ماذا سيترتب على تطوير بطاريات تحاكي الأمعاء البشرية؟


طوَّر العلماء نموذجًا أوليًّا لبطاريةٍ استوحيت من تشريحِ الأمعاء البشرية، وقد تُمَهِّد المقاربةُ التي تعتمد على عِلم الأحياء الطريقَ إلى مصادرِ طاقةٍ أقوى بكثير لخدماتنا الرقمية.

يستخدم النموذج الأولي الذي يُقدِّم كثافةً في تخزين الطاقة أكبر من بطاريات الليثيوم-آيون التي نستخدمها في حواسيبنا وأجهزتنا المحمولة بخَمسِ مرات، يستخدم خليةً من ليثيوم-الكبريت بدلًا عن الموادِّ المستخدمةِ اليوم، ويعطي التصميم الذي يحاكي الأمعاء منها للبطَّاريات كثافةً طاقيةً تستمر بما يكفي أخيرًا للاستخدام التجاري.

البحث الذي قاده فريقٌ من جامعة كامبردج في بريطانيا يتغلب على أحد أهم عقبات بطاريات ليثيوم-الكبريت، وهو تحللها بسرعةٍ أكبر بكثيرٍ من خلايا الليثيوم-آيون، رغم تمَيُّزِ كثافتها الطاقية، إذ أنَّ انتهاء طاقة البطارية عادةً يعني أن يقوم الكبريتُ في أشعة الكاثود (القطب الموجب من البطارية) بامتصاص الليثيوم من الأنود (القطب السالب)، ويؤدي هذا إلى تحوُّلِ ذرات الكبريت إلى بنىً تشبه السلاسل تدعى ب(بولي الكبريتيدات).

بعد مرور البطارية بعددٍ من دورات الشحن والتفريغ، يبدأ التفاعل بالضغط على القطب الموجب، ما يؤدي إلى انكسار أجزاءٍ من بولي الكبريتيدات داخلةً إلى إلكترولايت البطارية الذي يجمع القطبين بعضهما ببعض، وعند حصول هذا، تبدأ البطارية بالتحلل إذ تخسر المواد الفعالة التي تخزن الطاقة.

وهنا يأتي الاستيحاء من الأمعاء البشرية.

في الجسد البشري، توجد في أمعائنا الدقيقة ملايين من الزُّغَب المعويَّة الدقيقة التي تشبه الأصابع، وتمتد من الجدار الداخلي للأمعاء لتساعدنا على امتصاص المواد المغذية أثناء الهضم، إذ تقوم بهذا عبر زيادة مساحة السطح الداخلي بحوالي 30 مرة.

باستخدام المبدأ ذاته، طور الباحثون مادةً ذات بنيةٍ نانويةٍ خفيفة الوزن تُماثل الزغب المعوية، تقوم بالتقاط البولي-كبريتيدات عند انكسارها دون أن تسمح لها بدخول الالكترولايت، وتُشكِّل هذه البنية طبقةً من أسلاك أوكسيد الزنك الدقيقة التي تغطي سطح أقطاب البطارية، وتقوم هذه الأسلاك بحجز المواد الفعالة في البطارية عند تحررها، محافظةً على إمكانيةِ دخولها إلى الأقطاب الموجبة والسالبة إلكترو-ميكانيكيًا، ومانعةً البطارية من التحلل.

وتُوَضِّح عالمة المواد بول كوكسون من جامعة كامبردج: ” تشكَّل هذه الطبقةُ عنصرًا صغيرًا جدًّا، لكنها مهمة، إذ تقطع بنا طريقًا طويلةً عبر العقدة التي لطالما منعت تطوير بطارياتٍ أفضل.

وبينما يتمُّ تطوير بطاريات ليثيوم-الكبريت منذ عدة سنوات، إلا أنه من الصعب لأي شخصٍ تحويل هذه التقنية إلى تقنيةٍ تجاريةٍ بسبب خسارة الخلايا لقدرتها عند انحلال الكبريت في الإلكترولايت، ولكن بفضل هذا الغطاء المشابه للزغب المعوية، قد لا يشكل الأمر مشكلةً بعد اليوم.

ويشرح تينغ زاهو، أحد الباحثين المشاركين قائلًا: هي المرة الأولى التي يتِمُّ فيها اقتراح طبقةٍ كيميائيةِ الوظيفة بمعماريةٍ نانويةٍ جيدةِ التنظيم لحجز المواد الفعالة المنحلَّة خلال الشحن والتفريغ، وإعادة استخدام هذه المواد.

وأثناء الفحص، ضمنت البنية النانوية خسارة 0.05 بالمئة من القدرة الطاقية في كل شحنةٍ فقط بعد 200 دورة شحن، ما يجعلها قريبةً من استقرار الليثيوم-آيون، والذي تتدرَّج خسارته بين 0.025 و0.048 بالمئة بالمتوسط لكل دورة شحن.

ويعترف الباحثون بأن نموذجهم الأولي ليس إلا إثباتًا للمفهوم الآن، ما يعني أنَّ الأمر قد يستغرق سنواتٍ حتى نرى بطاريات الليثيوم-الكبريت في أجهزتنا المحمولة، وكاميراتنا، ومنصاتنا اليدوية، ولكن بما أننا بتنا نعرف كيفية تحقيق استقرار منصة الطاقة هذه اليوم، فقد اتخذنا خطوةً كبيرةً باتجاه بطارياتٍ أقوى، وباتجاه تَخطِّي حدود الليثيوم-آيون.

يقول كوكسون “إنها طريقتنا في تخطِّي أحد تلك المشاكل الصغيرة الغريبة التي تؤثر علينا جميعًا…جميعنا مقيَّدون بأجهزتنا الالكترونية، في النهاية، وجُلُّ ما نحاوله هو جعلُ هذه الأجهزة تعمل بشكلٍ أفضل، على أمل جعل حياتنا أجمل بقليل.”

تم نشر الاكتشافات في دورية Advanced Functional Materials.


ترجمة: حازم رعد
تدقيق بدر الفراك
المصدر