أثر النمو السكاني على انتشار الأمراض


في عام 1950 كان تعداد سكان الأرض يقارب 2.5 مليار نسمة. منذ ذلك الحين وحتى الآن نالت الأرض زيادة بلغت 4.5 مليار نسمة. النمو السكاني هذا له تأثيرات عديدة على كافة جوانب الحياة، وعندما نتكلم عن النمو السكاني على المستوى العام وطويل الأمد فإن تلك التأثيرات تصل الى أمور مثل انتشار الأمراض. كيف ذلك؟

⦁ الكثافة السكانية والتحضّر: تنتشر الأمراض بشكل أسرع بين هؤلاء الذين يعيشون أقرب لبعضهم البعض. واليوم يعيش نصف البشر في المناطق الحضرية، وفي مناطق كثيفة السكان، الاتصال المتواتر بين الناس صار أكثر من ذي قبل، مما يسمح بزيادة انتقال الأمراض.

⦁ الهجرة والسفر عبر العالم: صار من الأكثر شيوعًا أن يُسافر الناس حول العالم، كما أنه أسهل من حيث انتقال الأمراض. يُسافر البشر من المناطق المصابة بأمراض معينة إلى المناطق السليمة وقد يستقرون في المناطق الأخرى.

⦁ التراجع البيئي: سبق وأن ناقشنا في مقال سابق تأثير النمو السكاني على التغير المناخي وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار المزيد من الأمراض، خاصة تلك التي تُحمل بواسطة مضيف. على سبيل المثال فيروس غرب النيل الذي ينتشر بواسطة البعوض (الناقل). مع التغيّر المناخي صار البعوض قادرًا على نقل المرض إلى مناطق لم يكن قادرًا على النجاة فيها من قبل، وبالتالي التأثير على بيئات جديدة، وهكذا مع التغيّر المناخي فإن كثيرًا من تلك النواقل ستزدهر أكثر وتزداد معها الأمراض المنقولة بواسطتها.

بهذه الخلاصة نرى أن الكثافة السكانية الناتجة عن النمو السكاني المضطرد هي المفتاح لتأثيرات انتشار الأمراض ذات الصلة بالنمو السكاني.

الكثافة السكانية والأمراض

هناك دراسة مشتركة بين أستاذي علم الأوبئة في جامعة جون هوبكنز (Johns Hopkins University) باتريك تارووتر (Patrick M. Tarwater)، وأستاذ الرياضيات والإحصاء من جامعة تكساس التقنية (Texas Tech University) كلايد مارتن (Clyde F Martin) في عام 2001 أوضحت الدراسة العلاقة بين النمو السكاني والحصبة والأمراض الشبيهة بالحصبة.

ضمت الدراسة تحليلًا رياضيًا إحصائيًا لمعدّل حالات التماس بين الأفراد وعدد حالات الإصابة بالحصبة مع الكثافة السكانية. وقد شمل النموذج التحليلي في الدراسة تقسيم الكثافة السكانية الى أربعة مستويات، وكذلك مستويات أخرى للتماس بين الأفراد. وقد وجدت الدراسة أن تقليل معدل حالات التماس بين الأفراد يؤدي إلى تغيّر دراماتيكي كبير في انتشار المرض.

untitled

 

ورقة علمية أخرى* ضمت استعراضًا للتحليلات الرياضية التي توضّح العلاقة بين انتشار الأمراض والنمو السكاني، نُشرت ضمن دورية الإتحاد الدولي للدراسات العلمية للسكان عام 2007. استعرضت الورقة نماذجًا تحليلة لدراسة هذه العلاقة. ووصفت نمطين للنمو السكاني، الأول مع ازدياد الكثافة والتماس المباشر بين الناس، والآخر بثبوت الكثافة ومعدّل حالات التماس. ومن البديهي أن النموذج الأول هو الذي يقود إلى زيادة انتشار الأمراض.

تُناقش الورقة العوامل التنموية العديدة التي تُرافق النمو السكاني، مثلًا في حال توفير موارد مياه الشرب الكافية المتناسبة مع النمو السكاني الحاصل أم لا. والأمر نفسه مع حقن الإبر، وعادات النظافة لدى السكان، وتأثيرات شحّ الموارد على هذه العوامل. ثم تنتقل الورقة لمناقشة تأثيرات انتشار الأمراض الناتجة على الوفيات، والخصوبة (مثل تأثير الايدز). ولا يفوتها ملاحظة الأمراض المنتقلة من الحيوان إلى الإنسان، والتي تزداد أيضًا بازدياد الكثافة السكانية.

لقد ازداد عدد المدن التي تضم أكثر من 10 ملايين نسمة من مدينة واحدة في الخمسينات إلى 14 مدينة في عام 2000، وهو مؤشر كافٍ وواضح على دور النمو السكاني في زيادة الكثافة السكانية؛ وبالتالي ازدياد كافة التأثيرات ذات الصلة بالأمراض، وبالأخص في البلدان ذات التنمية الأضعف.


إعداد: عمر سيروان
تدقيق: دانه أبو فرحة


المصادر:

  •    Carol Bliese, populationeducation.org, Population Growth and the Spread of Diseases, Apr 8th, 2014
  •  Tarwater, P. M., & Martin, C. F. (2001). Effects of population density on the spread of disease. Complexity, 6(6), 29-36. Chicago
  •  Garnett, G. P., & Lewis, J. J. (2007). The Impact of Population Growth on the Epidemiology and Evolution of Infectious Diseases. In HIV, Resurgent Infections and Population Change in Africa (pp. 27-40). Springer Netherlands. Chicago