هل ورث البشر سلوك القتل العمد خلال عملية التطور ؟


قامت دراسة حديثة بالتغلغل في شجرة التطور متتبعة سلوك القتل العمد لتثبت أن البشر ورثوا هذا السلوك من أسلافهم الأولين، أي أن السلوك العدواني لم ينبع من طبيعة البشر كما كان يُعتقد.

في الحقيقة، لقد كان معدل القتل بين أفراد جنسنا الأصليين أكثر بست مرات منه عند متوسط الثديات اليوم، والذي اتضح أنه لا يضاهي سوء بعض الأجناس الموجودة الآن.

في دراسة حديثة أشرف عليها فريق من الباحثين من Estación Experimental de Zonas Áridas وجامعة غراندا في أسبانيا، قاموا بجمع بيانات حول ما يزيد عن 4 ملايين حالة وفاة بين 1024 جنس من الثديات.

استخدوا تلك البيانات ليحسبوا عدد الوفيات الناتجة عن اعتداء عدواني بين أفراد نفس الجنس، ليتوصلوا بالتالي الى أكثر الأجناس بطشًا.

والمفاجئ أن الإنسان لم يتصدر تلك القائمة، بل السرقاط.

نعم، ذلك الحيوان الجذاب هو أكثر الثديات بطشًا بأبناء جنسه.

في حين أن الدراسات التي حاولت نبش جذور سلوك القتل العمد عند الانسان، فإن هذه الدراسة هي الأولى التي تقدم بيانات دقيقة عن هذا السلوك في عالم الثدييات، والتي تشير الى أننا لسنا وحدنا، ولسنا الأكثر بطشًا كما نظن.

إن الهدف من هذه الدراسة هو توضيح مسببات العنف عند البشر، الأمر الذي كان محط جدل لعقود.

في حين يشير بعض الباحثين الى الحروب الوحشية بين أفراد الشامبانزي كونها دليل على أننا ورثنا نزعتنا العنيفة، الا أن البعض الآخر يعتقد أنها نشأت من الصراعات بين القبائل من أجل الموارد.

سعى الباحث خوسيه ماريا غميز من خلال النظر في الشجرة العائلية للثديات إلى إيجاد المزيد من المعلومات حول هذا الأمر، والنتيجة التي توصل اليها كانت خليط بين التفسيرين السابقين.

“وجدنا أن العنف الفتاك لدى البشر هو ذو أصل تطوري”، يقول غميز مخبرًا مارتن ريكين من ريسيرتش قيت RersearchGate، وأضاف “لكن من الوارد أن العوامل الثقافية والبيئية قد لعبت دورًا في تغييره”.

بعبارة أخرى، لقد ورثنا حقًا نزعتنا إلى العنف، لكن ثقافتنا أثرت عليها أيضًا.

لتوضيح ذلك، قام الفريق بالنظر الى تاريخنا التطوري، بحيث عادة ما تكون الأجناس المتقاربة على شجرة التطور ذات مستويات متشابهة في العنف.

بناءً على ذلك، تنبأ غميز بمستوى العنف عند البشر، ثم بحث عن أسباب الوفاة في مجتمعات تتكون من 600 نسمة بين عام 50 ألف قبل الميلاد ويومنا هذا، ليستنتج مستوى العنف لدينا فعلًا.

أشارت النتائج الى أن البشر الأصليين كانوا أكثر بطشًا من متوسط الثديات بست مرات.

حيث أن شخصًا من بين كل 50 فردًا كان يلقى حتفه على يد بشري آخر.

إلا أن هذا المعدل لم يبقَ ثابتًا، فأثناء العصر الحجري القديم، ازداد معدل العنف الفتاك الى 3.9%، ثم ارتفع الى 12% خلال العصور الوسطى قبل أن ينخفض على مر القرون الأخيرة، مما يعني أننا الآن أقل عنفًا عما كنا عليه خلال ماضي ما قبل التاريخ ويرجع ذلك إلى أننا أصبحنا أكثر تنظيمًا بوجود قوانين أكثر صرامة.

لا تتصف كل الحيوانات الثدية بالعنف، فقد أشارت الدراسة الى أن 40% من الثديات التي دُرست بياناتها قد بطشت ببعضها البعض، وكانت الحيوانات من رتبة الرئيسيات على رأس القائمة.

كتب إد يونغ لموقع ذا أتلانتك The Atlantic “في حين أن 0,3% فقط من حالات الوفاة بين الثدييات كان سببها القتل العمد من قِبل أفراد نفس الجنس، إلا أن النسبة ترتفع الى 2,3% عند السلف المشترك من الرئيسيات، وتنخفض قليلًا الى 1,8% عند أجداد القردة العليا، ذلك هو الإرث الفتاك الذي ورثه البشر”

يقول غميز:

“لكن حقيقة أننا استطعنا أن نعدل من هذا السلوك الموروث على مر العصور هي الحقيقة التي يجب أن نركز عليها”

ختم قائِلاً “إن رسالتنا من هذه الدراسة هي أنه مهما كنا مسالمين أو عدوانيين، فمن الممكن إعادة تعديل هذا السلوك بتغيير البيئة الاجتماعية حولنا.

بمقدورنا تمامًا أن نبني مجتمعًا مسالمًا”.


ترجمة: آية ملص
تدقيق بدر الفراك
المصدر