السيرة الذاتية للعالِم
لاينوس بولينغ (1901-1994)


ولد (لاينوس كارل بولينج- Linus Carl Pauling) في 28 شباط/فبراير1901 في بورتلاند في الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة وتوفي في 19 آب/أغسطس عام 1994.

وقد أصبح الشخص الوحيد الذي يفوز بجائزتي نوبل غير متشاركتين، الأولى كانت عن بحثه في طبيعة الروابط التساهميَّة واستخدامها في توضيح تركيب الجزيئات عام 1954، والثانية كانت اعترافًا بجهوده في منع اختبار الأسلحة النوويَّة عام 1962.

وكان لاينوس بولينج هو الطفل الأول من أطفال الصيدلي (هيرمان بولينج- Herman Pauling) الثلاثة، وهو الابن الوحيد له ولوالدته (لوسي إيزابيل- Lucy Isabelle).

وبعد دراسته الأولى في كوندون وبورتلاند، ذهب إلى كلية الزراعة «تُسمَّى الآن جامعة ولاية أوريجون» حيث قابل فيها (آفا هيلين ميلر- Ava Helen Miller) التي أصبحت فيما بعد زوجته.

وحصل من هذا المكان على بكالوريوس في علوم الهندسة الكيميائيَّة بتفوق عام 1922، ثم بعد ذلك ذهب إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا «كالتك» حيث أظهر له (روسكو ديكنسون- Roscoe G. Dickinson) كيفية تحديد تركيب البلورات باستخدام الأشعة السينيَّة «أشعة إكس».

كما وحصل على درجة الدكتوراه بسبب أطروحة مُستمدة من شرحه للتركيب الكيميائي للبلورات، ونتيجةً لذلك قضى فترة قصيرة كباحث دولي، ثم حصل على عضوية جيجنهام لدراسة ميكانيكا الكم في أوروبا، فقضى حوالي 18 شهر في معهد أرنولد سمرفيلد للفيزياء النظريَّة في ميونيخ- ألمانيا.

وبعد إكماله للدراسات العليا، عاد بولينج إلى كالتك عام 1927 حيث بدأ مسيرةً طويلة من التدريس والبحث.

وأصبح تحليل التركيب الكيميائي الشغل الشاغل في أبحاثه العلميَّة. واستطاع بولينج عن طريق استخدام تقنية انحراف الأشعة السينيَّة تحديد ترتيب الأبعاد الثلاثة للذرة في سيليكات وكبريتيد المعادن، ولدى عودته إلى كاليفورنيا استخدم تقنية تبعثر الإلكترونات من النواة للجزيئات للتعرُّف على تركيب بعض المواد المهمة.

وقد ساعدته هذه المعرفة في تطوير مفهوم السالبية الكهربية في نطاق سمح له بوضع رقم يُمثِّل عدد الإلكترونات التي تنجذب لذرة معينة في الرابطة التساهميَّة.

وتكملةً للتجارب العلميَّة التي قام بها باستخدام الأشعة السينيَّة في اكتشاف تركيب الجزيئات، استخدم بولينج ميكانيكا الكم لكي يُحدِّد القوة المُكافئة في كُلّ من روابط ذرة الكربون الأربعة.

حيث طوَّر نظرية رابطة التكافؤ بطريقة جعلته يقترح ما إذا كان الجزيء يمكنه أن يُوصف بتركيب متوسط البنية على أساس مزيج من تركيبات أخرى.

وفي كتابه (طبيعة الروابط الكيميائية وتركيب الجزيئات والبلورات- The Nature of the Chemical Bond, and the Structure of Molecules and Crystals) عام 1939، وضع ملخصًا موحدًا لرؤيته عن تركيب الجزيئات في المواد الكيميائيَّة.

ووصول عالِم الجينات (توماس هانت مورجان- Thomas Hunt Morgan) إلى كالتك في أواخر عام 1920، حفَّز بولينج على الاهتمام بالجزيئات الحيويَّة.

وبحلول منتصف 1930 قام بولينج بإجراء دراسات مغناطيسيَّة ناجحة على هيموجلوبين البروتين.

مما ساعده على تطوير مفاهيم هامة في البروتين مع (ألفريد ميرسكي- Alfred Mirsky)، وهو عالِم كيمياء حيويَّة.
ونشر بولينج ورقةً بحثيَّة عن تركيب البروتين عام 1936، وشرح المؤلفان «بولينج وميرسكي» في هذا العمل أنَّ جزيئات البروتين ملفوفة داخل أشكال مُحدَّدة، لكن أصبحت بعد ذلك غير ملفوفة وبدأت تتشكَّل عشوائيًا بمجرد أن تمَّ كسر الروابط الضعيفة.

وفي إحدى زيارات بولينج لميرسكي في نيويورك، قابل بولينج (كارل لاندستينر- Karl Landsteiner)، وهو مُكتشف فصائل الدم، ومن ثم أصبح لاندستير يُساعد بولينج في مجال كيمياء المناعة.

وقد كان بولینج مهتم بنوعيَّة التفاعلات بين الأجسام المُضادة، وفيما بعد طوَّر نظريَّة يحسب من خلالها طريقة طيٍّ فريدة من نوعها لسلسلة الأجسام المُضادة من البوليمرات.

وقطعت الحرب العالميَّة الثانية العمل النظري لبولينج وانتقل تركيز بولينج إلى مشاكل عمليَّة أكثر فيما يشمل تجهيز البديل الذكي لتعويض مصل الدم المفيد المُستخدم في علاج الجنود الجرحى، وكاشف الأوكسجين المُستخدم في الغواصات والطائرات.

كما وطلب أوبنهايمر من بولينج أن يرأس قسم الكيمياء في مشروع مانهاتن، لكنه كان يُعاني من تضخُّم في الكلى منعه من قبول عرض أوبنهايمر.
وبسبب مجهوداته أثناء الحرب فقد مُنِح بولينج لاحقًا وسام الاستحقاق الرئاسي.

وأثناء العمل على إعداد تقرير عن العلم في أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب، أصبح بولينج مهتمًا أكثر بفقر الدم.

ولاحظ أنَّ مرض فقر الدم ينتج من تغيُر جيني في هيموجلوبين خلية الدم.
وفي عام 1949 نشر بولينج ومُساعديه ورقة بحثيَّة تتعرَّف على خلل معين في تركيب الهيموجلوبين الذي كان مسؤولًا عن فقر الدم.

وبذلك تمَّ تصنيف هذا الخلل على أنَّه أول مرض جزيئي يتم اكتشافه. وظهرت في هذه الأثناء مقالة بولينج عن القانون الدوري في النسخة الـ 14 من الموسوعة البريطانيَّة.

وأثناء تواجده في جامعة أوكسفورد كأستاذ زائر في عام ١٩٤٨، عاد بولينج إلى المشكلة التي عمل عليها في بدايات ١٩٣٠ وهي الأبعاد الثلاثة للبروتينات.

فعن طريق طيّ ورقة بحيث يمكنه رسم سلسلة من الأحماض الأمينيَّة، اكتشف الشكل الأسطواني للفات، وسُميت فيما بعد حلزون ألفا.

فالشكل الأفضل لتركيب بولينج كان تحديده لعدد الأحماض الأمينيَّة لكل لفة في الحلزون، وخلال هذه الفترة نفسها أصبح مهتمًا بـالحمض النووي الريبوزي «DNA».

وفي بداية 1953 قام هو و(روبرت كورا- Robert Corey) مُصمِّم كريستالات البروتين، بنشر رؤيتهم عن بُنية الـ «DNA»، بأنها ثلاثة مسارات ملتوية حول بعضها البعض بطريقة الـ «ropelike».

وبعد ذلك قام (جيمس واطسون- James Watson) و(فرانسيس كريك- Francis Crick) بنشر تركيب الـ «DNA» الصحيح ثنائي الحلزون.

وقد أُعيقت مجهودات بولينج لتعديل التركيب المفترض بسبب تصوير الأشعة السينيَّة للحمض النووي.

وفي عام 1952 فشل بولينج في زيارة (روزليند فرانكلين- Rosalind Franklin) الذي كان يعمل في معمل (مايروك ويلكينس- Maurice Wilkins) في الكلية الملكيَّة في لندن، ونتيجةً لذلك لم يستطع رؤية صور الحمض النووي بالأشعة السينيَّة.

وقد أثبتت صور فرانكلين أنَّ تجارب بولينج في الحمض النووي كانت البداية التي سمحت لواطسون وكريك بوضع التركيب الصحيح للحمض النووي.

كما مُنِح بولينج جائزة نوبل في الكيمياء عام 1954 لبحثه في طبيعة الرابطة الكيميائيَّة وتطبيقاتها في توضيح تركيب المواد المُعقَّدة.

نشاطاته الإنسانيَّة:

في بدايات 1950 عُرِف بولينج وزوجته للعامة عن طريق حملة مُناهضة لإختبار الأسلحة النوويَّة.

وفي عام 1958 قدَّموا تطبيقًا للأمم المُتَّحدة لمنع اختبار الأسلحة النوويَّة في شكل وثيقة موقَّعة من 9235 عالِم من 44 دولة.

وقد ظهرت عاطفة بولينج تجاه السلام في كتابه (لا مزيد من الحرب- No More War) في عام 1958.

وفي عام 1960 اُستُدعي للمدافعة عن أفعاله بخصوص حظر اختبار الأسلحة النوويَّة من قِبَل لجنة فرعيَّة من الكونغرس.

ونتيجة رفضه الإفصاح عن أسماء الأشخاص الذين وقَّعوا الوثيقة، كان من الممكن أن يذهب إلى السجن بعد إدانته بشكل مبدئي ولكنه لم يذهب.

وقد كوفئ عمله لمصلحة العالم لتحقيق السلام بجائزة نوبل عام 1962 والتي مُنِحت له في 10 تشرين الأول/أكتوبر 1963، وفي هذا التاريخ تمَّ توقيع معاهدة حظر الأسلحة النوويَّة وأصبحت مُفعَّلة.

وبسبب حصوله على جائزة نوبل للسلام حدثت عدائيَّة بينه وبين مدراء كالتك لذلك غادر كالتك في عام 1963.

وأصبح عضوًا فيما بعد في مركز دراسات المؤسسات الديموقراطيَّة في سانت باربرا في كاليفورنيا حيث شُجع عمله الإنساني. كما كانت لديه القدرة على تطوير نموذج جديد من نواة الذرة أثناء عمله في المركز.

وقد دفعه شغفه لاستكمال إجراء التجارب العلميَّة إلى أخذ منصب باحث بدرجة أستاذ في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو عام 1967، حيث نشر ورقةً بحثيَّةً عن كيفية تحقيق الصحة العقليَّة عن طريق إذابة العناصر الموجودة طبيعيًا في الجسم.

وتقلَّد يولينج بعد عامين منصبًا في جامعة ستانفورد حتى عام 1972 .

كما وتوفي كُلٌّ من بولينج وزوجته بمرض السرطان.
فإيفا هيلين بولينج توفيت بسبب سرطان في المعدة عام 1981، وبعد عشر سنوات اكتشف بولينج أنَّه يُعاني من سرطان في البروستاتا.

وبالرغم من إجرائه لعمليات جراحيَّة وأدوية أخرى، لكن السرطان انتشر في كبده. وتوفي بولينج في مزرعته على ساحل كاليفورنيا عام 1994.


إعداد: أحمد الشامي
تدقيق: هبة فارس
المصدر