ذكاء اصطناعي يماثل الذكاء البشري في 2016 : الذكاء الاصطناعي العام (الجزء الاول)


سعى مجال الذكاء الاصطناعي منذ بداياته إلى خلق حواسيب ذات ذكاء يماثل الذكاء البشري عموما، واثبت هذا السعي عن تحديات بدت صعبة المنال.

أدت هذه التحديات في السابق الى تركيز جهود الأبحاث على بناء أنظمة ذكاء قادرة على القيام بمهام محددة أو مهام تتعلق بحل مسائل معينة في نطاق ضيق، وهذا بدوره أدى الى بناء ذكاء اصطناعي على نطاق ضيق وضعيف.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الاهتمام بخلق أنظمة ذكية تتجاوز في قدراتها تلك الإمكانات العامة، وتقارب ذكاء البشر أو تتعداه، أدى الى إعادة بعث الذكاء الاصطناعي ليكتسب معنى جديدا وهو الذكاء الاصطناعي العام.

جمعية الذكاء الاصطناعي العام هي منظمة غير ربحية تكرس جهودها في دراسة وتصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي، بالإضافة الى تسهيل ونشر المعرفة بهذا المجال من خلال عقد المؤتمرات ونشر دراسات وغير ذلك من الأنشطة، وعلى وجه الخصوص، عقد سلسلة مؤتمرات “الذكاء الاصطناعي العام” (AGI)، والتي بلغت حاليا عامها التاسع.

كان لهذه الجهود دور أساسي في اعادة تنشيط هذا المجال من خلال الأبحاث بين فرق ذوي تخصصات متعددة وانتهاج طرق جديدة لفهم هذا النوع من الذكاء.
عقد مؤتمر هذا العام AGI-16 في مدينة نيويورك خلال الفترة مابين السادس عشر والتاسع عشر من شهر يوليوز المنصرم، وستنشر محاضر هذا المؤتمر في نشرة خاصة للمحاضرات تتعلق بالذكاء الاصطناعي لدورة الربيع.

ومايميز مؤتمر هذا العام أنه جزء من فعاليات الذكاء الاصطناعي المكافيء للذكاء البشري 2016 (HLAI-16)، وتزامن المؤتمر أيضا مع تنظيم المؤتمر الدولي السنوي لبنية الادراك البيولوجي (BICA 2016) وورشة العمل الدولية الحادية عشر لمفهوم التعليم بالرموز العصبية والمنطق (NeSy’16) وورشة العمل الدولية الرابعة للذكاء والإدراك الاصطناعي (AIC 2016).

وبالنظر إلى حضور العديد من المنظمات إلى مؤتمر هذا العام، فليس من الصعب تخيل كمية الدراسات وأبعاد الموضوعات المطروحة. ولهذا فسيتم عقد جلسات نقاش موجزة واختيارية حول مجموعة من مواضيع الأبحاث تتضمن في جزئها الأول النماذج الإدراكية، والوعي، والعاطفة والواقع الافتراضي.

ويتضمن الجزء الثاني البنية في التماثل العصبي والروبوتية والإبداع بالإضافة الى وضع روابط تحتوي على فيديوهات عن المحاضرات والمناقشات وتوزيع جوائز.

وقام ستيفن جروسبيرج، بروفيسور في الأنظمة العصبية والإدراكية بالإضافة الى علوم الرياضيات والنفس والهندسة البيولوجية في جامعة بوسطن، بتقديم محاضرة رئيسية بعنوان “نحو حل المشكلات الصعبة للوعي: الاختلافات في رنين الدماغ وتجارب الوعي الداعمة”.

وهي مشكلات صعبة بالفعل، إذ يعتبر الوعي أحد أهم تجاربنا والذي يبدو كشيء حقيقي ولكن يشار إليه في مجال علم الأعصاب بمصطلح ” qualia” ويعني الخصائص النوعية لتجاربنا الذاتية، وبمعنى أوسع، الإدراك الحسي والإحساس الجسدي والعواطف والحالة الإدراكية لها.

وركز في محاضرته على الدلائل التي تدعم نظريته والتي شرحها في رسالته لعام 2013 عن كيفية وعي الدماغ للتغييرات الخارجية واستحضارها وتعلمها والتعرف عليها، مؤكدا فيها حله للمشكلة الصعبة حول الوعي بفضل نظريته المتقدمة، والتي شرحت بشكل موسع كيفية الية التعلم في الأدمغة المتقدمة في المواجهة والتعرف والتنبؤ بالأحداث والأهداف في عالم متغير.

وأشار إلى وجود مشكلة محتملة تتعلق بشرح إحساسنا ب «qualia»، وان نظريته بحاجة الى ربط الدماغ بالعقل وذلك بتوضيح الية عمل الدماغ لينتج تجارب نفسية واعية، وعلى وجه الخصوص كيفية تفاعل التجارب الدماغية المختلفة لتظهر تلك النتائج.

وعلى الرغم من وضوح أطروحة الذكاء الاصطناعي العام، فإن الفرضيات الحالية لا توضح كيفية إنتاج التجارب الذاتية في الدماغ. فالعقل قد يُعتبر بنفسه “Qualia”.

على الرغم من ذلك، فإن النظرية طبقت بنجاح وعلى نطاق واسع في التطبيقات الهندسية والتكنولوجية. وهناك اثنتان من مكوناتها “الحوسبة المكملة” و “الحوسبة الرقاقية” وثيقة الصلة بالذكاء البيولوجي.

فإلى أي مدى يمكن للحوسبة ان تقترن بالوعي؟ تناول جيمس ريجي وجاريت جاتز وداي واي هوانج مشكلة الوعي من جوانب مختلفة تبعا للظواهر الإدراكية والتي قاموا بتعريفها كالآتي: “الفكرة التي تحويها تجاربنا الذاتية متضمنة عمليات ذهنية متأنية وإدراك على مستوى عالي”، وتقوم على فكرة أن الظاهرة الإدراكية قد تمنحنا وسيلة أقوى لتوظيف علم الحوسبة العصبية.

وقاموا بتحقيق موسع ذو تخصصات متعددة في علم وظائف التحليل العصبي حتى يتم التعرف على “اقتران الحوسبة بالوعي في النماذج الحاسوبية العصبية التي تمتلك وضائف ذات مستوى عالي من الإدراك والمرتبطة بحالات عقلية محددة في البحث”.

قام الباحثون بخلق ملخص مفصل عن البنية الإدراكية البيلوجية للمرشحين في التجربة كخطوة نحو حل التحديات العقلية للدماغ وتطوير أسس لخلق الة حوسبية ذات وعي.

وتوسعة للعمل السابق، قام ريكو سيكيجوتشي وهاروكي ابيساوا وجانتشي تاكينو من جامعة ميجي بتقديم رسالة لم تنشر بعد، بعنوان “دراسة الإدراك البيئي لنظام وعي ذاتي الارتقاء” وناقشوا فيها محاكاةً تحقق في الية لتطوير وعي ذاتي باستخدام شبكة عصبية مما يسمى بوحدات الوعي، وكل وحدة منها أطلق عليها اسم “وحدة الأعصاب لديناميكية متطورة”.

وضح الباحثون نتائج نجحت في هندسة نظام وعي عبروا عنه بانه “ذو صلة بتطوير إدراك ووعي ذاتي” وبمعنى أدق، ان ذلك النظام قد صمم بطريقة تجعل أجزاءه المتمثلة ب “الارتباط والمنطق والاحساس/العاطفة” تعمل مع بعضها البعض بشكل يمثل وعي ذاتي مستقل لتقوم بانتاج سلوك عقلاني، مايعني نظام ذاتي يقوم بحسابات وتقليل من السلبيات الكلية في السلوك، الذي فسره الباحثون انها تماثل “الألم”.

وبعملهم هذا، صرحوا بأنه، ومن خلال التعليم، فإن النظام المذكور يستطيع كبح السلوك المقلد كنتيجة لإدراك سلوك اخر. ويتم ذلك عبر الاستجابة لسلوك يقوم من خلاله بتجنب الألم بعد اختباره في ذاته والذي تمكن النظام من صياغة إدراك ذاتي. استنتج الباحثون أن نتائجهم رجحت وجود نظري لتطوير وعي ذاتي.

وفي دراسة بعنوان ” تصميم نموذج عن تفاعل العاطفة والإدراك في العوامل المستقلة ” تناول لويس فيليب رودريجيز وجيمس اوكتافيو جارسيا وراموس فيلكس مسائل تطبيق الهندسة الإدراكية لتصميم عوامل مستقلة، وتعني برامج حاسوبية تتمتع بأحاسيس مستقلة، وتقوم باتخاذ قرارات تبعا لذلك، وتقوم ايضا بالاستجابة عبر بيئتها. ويعني ذلك كله أن لها سلوكا ذو حساسية يستجيب للإشارات العاطفية والتي يتم استقبالها واعتبارها قابلة للإيمان والذكاء الاجتماعي.

نبه الباحثون إلى أن هناك طريقة واحدة لإدراك ذلك الهدف، وهو إدماج العمليات الشبيهة بالعواطف والإدراك البشري، فلا زالت هناك حاجة لتحديد حالة بينية من تفاعل عاطفي إدراكي. وليدركوا ذلك الهدف، اقترحوا تطوير نماذج حاسوبية للعاطفة من خلال تصميم نماذج تحتوي الية للعواطف وإدماجها في واجهات ذات مدخلات ومخرجات تسهل التفاعل بين المؤثر والإدراك.

وفي خطابه المعنون ب “نحو إطار حاسوبي في اختراع مفهوم تحركه الوظيفة ” ناقش نيكو بوتياك تطبيق نظرية المفهوم الاندماجي وتنفيذها في إطار جديد. (النظرية التي شرحت الابتكار البشري ونشرت عام 1998 من قبل جاليز فوكونير ومارك ترنر، والتي ركزت على قدرة الجمع بين مفاهيم مختلفة ومتناقضة)، وذلك لاختراع مفهوم حاسوبي.

وطريقة حاسوبية لدمج فضاءات لمفهومين موضوعيين مختلفين لإنتاج فضاء مفهومي جديد، باختيار دمج أجزاء من ذلك الفضاء مع الأخذ بالاعتبار احترام الخصائص البينية العامة.

الاختلاف الجوهري في منهجية الباحثين هي في كونها تركز على التماثل البيني في وصف المفهوم وليس على وظيفة المفهوم.

قدمت مناقشات عديدة عن الواقع الافتراضي وجهات نظر مبتكرة. إحداها كانت لجون سوا، عن الواقع الافتراضي للعقل والتي وضعت الواقع الافتراضي في سياق الارتقاء البيولوجي داخل إطار السيميائية (نظرية بيرسي للإشارات)، وذكر سوا بأن التصوير المجازي تطور عبر مئات الملايين من السنين قبل ظهور أنظمة الإدراك القائمة على اللغات والرموز”. ومع دمج التصوير بالرموز التشكيلية والكتابية، فإن علاقة البنية الادراكية برموز الاستقبال والأفعال، والفرض الضمني للذكاء الاصطناعي تحُثُّ فئةً عريضة من العلم الإدراكي، فان سوا وصل الى نظرية تجمع الواقع الافتراضي ببنية ادراكية تضم دائرة واسعة من أصناف الكائنات، وليس على البشر فحسب.

قام يوجين بوروفيكوف واليا زافورين وسيرجي يارشوف بتقديم رسالة عن الشخصيات الافتراضية التي تستطيع الرؤية، في رحلة شيقة وخيالية عن الواقع الافتراضي حيث يمكن للشخصية الافتراضية ان تتمتع بلوغارتيمية تمتلك حاسة الرؤية وتسمح بالتعرف والتواصل مع الكائنات الذكية في العالم الحقيقي.

وتتحدث رسالتهم المنشورة عن (تصميم الشخصية الافتراضية برؤية مركزية بشرية: نظرة قريبة للعالم الحقيقي من العالم الافتراضي)، والتي افترضت بان الشخصية الخيالية سيمكن امدادها ببنية ادراكية قوية تمكنها من التعلم والتفاعل مع كائنات العالم الحقيقي، وربما إلى درجة القدرة على التفكير المنطقي الذي يجعلها كائنا افتراضيا يملك ذكاء شبيها بالذكاء البشري.


ترجمة: صقر محمد عبدالرحمن اسعد
تدقيق: بدر الفراك

المصدر