في سنة 1938، قام ثلاثة علماء كيميائيين ألمان في مختبر بـبـرلين، باكتشاف هائل تسبب في تغيير مجرى التاريخ، تمكنوا من فلق ذرة يورانيوم وتحرير طاقة هائلة كافية لتغذية قنبلة.

لمّا علم آينشتاين أن الألمان قد يتمكنون من إنجاح هذه التجربة وخلق تكنولوجيا خطيرة، اتفق مع انريكو فيرمي على ضرورة إطلاع الأمر على رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانا فارين إليها من طغيان واضطهاد حكومتي بلديهما، حيث كان آينشتاين فاراً من ألمانيا النازية بينما هرب انريكو فيرمي من إيطاليا الفاشية.

قام آينشتاين بكتابة رسالة عام 1939، يحث فيها الرئيس الأمريكي روزفلت على الإسراع بإقامة مشروع بحثٍ علمِي حول الطاقة الذرية.

بعد ذلك، بدأ المشروع ببطيء إلى أن أدّى إلى اكتشافين في 1940 و1941 يبينان إمكانية إنشاء الطاقة الذرية: تم تحديد الكتلة الحرجة أي الكتلة اللازمة لليورانيوم لكي يتولد التفاعل المتسلسل وتم تأكيد إمكانية انقسام البلوتونيوم واستعماله في القنبلة، نتج عن ذلك جعل المشروع الأولوية القصوى للولايات المتحدة الأمريكية.

نسخة من رسالة آينشتاين للرئيس الأمريكي

في ديسمبر 1941، أطلقت الحكومة الأمريكية مشروع منهاتن (The Manhattan Project)، المشروع العلمي والعسكري، السري للغاية آنذاك والمتمثل في تطوير القنبلة الذرية.

لمحة علمية حول الانشطار النووي :

يحدث الانشطار النووي عادة عندما تُقذف نواة ثقيلة كاليورانيوم بواسطة الجسيم النووي، النيوترون.

يحدث بذلك انقسام للنوية الأولية إلى عدة أقسام حيث يحرر الانشطار الواحد 200 ميغا الكترون فولط مما يعادل 13^10*1,609 جول هذه النوايا الناتجة.

علما أن مجموع كتل النوايا الناتجة أقل من النوية الأصلية، تُحوّل الكتلة المفقودة (تساوي أقل من %0,1 من كتلة النواة الأصلية) إلى طاقة E حسب قانون آينشتاينE=m*c^2 .

تمثل m الكتلة و c سرعة الضوء.

وينتج التفاعل المتسلسل عن حدوث انشطارات متتالية نتيجة اصطدام النيوترونات الناتجة من انشطار سابق مع النوايا الناتجة، كما هو مبين في الصورة.

إذا يتسبب نيوترون واحدًا في إصدار نيوترونين على سبيل المثال، وتتضاعف الانشطارات في كل مرة.

مخطط يوضح الانشطار المتسلسل لليورانيوم 235

تحت مدرجات ملعب ستاغ (STAGG FIELD) بجامعة شيكاغو والذي لم يكن يُستعمل للعب كرة القدم.

تم إنجاح الانشطار المتسلسل داخل أول مفاعل نووي اصطناعي في العالم Chicago Pile-1 المتواجد وسط غرفة عبارة عن كومة من الطوب الخام الأسود والكتل الخشبية.

وكان يمزح العلماء بعضهم قائلين : «إذا علم الأمريكيون ما نفعله بنصف مليون دولار، سيضنون أننا قد أصبحنا مجانين.»

خلال هذا الحدث الكبير، تم تحديد الكمية الحرجة لليورانيوم، وهي كمية اليورانيوم اللازمة لحدوث انشطار نووي متسلسل مكتفي ذاتيًا، تحت شروط خاصة وداخل مفاعل معين.

مجموعة من العلماء الذين أنجحوا أول تفاعل نووي متسلسل، بشيكاغو. يتواجد بينهم أنريكو فيرمي المشار إليه بالمربع الأحمر

بعد هذا الاكتشاف الهام، أصبح تمويل المشروع أسهل بكثير وتقدم بصفة ملحوظة.

حيث سمح الرئيس روزفلت بإقامة مشروع منهاتن بالمرافق النووية التي بُنيت بأوك ريدج، تنيسي وبهانفورد، واشنطن.

كما بتواجد مصنع التجميع الرئيسي بنيو أولموس، نيو مكسيكو، حيث كلف روبرت أوبنهايمر، الملقب بأب القنبلة النووية،
بتجميع القطع فيما بعضها.

بعد أن تمّ إحصاء الفاتورة النهائية، تبيّن أنّه تمّ إنفاق ملياري دولار على البحث وتطوير القنبلة الذرية.

كما تم توظيف 120.000 أمريكي.

السريّة التي تميّز بها المشروع:

تميّز المشروع بسرية تامة فلم يستطع اليابانيون ولا الألمان أن يعلموا بالأمر.

اتفق روزفلت وتشيرشل على أن يظل ستالين جاهلًا بالأمر، وبالتالي لم يلم بأمر تطوير القنبلة النووية إلّا مجموعة صغيرة من العلماء والمسؤولين.

والعجيب في الأمر أنّ نائب الرئيس ترومان لم يسمع أبدًا عن مشروع مانهاتن إلى غاية أن أصبح رئيسًا.

رغم أنّ قوات المحور بقيت على غير علم حول جهود لوس الموس، واكتشف القادة الأمريكيون أنّ الجاسوس السوفياتي كلوس فاش تسلل بين الباحثين.

بحلول صيف 1945، كان أوبنهايمر مستعدًا لاختبار القنبلة النووية الأولى.

في 16 يوليوز 1945، استعد مجموعة من العلماء لمراقبة تفجير أول قنبلة نووية عبر التاريخ، بموقع تينيتي غير بعيدٍ عن قاعدة القصف ألاموغوردو بنيومكسيكو.

وكان الجهاز مثبتًا أعلى برجٍ طوله 100 قدم ثم حرر نحو الأسفل قبل الانفجار مباشرة. ولم يكن أحد مستعدا للنتيجة التي كانت عبارة عن ضوء شديد اللمعان ارتفع إلى غاية 200 ميلاً نحو السماء، وسحاب على شكل فطر سمكه 40000 قدم، فجر نوافذ السكان على بعد 100 ميل.

وخلف الأمر حفرة كبيرة على طول نصف ميل محولاً الرمل إلى ما يشبه الزجاج.

ولتفادي اكتشاف أمر المشروع وإبقائه سريًا، تم إصدار حقيقة مزيفة متمثلة في انفجار مخزون ذخيرة. وتمّ إعلام الرئيس ترومان فورًا أنّ مشروع قد نجح.

هيروشيما و ناجازاكي:

في صباح السادس من أغسطس 1945، قصفت قاذفة القنابل بوينغ بي-29 سوبر فورترس قنبلة من اليورانيوم كتلتها 4400 كلغ، ملقبة ب Little Boy أي الولد الصغير، على مدينة هيروشيما والتي تعتبر منطقة عسكرية هامة.

بعد ثوان من القصف، صارت المدينة مغطاة بسحاب مروع ارتفع إلى 1900 قدم فوق المدينة.

خلف القصف 70000 قتيل وجرح 70000 آخرون.

مع نهاية 1945 وصل عدد القتلى إلى 140000 إثر تأثير الإشعاع النووي.

وارتفع العدد بعد خمس سنوات إلى 200000.

ثلاث أيام بعد حادثة ناكازاجي، ولأسباب معينة، تم قصف قنبلة نووية ثانية من البلوتونيوم، سميت ب Fat Man أي الرجل السمين.

وخلف الانفجار خسائر مادية وبشرية مروعة تمثلت في 40000 قتيل، ثم وصل العدد الإجمالي للضحايا إلى 140000.

الصورة (يسارا)ً تبين قنبلة البلوتونيم Fat Man التي قصفت على ناجازاكي. تبين الصورة على اليمين السحابة التي نتجت عن الانفجار.

هل لآينشتاين دور في تطوير القنبلة الذرية؟

رغم أنّ آينشتاين لم يعمل مباشرة على تطوير القنبلة الذرية، إلا أنّه يعتبر مسؤولًا بالخطأ على نشأة الأسلحة النووية.

تفسّر نظريته الشهيرة E=m*c^2 كمية الطاقة المحررة من انفجار نووي ولكن لا تفسر كيف يتم صناعة قنبلة نووية.

غالبًا ما كان يجيب الناس حين يسألوه عن دوره في المشروع، قائلًا: «لا أعتبر نفسي أب القنبلة النووية، دوري في المشروع كان غير مباشر تمامًا.»

كما طُرح عليه محرر في مجلة يابانية سؤالًا حول مساهمته في إنتاج القنبلة الذرية مع علمه الجيد بقوتها المدمرة.

كان جواب آينشتاين دائمًا أنّ عمله انحصر على إرسال رسالة إلى الرئيس روزفلت مقترحًا عليه إقامة بحث حول الأسلحة النووية قبل أن يكتسب الألمان هذه التكنولوجيا الخطيرة.

لكنّه ندم على ذلك.

في حوار مع مجلة نيوزويك، قال آينشتاين: «لو علمت أنّ الألمان لن ينجحوا في تطوير قنبلة نووية، لما فعلت أي شيء.»


  • إعداد: عبروش محمَّد السَّعيد.
  • تدقيق: بدر الفراك.
  • تحرير: سهى يازجي.

مصدر (1) , مصدر (2) , مصدر (3) , مصدر (4) , مصدر (5)