أن العينات قد أتت من أواخر السبعينيات، وهو زمن سابق لملاحظة الإيدز، إلا أن العينات تحتوي على كمية كبيرة من التنوع الجيني وهذا التنوع كبير لدرجة لا يمكن معها أن يكون قد نشأ في أواخر السبعينيات، وإن هذا دليل مباشر لانتشار الفيروس في الولايات المتحدة قبل أن يتم أخيرًا تمييزه<<، وأشار أيضًا إلى أن العينات القديمة مثل هذه، أي عينات مصل الدم، يُعرف عنها صعوبة استرداد المادة الجينية منها، لأن RNA الفيروس يتحلل مع مرور الوقت. طور روبي مع عدد من الزملاء ما أطلقوا عليه تقنية (RNA jackhammering) والتي تتضمن مضاعفة قطع صغيرة (fragments) من ال RNA في عدة تجمعات باستخدام صفائح تحتوي عدة primers، بحيث يتداخل الجينوم المصنوع في كل تجمع مع الآخر، هذه القطع الصغيرة تشكل الجينوم كاملًا (needs checking) وتهدف هذه الطريقة إلى استخراج المادة الوراثية لسلالة الفيروس المسؤولة عن الانتشار في أميركا الشمالية .(HIV-1 subtype B) وبحسب ستيفن ولينسكي، باحث HIV في Northwestern University Feinberg) School of Medicine in Evanston ) والذي لم يكن مشاركًا في البحث: >>إن المقاربة التقنية كانت حقًا إنجازًا عظيمًا، فالبيانات متينة والتحاليل حقًا صاعقة<<.

عبر مقارنة النماذج الثمانية التي تم استعادتها مع نماذج جينوم ال HIV، استطاع العلماء بناء الشجرة التطورية للنوع الفرعي B، إن جينوم الHIV من عينات مرضى سان فرانسيسكو هي عبارة عن فروع من شجرة سلالة الفيروسات الموجودة في مدينة نيويورك وبالإضافة إلى ذلك، ففصيل مدينة نيويورك متنوع جينيًا أكثر من فصيل سان فرانسيسكو، وهذا ما يدل على أن فصيل نيويورك، إلا أن جينوم الفرع ب من الفيروس في هاييتي كان الأكثر تنوعًا على الإطلاق من بين السلاسل التي وجدها الباحثون وتشكل السلف للسلالات الموجودة في الولايات المتحدة على الأغلب، وقد حددت الساعات البيولوجية وصول الفيروس من إفريقيا مكان نشوء الفيروس إلى هاييتي بعام 1960.

أشار إريك ديلوارت الباحث في مؤسسة أبحاث الدم في سان فرانسيسكو إلى اكتشاف الفيروس في عينات الدم خلال دراسات سابقة في أواخر السبعينيات، وإنتاج جينوم جزئي من هذه العينات، ولكن الدراسات السابقة اعتمدت على تقنية الPCR، مما يعيق تحديد التاريخ الدقيق لدخول الفيروس أو إجراء مقارنة تطورية دقيقة. بالإضافة إلى ذلك، العديد من الخلافات نشأت سابقًا حول انتقال الفيروس من هاييتي إلى الولايات المتحدة أو العكس.

يقول ريشارد مكاي المشارك في البحث والمؤرخ في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة: >>لقد أخطأ المؤرخون والباحثون طويلًا باعتبار دوغلاس سبب انتشار الHIV في شمال أميركا، ولكن عندما تم التعرف على الHIV كانت معرفة المحققين بالفيروس محدودة
ووجهت بعض التغطية الإعلامية معرفة العامة عن الوباء بدون أي دعم علمي.<<

دوغاس وهو مضيف طيران كندي، كان جزءًا من دراسة مبكرة أجراها مركز التحكم بالأمراض (CDC) أظهرت أن الHIV يمكن أن ينتقل جنسيًا، وقد أعطى دوغلاس قسم كبير من أسماء شركائه الجنسيين السابقين مقارنةً بباقي المشاركين في الدراسة، مما جعله مركز تحليل شبكة انتقال المرض، وأشار مكاي أن الدراسة لم تهدف أبدًا لتحديد أصل الوباء ولكن تسليط الضوء على أفعال شخص واحد أوجد قصة مثيرة إعلاميًا.

يضيف مكاي: >>يبدو أن هناك قاعدة مكررة عند تغطية الأوبئة إعلاميًا وهي تحديد المريض صفر والتحقق من أفعاله غير الأخلاقية، فهناك ميل لإلقاء اللوم على أحدهم.<< إضافةً لذلك، نظراً للوم والصورة النمطية المسيئة التي أُلحقَت بسكان هاييتي لما اعتُبر كدور لهم في نشر الHIV، شدد روبي على أن تحديد أصل الوباء لا يعني وضع اللوم، فلا يجب أن يُلام أحد على انشار فيروس لا يُعرف عنه شيئًا. يضيف روبي قائلًا: >>إن نقطة الانتقال المحددة من هاييتي إلى نيويورك تبقى سؤالًا مفتوحًا، ومن الممكن أن يكون المسؤول عن ذلك من جنسية مختلفة<<.

*جينوم: المادة الجينية الكاملة الموجودة في خلية أو كائن معين، والمادة الجينية تتشكل من كروموزومات.


إعداد: لمى عنداني
تدقيق: داليا المتني
المصدر