سلسلة تاريخ الرياضيات، الجزء الثالث:
الرياضيات عند المصريين القدامى


استقر المصريون القدامى في وادي النيل الخصيب في حوالي عام 6000 قبل الميلاد، وبدأوا في تسجيل أطوار القمر والفصول لأسباب تتعلق بالزراعة أو أسباب دينية. كما استخدم مخططو الأراضي الفراعنة قياسات معتمدة على أعضاء الجسم، (القبضة تمثل عرض اليد، والذراع يمثل المسافة بين الكوع وأطراف الأصابع) وذلك لقياس الأراضي والمباني قديمًا جدًا في التاريخ المصري، كما ابتكروا نظاما عدديا مبنيا على الأصابع ال 10. ولكن أقدم كتابة متعلقة بالأرقام والحسابات تم اكتشافها حتى الآن هي بردية موسكو والتي تعود للملكة الوسطى في الفترة ما بين 2000 و1800 قبل الميلاد.

الأرقام المصرية القديمة باللغة الهيروغليفية

يُعتقد بأن المصريين هم أول من قدم نظاما حسابيا متكاملا عشريا (أساسه الرقم 10) تقريبًا منذ عام 2700 قبل الميلاد (وربما يكون أقدم من ذلك التاريخ بفترة كبيرة). استخدم المصريون خطًا رأسيًا للتعبير عن الرقم 1 وعظمة الكعب للتعبير عن الرقم 10 والحبل الملفوف للرقم 100 وزهرة اللوتس للرقم 1000 وبعض الرموز الفرعونية الأخرى للتعبير عن القيم الأكبر حتى الرقم مليون. ولكن لم يكن عند الفراعنة مفهوم القيمة المكانية، ولذلك كانت الأرقام الأكبر صعبة الكتابة (فمثلًا كتابة الرقم مليون تحتاج لرمز واحد ولكن مليون ناقص 1 يحتاج ل 54 رمزًا لكتابته).

توضح بردية ريند (Rhind Papyrus) والتي تعود لعام 1650 قبل الميلاد بعض التعليمات للقيام بالعمليات الحسابية والهندسية، وتوضح بدقة كيفية القيام بعمليات الضرب والقسمة في ذلك الوقت. كما تحتوي على بعض الأدلة على معرفة بعض المعلومات الحسابية الإضافية، وتشمل الكسور، والأعداد الأولية والمركبة، الحساب، المتوسط الهندسي والمتوسط التوافقي، كذلك طريقة حل المعادلات الخطية وكذلك المتسلسلات الحسابية والهندسية. أما بردية برلين والتي تعود لعام 1300 قبل الميلاد تظهر لنا أن المصريين القدماء استطاعوا حل المعادلات التربيعية

طريقة الضرب عند المصريين

لتحقيق عملية الضرب على سبيل المثال يتم مضاعفة الرقم المُراد ضربه بصورة متكررة على أحد الأطراف، وهو ما يشبه بالصورة ضرب العوامل الثنائية والتي تستخدم في الحواسب الحديثة. يتم استخدام تلك المجموعات مع العامل الذي يعادلها كجدول للضرب، نبحث أولًا عن المضاعفات والتي عند جمعها تعطينا الرقم الذي نريد أن نستخدمه للضرب ومن ثم نقوم بجمع المجموعات المقابلة لها في الجدول لحساب قيمة ناتج الضرب. (في المثال الموضح بالصورة لحساب حاصل ضرب 3×6 تم وضع جدول لمضاعفات الرقم 3 (3 ثم 6 ثم 12 ثم 24 وهكذا) ومن ثم تم اختيار الرقمين 2 و4 والذين يكون ناتج مجموعهما 6 ولذلك نجمع ما يقابل المضاعف 2 وما يقابل المضاعف 4 ويكون ناتج الضرب 6+12 أي 18). استفادت تلك الطريقة من مبدأ النظام الزوجي قبل أن يقدمه الألماني لايبنيز للعالم الغربي بحوالي 3000 عام، وقبل أن تستغل الحواسب الآلية إمكانيات ذلك النظام بمدة أطول.

ساعدت المشاكل العملية الناتجة عن التجارة والأسواق على تطوير مبدأ الكسور. توضح البرديات التي وصلت إلينا استخدام الكسور البسيطة باستخدام رمز عين حورس، حيث يمثل كل جزء من عين حورس نصف الجزء السابق له. مثال (نصف ثم ربع ثم ثمن ثم جزء من 16 ثم جزء من 32 ثم جزء من 64)، وبذلك يكون المجموع هو 1 ينقصه 1/64 وهي أول متسلسلة هندسية معروفة.

عملية القسمة عند المصريين

كان من الممكن كذلك استخدام الكسور البسيطة في عمليات القسمة البسيطة. فمثلًا إذا أردنا تقسيم 3 أرغفة من الخبز على 5 أشخاص، يتم في البداية تقسيم أول رغيفين لثلاثة والرغيف الثالث ل 5 أجزاء، ثم يقومون بتقسيم الجزء السادس من الثلاثة الى خمسة أجزاء. وبذلك يحصل كل شخص على ثلث وخمس وجزء من ال 15 من الرغيف وهو ما مجموعه 3/5 بالضبط كما نتوقع.
كذلك حسب المصريون مساحة الدائرة باستخدام مساحة أشكال معروفة المساحة، فأدركوا أن مساحة الدائرة التي يبلغ قطرها 9 وحدات مثلًا تقترب جدًا من مساحة مربع طول ضلعه 8 وحدات، وبذلك يمكن حساب مساحة أي دائرة بضرب القطر في 8/9 ومن ثم تربيع الرقم. وهو يعطينا قيمة قريبة جدًا من قيمة π بنسبة خطأ أقل من 1%.

تعتبر الأهرام دليلًا على مدى تقدم وتعقيد الرياضيات عند قدماء المصريين. وبعيدًا عن الادعاءات بأن الأهرامات هي أول مبنى يحقق النسبة الذهبية 1:1.618 (والتي من الممكن حدوثها من قبيل الصدفة المطلقة وليست لأسباب رياضية) إلا أن هناك أدلة على أنهم عرفوا معادلات حجم الهرم (1/3 × ارتفاع الهرم × الطول × العرض) كذلك عرفوا حجم الهرم الغير مكتمل. كما عرفوا كذلك بقاعدة المثلث 3 و4 و5 والتي تعطي مثلثا قائما مضبوطا قبل فيثاغورث بفترة طويلة جدًا، ولذلك استخدم البناؤون المصريون حبالا مربوطة عند 3 و4 و5 وحدات لقياس الزوايا القائمة الدقيقة للقيام بأعمالهم على الصخور (حتى أن المثلث القائم ذو الأضلاع 3 و4 و5 يطلق عليه المثلث المصري).


ترجمة: جورج فام
تدقيق بدر الفراك
المصدر