علماء يصنعون نوعًا جديدًا من الحاسبات بإمكانها حل المشاكل وتتحدى الحاسبات التقليدية


على ما يبدو فإن قوة المعالجة في الحاسبات القياسية ستصل إلى أقصاها في السنوات 10-25 القادمة، حتى بهذه القوة القصوى، فلن تصبح الحاسبات التقليدية قادرة على معالجة فئة من المشاكل التي تتضمن جمع المتغيرات لتبتكر بعض الأجوبة المحتملة، وتجد الحل الأفضل.

وفي الوقت الحاضر، نوع جديد من الحاسبات يجمع بين المعالجة الكهربائية والبصرية، ذكرت في 20 أكتوبر في دورية العلوم (Science)، والتي بإمكانها تقييد هذه القوة وشيكة الحدوث وحل تلك المشاكل.

إذا كان الارتقاء بهذه الأجهزة ممكنًا، فإن هذه الحاسبات غير التقليدية بإمكانها إيجاد حلول أكثر مثالية للمشاكل، والتي لها عدد فائق غير محدد من الحلول المحتملة. حيث يقول الدكتور الباحث في مجال علوم الفيزياء التطبيقية بيتر ماكماهون (Peter McMahon): «هذا جهاز لديه درجة من الحساسية تجعله يعتبر الأول من نوعه، والفكرة منه أنه يفتح مجالًا فرعيًا في البحث في مجال الحاسبات التقليدية». وأضاف: «هناك العديد من الأسئلة التي تظهر من هذا التطوّر، ونتوقع في السنوات القليلة المقبلة، العديد من المجموعات سوف تتحقق من هذه الفئة من الآلات، وتبحث في كيفية نجاح هذا النهج».

مشكلة البائع المتجول:

هناك مشكلة خاصة تسمى -مشكلة التوافقي الأمثل- والتي تواجه الحاسبات التقليدية صعوبةً في حلها حتى بصورة تقريبية، على سبيل المثال مشكلة البائع المتجول. حيث أن البائع يجب أن يزور عدة مدن محددة لمرة واحدة فقط، ويعود إلى المدينة الأولى، وهذا البائع يريد أن يقوم بجولة أكثر فعالية. يمكن أن تتصور أن هذه مشكلة سهلة لكن العدد المحتمل للطرق يتضاعف بشكل سريع جدًا، حيث تضاف مدن وهذا ما يجعل المشكلة صعبة الحل. يقول الدكتور الباحث علي رضا ماراندي (AlirezaMarandi): «تعتبر تلك المشاكل بمثابة التحدي للحاسبات المعيارية وحتى الحاسبات الفائقة، لأن الحجم في ازدياد، وعند نقطة ما فإنها تستغرق وقتًا طويلًا يعادل عمرالكون للبحث عن الحلول المحتملة. هذا حقيقي حتى في الحاسبات الفائقة لأن احتماليات الازدياد سريعة جدًا».

ربما هذا يكون مغريًا للاستسلام لرحلة الرجل البائع، ولكن حل هذه المشاكل الصعبة ربما لديه تأثير هائل في نطاق واسع من المجالات، والأمثلة على ذلك تشمل إيجاد الطريقة الأمثل لشاحنات النقل، وتقليل التدخل في الشبكات اللاسلكية، وتحديد كيفية طي البروتينات. حتى التحسّن القليل في هذه المجالات يمكن أن تؤثر بشكل كبير في توفير المال، ولهذا كرّس بعض العلماء وظائفهم لخلق خوارزميات تعطي نتائج حلول تقريبية جيدة جدًا لحل هذا النوع من المشاكل.

آلة ايسينغ (An Ising machine):

قام فريق من جامعة ستانفورد ببناء ما يسمى آلة ايسينغ، تسمى بهذا الاسم نسبةًإلى نموذج رياضي مغناطيسي، تعمل الآلة على شكل شبكة مغناطيسية ذكية قابلة لإعادة البرمجة، حيث أن المغناطيس يشير إلى الأعلى والأسفل كما في نظام المغناطيس الحقيقي،وأنه من المتوقع أنها تميل نحو التشغيل بطاقة منخفضة.

إذا كانت الاتصالات حول شبكة المغانط قابلة للبرمجة فإنه سوف يجعل المشكلة في متناول اليد، عندما يقومون بالحل الأمثل فيجب عليهم مواجهة اتجاهات الطاقة المنخفضة، ويكونون قادرين على اشتقاق الحلول من مرحلتهم الأخيرة. في حالة البائع المتجول، كل مغناطيس اصطناعي في آلة ايسينغ يمثل اتجاه مدينة ما في طريق معين.

بدلًا من استخدام المغناطيس على الشبكة، قام فريق ستانفورد باستخدام نظام ليزري خاص، والمعروف باسم (DOPO laser tech)، وذلك عندما يقومون بتشغيلها، ستمثل نحو الأعلى أو الأسفل. نبضات الليزر تمثل أي اتجاه للطريق يجب أن ياخذه البائع المتجول. في الإصدار السابق للآلة (تم نشرها قبل سنتين)، قام أعضاء الفريق باستخراج جزء صغير من كل نبضة، قامو بتأخيرها وقاموا بإضافة كمية مسيطرة من الجزء في نبضات اللاحقة.

وكما نرى في شروط البائع المتجول، نجد هنا كيف قاموا ببرمجة هذه الآلة مع الاتصالات والمسافات بين المدن. إن اقترانات النبضة-إلى-نبضة تشكل برمجة المشكلة. بعد ذلك تبدأ الآلة بالعمل لمحاولة إيجاد حل، والذي يمكن الحصول عليه عن طريق قياس أطوار الخرج النهائية للنبضات.

المشكلة في الطريقة السابقة هي وصل عدد كبير من النبضات بصورة اعتباطية معقدة. لقد كان ذلك قابلًا للتطبيق ولكنه تطلّب إضافة تأخير بصري متحكَّم به لكل نبضة، الأمر الذي كان مكلفًا وصعب التطبيق.

زيادة التحجيم:

إن الإصدار الأخير من آلة أيسينغ لجامعة ستانفورد يُظهِر إمكانية عمل إصدار أكثر عملية وأقل تكلفة بشكل كبير، وذلك عبر استبدال التأخرات البصري المُتَحَكَّم به بدارات إلكترونية رقمية. تحاكي الدارة الاتصالات البصرية بين النبضات في سبيل برمجة المشكلة بحيث يكون نظام الليزر لا يزال قادر على حلها.

جميع العناصر المستخدمة في هذه الآلة تقريبًا هي عناصر متوفرة ومستخدمة حاليًا في أنظمة الاتصالات. ذلك، إضافة إلى بساطة البرمجة، يجعلها سهلة التحجيم. آلة ستانفورد قادرة على حل 100 مشكلة متغيرة مع أي مجموعة متغيرة من الاتصالات بين المتغيرات، كما وتم تجربتها على الآلاف من السيناريوهات.

كما وقامت مجموعة في NNT(Nippon Telegraph and Telephone) في اليابان، والتي قامت بالتشاور مع مجموعة فريق ستانفورد، بصناعة إصدار آخر من من هذه الآلة، و تم نشر دراستهم بجانب دراسة ستانفورد في مجلة العلوم. حتى الآن، لم ترقى آلة الأيسينغ إلى أجهزة الحوسبة التقليدية في قوة المعالجة عندما يأتي الأمر للأمثلية التراكبية. لكن هذه الآلة تقوم بتقليص الفارق مع الحواسيب التقليدية، والباحثون يتطلعون لرؤية الأعمال الأخرى المحتملة بناءً على هذا الإنجاز الكبير.

يقول ماراندي: «أعتقد أن ذلك هو مجال مثير للحماس لاستكشاف وإيجاد الحواسيب البديلة. يمكن لذلك أن يوصلنا إلى طرق أكثر فعالية لمعالجة المشاكل الحسابية الشاقة لدينا. حتى الآن قمنا بصناعة حاسوب معتمد على الليزر، حيث يمكن له استهداف بعض من تلك المشاكل والمسائل الحسابية، وقد أظهرنا بالفعل بعض النتائج الواعدة».


إعداد: محمد سيكاني
تدقيق: دانه أبو فرحة

المصدر