بروتين يتعرّض لطفرة في نصف عدد السرطانات، وعلاج يهدف إلى إصلاحه قبل فوات الأوان


في وقت مضى كان من المستحيل إلقاء نظرة جيدة على البروتين المفضل لدى رومي امارو (Romie Amaro)، هذا البروتين الذي يسمى (p53) والمسؤول عن قرع الجرس لقتل الخلايا الحاوية على DNA متضرر؛ لمنعها من أن تتحول إلى خلايا سرطانية، سبب كافٍ لتسميته ب “حامي الجينوم”، أليس كذلك ؟

حسنًا، ولكن هذا البروتين كبير الحجم ومرن أيضًا، متغير الشكل على المستوى الجزيئي بطريقة تجعل من الصعب تصويره بأدوات التصوير التقليدية، الأمر الذي دفع امارو عالمة بيولوجيا حاسوبية في جامعة كاليفورنيا- سان دييغو لاستخدام حواسيب فائقة بغية تصوير بروتينها المفضل، حيث قامت بدمج لقطات مصورة بالأشعة السينية لأجزاء من بروتينp53) ) وعزّزت من برنامجها ليصوّر النشاطات الارتعاشية لكل واحدة من الـ 1.6مليون ذرة من ذرات البروتين على شكل فيلم مصغّر وعلى مدى مايكروثانية كاملة، أبدية بالنسبة للمقياس الذري وتستهلك شهرًا من وقت الحواسيب الفائقة.

وبهذه التقنية استطاعت امارو أن تشاهد أربع نسخ من بروتين (p53) تتحد مع بعضها وتلفّ نفسها حول شريط الحمض النووي ((DNA المتضرر، رقصة ضرورية يؤديها البروتين قبل أن يرسل إشارات للتدمير الخلوي الذاتي.

محاكاة حاسوبية تلهم العلماء لتناول الموضوع بطريقة مختلفة:

لم تكن العالمة رومي امارو مهتمة بسلوك بروتين (p53) السليم فقط ولكنها أرادت فهم تأثير الطفرات التي قد يتعرّض لها الجين المسؤول عن صناعة هذا البروتين، فقامت هي وزملائها بتتبع محاكاة حاسوبية للعديد من الطفرات المحتملة لبروتين (p53) لتلاحظ كيف أن هذه الطفرات تزيد من لا استقرار هذا البروتين المرن أساسًا، تشوّهه وتمنعه من الاتحاد بالحمض النووي (DNA) لأداء رقصته وبالتالي وظيفته، المثير في الموضوع هو أن بعضًا من محاكاة الطفرات أظهرت شيئًا آخرًا، موطئ قدم لعلاج محتمل للبروتين المتضرر. ففي بعض الأحيان يتكون شقّ صغير في لبّ البروتين بعد تعرّضه إلى طفرة ما، وعندما أضافت امارو علاجًا مقترحًا إلى نموذجها هذا لاحظت بأن هذا المركّب يحشر نفسه في الشقّ المتكوّن في البروتين المتضرر، معطيًا إياه استقرارًا كافيًا لكي يستعيد وظيفته الطبيعية.

بالنسبة للمارو والبعض القليل من الباحثين، تعتبر هذه المحاكاة الحاسوبية إلهامًا. تقول امارو: «إيجاد مركب علاجي بجزيئات صغيرة قادرة على استعادة نشاط بروتين (p53) يعتبر حلمًا بالنسبة لعلماء الأحياء المتخصصين بالسرطانات». وأضافت: «نحن متحمسون جدًا بخصوص هذا الموضوع».

ما يقارب 1.6 مليون شخص في الولايات المتحدة فقط، يشخّصون بالسرطان سنويًا. نصف أولئك الأشخاص يملكون بروتين (p53) متعرّض لطفرة ما. عدد كبير ربما يشكّل إشارة إلى أهمية هذا البروتين في منع حدوث السرطانات، ولهذا فإن بروتين (p53) من بين البروتينات التي تدرَّس وبدقة بين حين وآخر في مجال العلم، إضافة إلى كونه هدفًا لامعًا يسعى خلفه صنّاع الأدوية، ولكن من بين عشرات الأدوية التي لا زالت تحت التطوير والتي تخص بروتين (p53)؛ فإن معظم تلك الأدوية حاول ببساطة رفع مستوى البروتين السليم فقط. وبالرغم من جهود عقود عدة لم ينجح ولا حتى علاج واحد بالوصول إلى سوق الأدوية. ولهذا السبب أظهرت أعمال امارو كيف أن عددًا قليلًا من المختبرات الأكاديمية والشركات الصغيرة قد أحرزت تقدمًا باستهداف هذا البروتين علاجيًا بطريقة مغايرة: إنقاذه حينما يكون متضررًا!

نعم، فإن العلماء في هذا المشروع يصنّعون علاجًا يرتبط بنُسخ بروتين (p53) المتعرّضة للطفرات ويدعمها بطريقة تستعيد بها شكلها الطبيعي، وبالتالي قدرتها على أداء وظيفتها.

واحد من هذه العلاجات تجاوز الآن المراحل الأولى من اختبارات السلامة على الإنسان، وتجرى عليه الآن اختبارات أخرى متقدمة أكثر في أوروبا. أما المركبات الأخرى والتي ستتطوّر ربما إلى علاجات أيضًا؛ فقد أصبحت الآن قريبة من مرحلة الاختبار على الإنسان.

كل نجاح ستحرزه مثل هذه العلاجات سيغير بصورة كبيرة تلك الطريقة التي نعالج بها السرطانات وكذلك الأمراض الأخرى التي تتضمن تشكّلًا خاطئًا لهذا البروتين، ربما سيشمل الأمر حتى الزهايمر.

الشركات الكبيرة تتخلى عن المشروع:

مثل هذا الموضوع لن يكون سهلًا، يقول كلاس ويمان (Klas Wiman) عالم الأحياء المتخصص بالخلايا السرطانية من معهد كارولنسكا من ستوكهولم: «استعادة الوظيفة الطبيعية لبروتين متعرّض إلى طفرة من خلال وضع مركّب ما مكان الضرر لاستعادة شكل البروتين أمر أصعب بكثير من مجرّد تثبيط عمل البروتين عن طريق إضافة مركّب ما لأحد مستقبلاته، وبالنتيجة فإن شركات الأدوية الكبيرة كانت قد تخلت عن الطريقة المتبعة في هكذا أبحاث، إنقاذ البروتين المتضرر “وبالتالي فإن التقدّم في الأبحاث كان بطيئًا». وأضاف: «مثل هذه الأبحاث قد تكون مختلفة قليلًا عن التيّار السائد المتّبع من قبل تلك الشركات الكبيرة».

على أي حال، المقابل الذي قد نحصل عليه من أبحاث مثل هذا قد يكون كبيرًا، ليس فقط لقدرة هذه الطريقة على علاج عدة أنواع من السرطانات ولكن كون مجموعة قليلة من الأدوية قد تكفي لهذا الغرض، خاصةً إذا ما استخدمت مع العلاج الكيميائي القادر على إحداث ضرر في خلايا الأورام السرطانية التي سيستجيب لها بروتين (p53).
تميل الطفرات التي يتعرّض لها بروتين (p53) لأن تتكتّل في المركز، النقطة التي يرتبط البروتين فيها مع الحمض النووي (DNA)، وتمتلك تأثيرًا مشابهًا على الشكل الخارجي للبروتين.

إن الاختبارات الخلوية والدراسات على الحيوانات أظهرت بأن العلاجات التي تستعيد نشاط بروتين (p53) المتضرّر لا تعمل على نوع واحد من الطفرات فقط؛ وإنما على عدة أنواع من الطفرات التي قد يتعرّض لها هذا البروتين. إذ يقول آلان فيرشت (Alan Fersht) عالم كيمياء في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة: «الجميل في هذه النتائج إنها واسعة التطبيق».

فهم أعمق لبروتين (p53):

إن فهم قدرة هذا البروتين -والتي قد تبدو سحرية ربما- على تثبيط السرطانات لم يكن جليًا إلا بعد مضي فترة على اكتشافه، والذي حصل في عام 1979، ففي المراحل الأولى كان يعتقد بأن جينًا سرطانيًا له القدرة على تحويل بعض الخلايا إلى خلايا سرطانية تحت ظروف معينة. بعد ذلك بعقد كامل تقريبًا تمّ التأكّد من أن بروتين (p53) يرتبط بالحمض النووي (DNA) ويطبق شيفرة جينات أخرى تهدف إلى إصلاح الضرر الخلوي، أما إذا ما اعتبر ذلك الضرر شديدًا للغاية من قبل عوامل خلوية أخرى تعمل مع بروتين (p53)؛ فإن تلك العوامل تحفّز هذا البروتين ليطلق نداءً للخلية من أجل البدء بعملية التدمير الذاتي.

المعروف حاليًا عن بروتين (p53) هو أنه يتعامل مع ويسيطر على عشرات الجينات والبروتينات المختلفة، كما ويساعد في دورة الأحداث الجزيئية التي بواسطتها تستطيع الخلايا أن تنمو وتنقسم. وبسبب أهميته العظيمة تلك فإن وجوده داخل الخلايا يكون مسيطَرًا عليه بقوة، إذ إن هناك بروتين آخر يسمى (MDM2) له القدرة على الاندماج مع جزيئات بروتين (p53) وتحطيمها، جاعلًا عددها ضمن التدقيق المستمر، ولكن ميكانيكية السيطرة هذه من الممكن أن تفشل بأكثر من صورة. كبداية مثلًا، عندما يتعرض بروتين (p53) إلى طفرة؛ فإن (MDM2) لا يستطيع مهاجمته وبالنتيجة سيتراكم بروتين (p53) غير القادر على أداء وظيفته في خلايا غير خاضعة للفحص والاختبار من قبل (MDM2)، مانعة بذلك الكمية السليمة المتبقية من (p53) من أداء وظيفتها. وكما هو واضح فإن بدون تواجد حامي الجينات أي بروتين (p53) كخفر رقابي؛ ستستطيع الخلايا شبه السرطانية من العيش والتكاثر، مما يعطيها الفرصة لإحداث طفرات أخرى تحتاجها لتصبح سرطانية بالكامل.

حرّاس الخلايا:

إن بروتين (p53) يعمل بمثابة الحامي ضد الطفرات الجينية التي تحوّل الخلايا إلى سرطانية، فعندما تتحدد الطفرات فإن أربع نسخ من (p53) ترتبط مع بعضها وتتحد مع الحمض النووي (DNA) مطلقة بذلك جرس إنذار خلوي يحفز أمرًا من اثنين: إصلاح الضرر أو التدمير الذاتي للخلية.

كما قلنا سابقًا، معظم محاولات استخدام بروتين (p53) لمحاربة السرطان كانت من خلال محاولة رفع مستوياته، واحدة من تلك المحاولات المعروفة عملت على منع (MDM2) وبروتين مشابه آخر يسمى (MDMX) من مهاجمة بروتين (p53) وإنقاص مستوياته، والهدف من ذلك هو إبقاء بعض من بروتين (p53) متواجدًا لفترة أطول من أجل قتل الخلايا المتضررة شبه السرطانية. حيث يقول ديفيد لين (David Lane) وهو عالم بيولوجيا متخصص بالسرطان في وكالة العلوم التقنية والأبحاث في سنغافورة، وأحد مستكشفي بروتين (p53): «يعمل الجميع على مثل هذا العلاج كالمجانين».

لم يكن كل شيء بالضبط كما يجب أن يكون:

إن مضيف (host) زرع الخلايا وكذلك البيانات الحيوانية تشير إلى أن هذه العلاجات ستعمل ولكن لين يقول: «إن التجارب السريرية لم تكن ناجحة بالمستوى الذي كنا نأمل أن تكون عليه»، فعلى سبيل المثال فإن العلاجات التي تعمل على (MDM2) تستطيع تقليل حجم الأورام دهنية الخلايا في الأنسجة العميقة عند مريض واحد فقط من كل 20 مريض في المرحلة الأولى من اختبارات السلامة، حسب ما نشر في بحث في عام 2012. وكذلك فإن تثبيط عمل (MDM2) ترافقه إمكانية حصول بعض الجوانب السلبية -وفقًا لما يقوله فيرشت- ليس فقط في كون هذه الطريقة تعمل في حالة تواجد كمية من بروتين (p53) السليم فقط ولكن بسبب الأعراض السلبية الناتجة من زيادته باعتباره مشاركًا في الكثير من العمليات الخلوية، فعلى سبيل المثال وحسب دراسة في 2012 فإن ثمانية أشخاص عانوا من آثار جانبية خطيرة كنزول حاد في عدد الخلايا المناعية التي تسمى (الخلايا المتعادلة) (Neutrophils)، إضافة إلى 14 شخصًا عانوا من آثار جانبية طفيفة نسبيًا كالغثيان. ولكن بالرغم من هذا، فإن الكثير من العلاجات المثبطة لعمل (MDM2) لا زالت مستمرة في مرحلة التجارب على الإنسان، وإذا ما نجحت فإنها من المحتمل أن تكون علاجات (p53) الأولى التي ستصل إلى السوق.

محاولات مستمرة لإصابة قلب المشكلة:

لا يزال فيرشت ولين وامارو وآخرون يحاولون إصابة قلب المشكلة، إصلاح بروتين (p53) المتعرّض إلى طفرة. ففي بداية التسعينيات أظهرت الفحوصات المختبرية من قبل لين وزملاؤه أن بعض المركبات قد تستطيع إعادة بروتين (p53) المتعرّض لطفرة إلى وظيفته الطبيعية ولكن تلك المركبات لم تكن تعمل دائمًا كما يتوقعه أولئك الباحثون، حيث اتضح مثلًا بأن أحد تلك المركبات وهو (CP-31398) يحفّز عملية موت الخلايا المتضررة بالفعل ولكن ليس عن طريق استعادة وظيفة بروتين (p53)؛ وإنما بقتل تلك الخلايا بواسطة طحن الحمض النووي (DNA) الخاص بها. بعد ذلك أظهرت المركبات الأخرى عملاً أفضل، ففي 1998 قام فريق ويمان بفحص مجموعة متكوّنة من 2000 مركب من معهد السرطان الوطني في الولايات المتحدة، ليجدوا بأن هناك مركبين يظهران القدرة على استعادة قابلية بروتين (p53) على قتل الخلايا السرطانية ليتبين لاحقا بأن أحد هذين المركبين والذي يسمى (MIRA-1) يقتل بعض الخلايا الصحية إضافة إلى قتله الخلايا السرطانية وهكذا اعتبر سامًا في مرحلة التجارب على الفئران. ولكن المركب الثاني والذي يسمى (PRIMA-1)، وجد بأنه يتحلل إلى مركب آخر يسمى اختصارًا باسم (MQ). وفي السنوات الثلاثة الأخيرة نشرت امارو وزملاء لها تقاريرًا تقول بأن نماذجًا حاسوبية تشير إلى أن هذا المركب الأخير (MQ) يستطيع أن يلج داخل جيوب أو شقوق تتكون داخل بروتين (p53) المتعرّض إلى طفرة، مستعيدة شكله الطبيعي، الأمر الذي ينقذ مستواه الوظيفي.

قدّم ويمان وزملاؤه بعد ذلك نسخة أخرى أكثر نشاطًا من (PRIMA-1)، ليطلق بعدها معهد كارولنسكا مشروع تقنية بيولوجية باسم (Aprea AB) لتسويق هذا العلاج. العلاج حاليًا تحت اسم (APR-246) وقد استطاع في عام 2012 تجاوز الجولة الأولى من اختبارات السلامة على مرضى مصابين بأحد سرطانات الدم والذي يصاحب نسبة عالية من بروتين (p53) المتعرّض إلى طفرة، والآن هو في الطور السريري الثاني حيث يُجرب على نساء مصابات بسرطان المبيض، السرطان الذي يُظهر طفرة في بروتين (p53) في كل حالاته.
بشكل عام، فالتجارب في مراكز بحثية في أوروبا ستكتمل على الأغلب في غضون سنتين من الآن حسب قول لارس ابراهامسن (Lars Abrahmsen) مدير المكتب العلمي لمشروع (Aprea AB) في ستوكهولم.

حصان طروادة قد يتسبب بحرق مدنٍ أخرى غير معنية بالحرب!

إن احتمالية ظهور آثار جانبية لهذا العلاج مقلقة وذلك لأن (APR-246) يتحد مع الحمض الأميني الذي يسمى سستين (Cysteine) ويغيره بصورة دائمة، الحمض الأميني المتواجد بوفرة في الكثير من البروتينات الأخرى غير بروتين (p53)؛ الأمر الذي يثير مخاوف تعطيل عمل تلك البروتينات أيضًا، ولكن حتى هذه اللحظة وحسب ما يؤكده ابراهامسن فإن (APR-246) تم تعاطيه بسلامة في التجارب السريرية حتى في حالة إعطاء جرعات عالية منه، والسبب في هذا يعود حسب ما يعتقده ويمان إلى أن شكل هذا العلاج يجعله يتعامل بشكل أساسي مع السستين المتواجد في مركز بروتين (p53) فقط، على أي حال فإن ويمان وزملاؤه لا زالوا يعملون في الوقت الحالي لإثبات هذه التفصيلة.

لقد أحرزت المجموعة التي يرأسها فيرشت تقدمًا مع مركبات أخرى تستطيع أن ترتبط مع الحمض الأميني سستين، ومن جانب آخر فإن دراسات امارو الحاسوبية تحتمل بأن الجزيئة ذات الشكل الصحيح تستطيع أن تلج الشق الحاصل في بروتين (p53) المتعرّض إلى طفرة “بشكل مؤقت فقط ” وتبقى هناك لوقت يكفي لحماية البروتين والسماح له بأداء وظيفته تجاه الخلايا شبه السرطانية، وبهذا وعلى العكس من مركبات (APR-246) فإن هذه المركبات ستنفصل عن الحمض الأميني متجنبة بذلك إحداث تغيير دائم في بروتينات أخرى غير (p53) مقللة احتمال حدوث آثار جانبية. في الواقع فإن الفريق الذي ترأسه امارو وبيتر كايسر (Peter Kaiser) عالم الكيمياء الحياتية من جامعة آرفاين، إضافة إلى ريك لاثروب (Rick Lathrop) عالم الحواسيب من جامعة آرفاين أيضًا، كان قد استخدم نماذجًا حاسوبية لاختبار أكثر من مليون مركب مختلف للارتباط بالشقّ المتكوّن في البروتينات المتعرّضة إلى طفرة؛ ليجد الفريق عدة مئات من المركبات التي تمتلك تلك القدرة، أكثر من 30 منها نجح بمهمة الارتباط بالبروتين على مستوى المزارع الخلوية، وإن كان الفريق لا يزال غير متأكد من أن ارتباط هذه المركبات خلويًا مع البروتين صار عن طريق الشقّ الحاصل بفعل الطفرة أم في نقطة ارتباط أخرى. على أي حال فقد تمّ التصريح لعدد من هذه المركبات للدخول إلى التجارب ضمن مشروع تقنية حياتية في سان دييغو مموّل من قبل امارو وكايسر وآخرين تحت اسم اكتافلون (Actavalon).

أيون الزنك يلعب دوره هو الآخر:

لقد أطلق مشروع آخر تقنية حياتية تحت إسم علاجيات (Z53) في كليفيلاند- أوهايو جاعلًا من هدفه ليس الشقّ في بروتين (p53) المتعرّض لطفرة وإنما الطفرات التي تلغي مكان الارتباط الرئيسي الخاص بآيون الزنك (Zinc ion) في مركز بروتين (p53)، حيث أن البروتين يفقد قدرته على الارتباط بالحمض النووي (DNA) بدون الزنك أيضًا. وحسب الدراسات المختبرية فإن العلاجات التي تسمح للزنك بالارتباط من جديد تساعد على استعادة وظيفة البروتين بعد أن يتعرّض للطفرات الأكثر شيوعًا فقط.

هل هذا المشروع مجرّد أفكار؟ ماذا لو تحقّقت هذه الأفكار سريريًا؟

على أي حال وحسب قول لين، فإنه من غير الواضح في هذه اللحظة فيما لو كانت تقنيات تثبيت بروتين (p53) ستلاقي نجاحًا فعليًا، ولكن النجاح -لو حدث- من الممكن أن يضع بصمة طويلة الأمد في مجال علاج السرطانات بمساعدة مئات الآلاف من المرضى في كل سنة، أكثر بكثير مما تقدّمه العلاجات الجينية الأخرى، إضافة إلى أن هذه التقنية قد تمهّد الطريق لعلاجات أخرى تهدف إلى إنقاذ بروتينات متضرّرة في أمراض أخرى، مثل مرض التليّف الكيسي (Cystic fibrosis)، حيث إن علاجًا جديدًا قد أطلق مؤخرًا تحت اسم اوركامبي (Orkambi)، يساعد على تثبيت الشكل المناسب للبروتين المسؤول عن تدفّق الأيونات في بطانة المسالك الهوائية في الرئتين، كما أن ذات التقنية قد تساعد أيضًا في علاج سوء تشكّل البروتينات في أمراض أخرى كمرض الزهايمر ومرض الشلل الرعاشي (Parkinson’s Disease).

الوقاية خير من العلاج:

ربما سيكون أقصى هدف ستصله هذه التقنية هو المساعدة في منع السرطانات من الحصول في المقام الأول وليس علاج السرطانات الحاصلة أساسًا، حيث لاحظ ويمان بأن فحوصات الغربلة التي تستخدم عينات دم من الممكن أن تشير إلى أن هذا الشخص أو ذاك قد بدأ بطرح بعض البروتينات المتعلقة بالسرطانات في مجرى دمه قبل أن يظهر أي أعراض سريرية تشير إلى إصابته بالسرطان.

يومًا ما قد يكون من الممكن إعطاء الأشخاص الذين يظهرون هذه العلامات التحذيرية علاجًا يستعيد قدرة بروتين (p53) الوظيفية محفزًا حماة خلاياه لترقّب وطرد السرطانات من أجسادهم، قبل أن تبدأ بالنمو أصلًا، وكما يقول لين فإن هذه الفكرة مثيرة جدًا على المضمار الطويل لمحاربة السرطان.


ترجمة : د. علاء سالم
تدقيق: دانه أبو فرحة

المصدر