إذا كانت واحدةً من معتقداتِكَ الراسِخَة قدْ أُلقِيَ بها منَ النافذة، فحاول مرةً أخرى مع تلك التجربة تحتَ الظروفِ المناسبةِ يمكِنُكَ غليْ الماء حتى يتجمد.

حقاً، كما يُظهِر الفيديو الخاص بمعمل “كودي”، بعد دقائق قليلة من الغليان، بدأَ الماء في تكوين بلورات الثلج، وهيَ بالفعل باردة الملمس، شيءٌ مذهلْ أليسَ كذلك!؟.

إذاً ماذا يحدُث هنا في تلكَ التجربة ؟

أولاً دعونا نُلقِيَ نظرةٌ على التحضيرات الخاصة بتلكَ التجربة، لأنَّهُ تحتَ الظروفِ الطبيعية لن يُمكِنكَ الحصول على الثلج منَ الغليان مهما إستمرَّ الوقت، لذلك ضعْ تلكَ الغلايَة الكهربية بعيدًا!.

كما يشرح ذلكَ الفيديو، تحتاج إلى غرفةِ ضغطٍ والتي تَستَخدم مضخة تفريغ حتى يُمكنك سحب الهواء من الحيز الذي سَتُجرَى فيهِ التجربة، ثم قام “كودي” بوضع كأسٍ يحتوي على 60 ملي من ماء صنبور في درجة حرارة الغرفة.

تحتاج أيضًا لملح مصنوع من كبريتات الماغنيسيوم اللامائية وزجاجة مطليَّة بكبريتاتِ الكالسيوم ثم ضعهم في غرفة الضغط.

وجود تلك المادتان لن يُساعِد في عملية الغَليان ثم التجمد، ولكنهم هنا لكي يمتصوا بخارَ الماء حتي لا تَفسَد التجربة نتيجة تراكم البخار.

يمكنك وضع قِطَع صغيرة من الكالسيت الصَلب في الماء كـ “شرائح الغليان” التي لن يكون لها تأثير على أي شئ حتى درجةة الحرارة ولكنها تجعل عملية الغَليان أكثَر سلاسة.

الآن كل شيءٍ جاهز لنبدأَ العمل.

لن يغلي الماء بداخل غرفة الضغط نتيجة زيادة درجةِ الحرارة، ولكنَّه سيغلي نتيجة تقليل الضغط.

كما يشرح “كودي” فإنَّ نقطةَ غليانِ أي سائلٍ تعتَمد على درجةِ الحرارةِ والضغطِ، وكلما كانت درجة حرارة السائلِ أعلى كلما كانَ ضغطُ البخارِ أعلى.

في درجة حرارة 100 سيليزية (نقطة غليان الماء الطبيعية)، فإنَّ ضغطَ البخارِ يكون 1 ضغط جوِّي أو ما يُعَادل 0.101325ميجاباسكال.

عند تلك النقطة يبدأُ الماء في التَحَوُّل من الحالةِ السائلةِ إلى الحالة الغازية (بخار ماء).

عند درجةِ حرارةِ الغرفةِ، فإنَّ ضغطَ بخارَ الماءِ يكونُ منخفضٌ لذلكَ لا يغلي الماء ويكون أكثرَ إستقرارًا.

بإستخدام تلكَ المبَادِئ الأسَاسِيّة يُمكِنُكَ وَضع الماءِ عندَ درجةِ حرارةِ الغرفةِ في غرفةِ الضغطِ، ثم تبدأ بسحبِ الهواءِ منَ الغرفةِ (تقليل الضغط داخل الغرفة)، وبعدَ دقائق قليلة تصبح درجة الغليان أقلَ منْ درجةِ حرارةِ الماءِ، والآن لديك ماءٌ يغلي دونَ رَفع درجةِ حرارتهُ.

يقول “كودي”«نظرياً، إذا إستَمَرَيتُ في تقليل الضغط فيجبُ أنْ يظلَّ الماءُ يغلي وفعليًا يفقد الكثير من حرارته، لأنَّ جزيئاتِ الماءِ التي تتحرك في الحيز هيَ الجزيئاتُ الساخنةُ منها أو ذات الطاقة الحركية الأعلى فسوفَ تغادِرُ الماءِ وهيَ في صورةِ بخارِ ماء تاركةً باقي جزيئات الماء الباردة في أسفلِ الكأسِ».

يُمكِنُكَ مشاهدة – في الفيديو في الأعلى – أنَّهُ أثناء غليان الماء فإنَّ درجة حرارتهُ تنخفض إلى نقطةِ التجمدِ.

يُفَسِرُ قسمُ الفيزياء بجامعةِ هارفارد مدرسة ويست ليك بكاليفورنيا ذلكَ بقولِهم « حينما تغلي الماءَ عنْ طريق تقليل الضغطِ فإنَّ الجزيئاتِ التي تبقى في الحالةِ السائلةِ تُعطي الطاقةَ لتلكَ التي تُغادِر في صورةِ بخارِ ماء».

ويُضِيفُون أيضاً «بوضوح، الجزيئات في الحالةِ الغازيةِ لدَيها طاقةٍ حركيةٍ أكبرَ بكثيرٍ من تلكَ التي لم تستطع أنْ تتغلب على القُوَى الضعيفة الرابطة بينَ الجزيئات».

«بالتالي، كلما إستَمَرَّت عملية الغليان فإنَّ السائلَ يفقدْ حرارتهُ بمعدَّل ثابت. الإستمراريةُ في عملِ مضخةِ التفريغ تعملُ على منعْ الجزيئاتِ في الحالة الغازيةِ منْ بناءْ الضغطِ داخلَ الغرفةِ، مِمَّا يسمحُ لعمليةِ الغليانِ بالإستمرارِ، في نهاية المطاف تَقِل درجة حرارة السائل إلى نقطة التجمد».

إذًا فقدْ حَصَلت على الماءِ المتجمدِ بعدَ غليه، فلا يستطيع “كودي” حتى إِخرَاجَهُ منَ الكأسِ.

كمْ أنَّ الفيزياءُ مذهلةٌ.


  • ترجمة: محمد خالد عبدالرحمن
  • تدقيق: جمان الرشدان
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر