العب ألعاب الفيديو، وساهم في تقدم العلم


أصبحت ألعاب الفيديو اليوم جزءًا لا يتجزأ من حياة العديد من الناس، وعدا عن كونها للتسلية، فقد تكون أداة مفيدة جدًا في التعليم والعلم.

فإذا خصَّص الناس فقط وقتًا قصيرًا من لعبهم في حل الألغاز العلميَّة عن طريق ألعاب الفيديو، تخيل عندها مدى المعرفة التي نستطيع اكتسابها؟ فالعديد من الألعاب تهدف إلى أخذ أفضليَّة أكاديميَّة عن طريق الاستفادة من ساعات لا تُحصى يُمضيها الأشخاص في اللعب كل يوم.

وفي مجال الكيمياء العضويَّة فقط، هناك عدة ألعاب، إحداها هي اللعبة المشهورة (Foldit).

لعبة (Foldit)

لعبة (Foldit)

ففي هذه اللعبة، يُحاول اللاعبون اكتشاف تفاصيل البنية ثُلاثيَّة الأبعاد للبروتينات عن طريق التلاعب في بروتين تتم محاكاته معروض على شاشة الحاسوب، ويجب عليهم أن ينتبهوا إلى العديد من القيود الموجودة في اللعبة والمُقتبسة من العالم الحقيقي، كترتيب الأحماض الأمينيَّة، وكم تسمح لهم خصائصها الكيميائيَّة العضويَّة بالاقتراب من بعضهم البعض، كما يجدر الذكر أنَّه في مجال البحث الأكاديمي، فهكذا مهام تُنفَّذ عادةً من قِبل خبراء مُدرَّبين.

يلعب الآلاف من الأشخاص – سواء امتلكوا تدريبًا علميًا أم لا – هذه اللعبة بشكل منتظم، وبالطبع فهم يستمتعون بها، لكن هل هم في الواقع يُساهمون في العلم بطرق لم يُساهم بها الخبراء؟

وللإجابة عن هذا السؤال – لمعرفة كم نستطيع التعلُّم عن طريق جعل أناس غير مُختصين يلعبون ألعابًا علميَّة –أطلقنا مؤخرًا منافسة في لعبة (Foldit) بين اللاعبين، سواء كانوا طلابًا على مقاعد الدراسة أو علماء مُتخصصين أو لاعبين هواة، أما النتائج فكانت أنَّ اللاعبين الهواة قدَّموا أداءً أفضل من العلماء المحترفين.

وهنا نستنتج أنَّ الألعاب العلميَّة مثل (Foldit) تستطيع فعلًا أن تكون مصدرًا قيمًا لدراسة الكيمياء العضويَّة وفي نفس الوقت مُزودة تجربة ممتعة، وأكثر من ذلك، فهي تجعلنا نتطلَّع قُدمًا إلى تقديم مزيد من الألعاب المرتبطة بمجالات علميَّة عديدة.

نظرة أقرب إلى البروتينات

تستطيع البروتينات أن تُنجز تقريبًا جميع المهام الميكروسكوبيَّة الضروريَّة لإبقاء الكائنات حيَّة وبصحة جيدة، من بناء جدران خلويَّة إلى مُحاربة الأمراض، وبإلقاء نظرة أقرب إلى البروتينات، يستطيع علماء الكيمياء العضويَّة امتلاك فهم أفضل عن الحياة.

حيث تبدأ الحياة لآلاف البروتينات التي تقوم بوظائف حيويَّة داخل أجسامنا بتحدٍ، إذ يتعين على البروتين أن يُحول نفسه، من سلسلة طويلة مرنة وناعمة من الأحماض الأمينيَّة، إلى جزء له شكل محدَّد، وبه مختلف الالتواءات والانحناءات التي تلزمه لأداء وظيفته في الخلية، وهذا ما يُطلق عليه طي البروتين.

وفهم كيفية طي البروتين هو أمر مهم للغاية لأنَّه إذا لم تُطوى البروتينات كما ينبغي، فإنَّها لن تستطيع أداء مهامها في الخلية، وأسوء من ذلك قد تُسبِّب البروتينات المطويَّة بشكل غير مناسب إلى أمراض موهنة للجسم، كالزهايمر، أو باركينسونز أو حتى ALS.

خريطة للبروتين ولدت عن طريق تقنية أشعة إكس البلورية (x-ray crystallography)

خريطة للبروتين ولدت عن طريق تقنية أشعة إكس البلورية (x-ray crystallography)

التقاط صور للبروتينات

أولاً، عن طريق تحليل الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) فإنَّه سيُخبرنا كيفية صنع البروتين، نحن نعلم تسلسل الأحماض الأمينيَّة التي تصنع البروتين، لكن هذا لا يُخبرنا ما هو الشكل الذي يأخذه هذا البروتين، لذا حتى نستطيع التقاط صورة لهكذا بنية ثلاثيَّة الأبعاد، يجب علينا أن نستخدم تقنيَّة تُسمَّى بـ (أشعة إكس البلوريَّة– X-ray crystallography)، وتسمح لنا هذه التقنيَّة برؤية الأجسام ذات الحجم النانومتري، فعن طريق مسح البروتين بأشعة إكس من زوايا مختلفة، نستطيع إنشاء نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد – يُسمَّى هذه النموذج بـ (خريطة الكثافة الإلكترونيَّة- electron density map)– وبنفس معالم البروتين الحقيقيَّة.

لذا تعود المهمة إلى العلماء في تحديد الكيفيَّة التي تطوي فيها تسلسل الأحماض الأمينيَّة مع بعضها البعض بطريقة تتناسب فيها مع خريطة الكثافة الإلكترونيَّة.

وبالرغم من أنَّ هذه العملية ليست بالسهلة، إلا أنَّ العديد من علماء البلوريات يعتقدون أنَّها عملية ممتعة ومسلية فهم يرون العمليَّة تُشبه أحجية الصورة المقطوعة.

أحجية إدمانيَّة

كانت المنافسة التي أقمناها والنتائج المُترتبة عليها ذروة سنوات من تحسين المستوى التعليمي في مجال الكيمياء العضويَّة عن طريق تمثيلها أثناء اللعب، ونحن نُعلِّم طلابًا على مقاعد الدراسة كيف تستطيع الكيمياء العضويَّة تحديد شكل البروتين.

وعندما أعطينا خريطة الكثافة الالكترونيَّة إلى طلابنا وطلبنا منهم تحريك الأحماض الأمينيَّة باستخدام الفأرة والكيبورد وطي البروتين على هذه الخريطة حسب ما هو موجود في اللعبة فإنهم أبدوا إعجابهم بها، فبعضهم أبدى إعجابًا شديدًا لدرجة أنَّهم وجودوا أنفسهم يتجاهلون واجباتهم المنزليَّة الأخرى على حساب حل الأحجية، وعندما كان الطلاب يعملون على حل هذا الواجب، وجدنا أنَّ الأسئلة التي كانوا يسألونها كانت في غاية التعقيد والتطور، حيث يخوضون بها في عمق الكيمياء العضويَّة للبروتين.

وفي النهاية، 10% من طلاب الصف تمكَّنوا بشكل مذهل من إدخال التحسينات على البنية التي توصَّل إليها من قبلهم علماء، وجمعوا القطع حتى تتلاءم بشكل أفضل من الذي لائمه المختصون، وعلى أغلب الظن، بما أنَّ 60 طالبًا كانوا يعملون كُل على حِدا، فإنَّ بعضهم تمكَّنوا من إصلاح أرقام ذات أخطاء ضئيلة لم يتمكَّن العلماء من إدراكها، لذا فإنَّ هذه النتائج ذكَّرتنا باللعبة التي تحدثنا عنها آنفًا.

من الغرفة الصفية إلى غرفة اللعب

ومثل علماء البلوريات، تلاعب لاعبو (Foldit) بالأحماض الأمينيَّة لاكتشاف بنية البروتين بناءًا على حدسهم في حل الأحجية، لكن عوضًا عن مختص واحد يعمل لوحده، فإنَّ الآلاف من اللاعبين من غير العلماء كانوا يتشاركون بالمهمة، فهم لاعبون متمرسون يبحثون عن أحاجي ترقى لمستوى لعبهم وهم مستعدون أن يُكرِّسوا مهاراتهم في اللعب في هدف نبيل.

وقد انتهى مطورو اللعبة للتو من صنع نسخة جديدة من اللعبة مُضيفين ألغازاً معتمدة على الخرائط ثلاثية الأبعاد للبروتينات، كما كانوا مستعدين لرؤية كيف يتفاعل اللاعبون معها، وأخبروهم أنَّهم أيضًا سوف يتنافسون مع اللاعبين حتى يُنتجوا أفضل بنية ممكنة، كما خصَّصنا اثنان من الخبراء المُتدربين ليتنافسوا مع اللاعبين باستعمال برمجيَّة أخرى، وكانت المنافسة مفتوحة.

هواة يتفوقون على المحترفين

انكبَّ الطلاب على هذا الواجب بشراسة، كما كان الأمر بالنسبة للاعبي اللعبة، وكما رأينا من قبل، فإنَّ الطلاب تعلَّموا كيف تُطوى البروتينات عن طريق تشكيل هذه البروتينات بيدهم، وأكثر من ذلك كانت كِلا المجموعتين تُظهر فخرًا في الرقي في مجال علمي جديد.

وفي نهاية المنافسة، حلَّلنا البُنى من جميع المتشاركين، كما جمعنا إحصاءات عن البُنى المنافسة التي بيَّنت لنا كم كان المتشاركين قريبين من الصواب في محاولتهم لحل الأحجية، وتراوحت النتائج من بُنى ضعيفة لم تُناسب الخريطة أبدًا إلى حلول مثاليَّة.

وقد أتت أفضل البُنى من مجموعة من تسع لاعبين عمِلوا بتعاون على الإتيان ببنية بروتينيَّة مذهلة، وأصبحت البنية تبدو أفضل من البنية التي أنتجها المُحترفين الاثنين الذين شاركوا بالمنافسة.

وقد كان الطلاب واللاعبون مُتحمسين إلى اكتساب واحتراف المبادئ الصعبة لأنَّهم وجدوها ممتعة، والنتائج التي أتوا بها كانت نتائج علميَّة مفيدة يمكن استخدامها في تطوير الكيمياء الحيويَّة، كما يوجد العديد من الألعاب الأخرى المشابهة لـ (Foldit) وإحداها لعبة (Discovery) وهي لعبة مُصغَّرة موجودة داخل لعبة كبيرة متعددة اللاعبين تُسمَّى (Eve Online)، وتُساعد هذه اللعبة على بناء البروتينين أطلس وإتيرنا، اللذان يلعبان دورًا مهمًا في حل شفرة كيفية طي جزئيات الحمض النووي الريبوزي، وإذا ساهم المعلمون في إدخال الألعاب العلميَّة إلى مناهجهم التعليميَّة، فإنَّهم سيجدون الطلاب متحمسين أكثر إلى التعلُّم على مستويات عميقة أثناء الاستمتاع بها.

ونحن نُشجِّع مصممي الألعاب والعلماء على العمل معًا في سبيل تكوين ألعاب ذات هدف، ويجب على اللاعبين حول العالم لعب هذه الألعاب بشكل أكبر لدعم العمليَّة العلميَّة والتعليميَّة.


ترجمة: قصي أبوشامة
تدقيق: هبة فارس
المصدر